رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إسقاط اتفاق ساقط


إسقاط «اتفاق الصخيرات» خطوة تأخرت كثيرًا. كما تأخر أيضًا تفويض الشعب الليبى لجيشه الوطنى، أو تكليفه، بإدارة شئون البلاد. وبقبول المشير خليفة حفتر التفويض، وبإعلانه إسقاط ما وصفه بـ«الاتفاق السياسى»، نتمنى ألا تتأخر باقى الخطوات العملية، على الأرض، وأولاها خطوة تشكيل الحكومة، حكومة تملك الإرادة والقدرة على إنفاذ قراراتها.
منذ تم التوقيع عليه، قوبل «اتفاق الصخيرات» برفض قاطع من نورى بوسهمين، رئيس المؤتمر الوطنى العام «برلمان طرابلس»، ومن عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب «برلمان طبرق». والاثنان أكدا، خلال لقاء جمعهما فى مالطا، يوم ١٥ ديسمبر ٢٠١٥، أن الموقّعين على ذلك الاتفاق لا يمثلون المؤتمر العام أو برلمان طبرق، بل وقعوا عليه بصفاتهم الشخصية.
بسقوط الاتفاق الساقط، سقط أيضًا الساقط فايز السراج «الرئيس غير التوافقى لحكومة الوفاق بليبيا»، والوصف ننقله من عنوان نشره موقع «الجزيرة نت»، فى ١٩ ديسمبر ٢٠١٥، نعم، هو ذلك الموقع التابع لشبكة «جزيرة موزة»، وغالبًا لم تكن العائلة القطرية الضالة تعرف، وقتها، أن المذكور يجلس على الحجر نفسه، الذى تجلس عليه. والأهم من رأى الضالين والموتورين هو أن حكومة فايز السراج، أو ما كان يوصف بالمجلس الرئاسى لحكومة الوفاق، كانت مفروضة على الشعب الليبى، ولم يعتمدها مجلس النواب، ولم يحلف رئيسها وأعضاؤها اليمين الدستورية.
ما حدث بالضبط، هو أن برناردينو ليون، مبعوث الأمم المتحدة الرابع إلى ليبيا، هو الذى اختار السراج رئيسًا للحكومة، «حكومة الوفاق الوطنى»، فى أكتوبر ٢٠١٥، وكلفه بتشكيل مجلس رئاسى للبلاد يمثل أطراف النزاع: برلمان طبرق وحكومته وبرلمان طرابلس وحكومته وقوى سياسية أخرى. ثم نص الاتفاق، الذى تم توقيعه فى ديسمبر ٢٠١٥، بمدينة الصخيرات المغربية، على تعيين السراج، وجاء فرضه هذه المرة من مارتن كوبلر، المبعوث الأممى الخامس، متجاهلًا اعتراض غالبية القوى الليبية، والمظاهرات التى خرجت اعتراضًا على الاتفاق الذى «يجسد الوصاية الغربية على ليبيا». وهكذا، صارت مؤسسات الدولة هى أدوات الإرهابيين، والدول التى تدعمهم، لنهب ثروات الشعب الليبى.
ثروات الشعب الليبى هى كلمة السر وراء الصراع الدولى والإقليمى الدائر. وفى الحرب الدائرة منذ سنوات، لا يقاتل الجيش الوطنى الليبى الميليشيات الإرهابية فقط، بل يقاتل معها تركيا وقطر وغيرهما من الدول التى أوضحنا مرارًا أنها حريصة على عدم وجود سلطة مركزية موحدة، وتسعى إلى إطالة أمد الصراع حتى تتمكن من نهب تلك الثروات أو ما تبقى منها.
التدخلات الخارجية، التى أسهمت فى تصعيد وإطالة أمد الصراع، زادت بشكل ملحوظ مع بدء عملية تحرير أو تطهير العاصمة طرابلس، فى ٤ أبريل الماضى، ثم مع انطلاق المرحلة الثانية من عملية التطهير أو طوفان الكرامة. وأصابت مجنون تركيا حالة سعار، جعلته يرتكب حماقات قد تشعل حربًا إقليمية، مع إعلان الجيش الوطنى الليبى، فى ١٢ ديسمبر الماضى، عن إطلاق «معركة حاسمة»، للسيطرة على العاصمة الليبية.
نهاية مارس توصل الاتحاد الأوروبى لاتفاق يقضى بمراقبة حظر تصدير السلاح لليبيا عبر تشكيل بعثة بحرية وجوية تحمل اسم إيرينى Irini، تنفيذًا لقرار مجلس الأمن رقم ١٩٧٠ الصادر فى ٢٦ فبراير ٢٠١١، الذى طالب جميع الدول، خاصة الدول المجاورة لليبيا، بأن «تتولى، بما يتفق وسلطاتها وتشريعاتها الوطنية ويتسق والقانون الدولى، وبخاصة قانون البحار واتفاقات الطيران المدنى الدولى ذات الصلة، القيام داخل أراضيها، بما فى ذلك الموانئ والمطارات، بتفتيش جميع البضائع المتجهة إلى الجماهيرية العربية الليبية أو القادمة منها».
مع ذلك، دخلت القوات التركية فى اشتباكات عسكرية مباشرة مع الجيش الوطنى الليبى، وتوسعت العمليات العسكرية وصولًا إلى دخول قطع بحرية تركية رست قبالة طرابلس فى الصراع، مطلع أبريل الجارى. كما استغلت تركيا انشغال العالم بتفشى وباء كورونا، ونقلت مزيدًا من الأسلحة إلى الميليشيات الإرهابية، وما زال المرتزقة يتدفقون أمام أنظار العالم.
الوضع فى ليبيا سيستمر فى التدهور، لو لم يتمكن الجيش الوطنى الليبى من إحكام سيطرته على كامل الأراضى الليبية، وتطهيرها من الميليشيات الإرهابية، ونتوقع «أو نتمنى» أن يكون ما يوصف بـ«المجتمع الدولى» قد أدرك ذلك، كما نتوقع «أو نتمنى» أن يكون قد أدرك، أيضًا، أنه لا مجال للحلول الجزئية لمثل هذه الصراعات أو النزاعات، وأن الحل الشامل لا يكتمل إلّا بالقضاء على الإرهابيين، ومحاسبة المخربين والدول الراعية للإرهاب.
خطوة مهمة طبعًا أن يتم إسقاط الاتفاق الساقط، وخطوة أهم أن يقوم الليبيون بتفويض قواتهم المسلحة، جيشهم الوطنى، لقيادة المرحلة. إذ لا نعتقد أنه يمكن الحديث عن الاستقرار، الأمن، أو التحول الديمقراطى، فى وجود ميليشيات إرهابية، تكون واهمًا لو اعتقدت أنها قد توافق على تسليم سلاحها أو تسريح أفرادها، إلّا فى جهنم.