رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشيخ أحمد زيد الدمهوجى .. زاهد فى الدنيا محباً للعبادةشش


أحمد زيد على أحمد الدمهوجي الشافعي هوالشيخ الخامس عشر للأزهر.
يُنسب إلي قرية "الدمهوج" بمحافظة المنوفية، بالقرب من بنها، وهى القرية التى يرجع إليها أصل عائلته وإقامتهم فيها قبل انتقالهم إلى القاهرة.
تولى مشيخة الأزهر عام 1830م وبقى بها ستة أشهر حتى لقى ربه، كان عازفاً عن زينة الدنيا ومظاهرها، منقطعاً للتدريس والعبادة، ولذا قل ما عرف من أخباره.
وُلد بالقاهرة سنة 1761م. كانت داره "برقعة القمح"، وراء رواق الصعايدة، بجوار الأزهر، وهناك عطفة تُعرف بعطفة "الدمهوجي".
تلقى الشيخ الدمهوجي العلوم الأزهرية على أيدي علماء الأزهر وشيوخه، وأثبت في تحصيل العلوم درجة عالية، وشغفاً عظيماً، فقد كان ذكاؤه باهراً.
بعد وفاة الشيخ العروسي ظل منصب مشيخة الأزهر خالياً إلى أن جاء قرار الوالي - بعد إجماع العلماء - بتكليف الشيخ الدمهوجي لتحمل أعباء هذا المنصب، وعُيِّن الشيخان المهدي والأمير وكيلين للشيخ الدمهوجي نظراً لكبر سنه، واحتياجه لمن يساعده في القيام بمهام هذا المنصب. وقد تولَّى الشيخ الدمهوجي مشيخة الأزهر فترة قصيرة جدًّا وهي ستة شهور فقط، حتى توفاه الله.
وقبل أنْ يتولَّى الشيخ "الدمهوجي" منصبَ شيخ الأزهر ظلَّ المنصب شاغراً لمدَّة ستَّة أشهر بعد وفاة الشيخ العروسي، والمؤرِّخون لم يُناقشوا في كياسته وحُسن تعرُّفه في سياسته وقُدرته على حلِّ المشكلات.
الإمام "الدمهوجي" كان ذا مَآثِر شتَّى، ومَفاخر مُتنوِّعة، ومنها على سبيل المثال أنَّه كان لبيباً يشدُّ انتباه كلِّ مَن يسمعُه، ويجذبُ محدِّثَه نحوه، وأنَّه كان لا يملُّ التدريس لطلابه؛ فقد كان يأتي حلقة درسه عند تنفُّس الصبح ولا يُغادرها حتى تغرُب الشمس، وكان طلابه لا يَسأَمون ذلك، ولا يقلُّون شغفاً عنه بمتابعة كلِّ ما يقولُ؛ حرصاً على ما يستفيدونه من علمه، وما يقطفونه من ثمار العلم ولا يجدونها عند غيره، فهو بحرٌ لا ساحلَ له ولا قَرار، ولأنَّه أدرك عدداً كبيراً ممَّن جلسوا على كرسيِّ المشيخة وغيرهم من كبار العلماء وتتَلمَذ عليهم، واستفادَ منهم وعددُهم كبير، وقد شهدوا له وأثنَوْا عليه وعلى عِلمه ودِينه وخُلُقِه، ولولا ذلك لما اختاروه لمنصب المشيخة، ولا جلس على هذه المكان السامي، ويذكر ممَّن أرَّخوا للشيخ "الدمهوجي" أنَّه لم يحبس وقته وجهده على تحصيل العلم وتدريسه فقط، وإنْ كان هذا عملاً مشكوراً يستحقُّ الثناء عليه، وإنما كان يُخصِّص وقتاً يخلو فيه لعبادة ربِّه ليلاً، ويشكر ربَّه على نعمائه، فحياته كانت مقسَّمة بين تحصيل العلم وتدريسه، والانقطاع لعبادة الله، وظلَّ هكذا رغم الأعباء الجِسام الملقاة على كاهله؛ ولهذا لم يستطع أنْ يُشارك في الاجتماعات العامَّة أو الخاصَّة. كان الشيخ الدمهوجي حسن الصورة، هادئ الطبع، زاهداً، منقطعاً للعبادة والتدريس وتحصيل العلم.
والمؤرِّخون لم يذكروا عن حياته إلا القليل؛ وهذا راجعٌ إلى زهده وتواضعه وبُعده عن مَشاغل الحياة ومَظاهرها، دائم الصلاة بمسجد الأزهر، يقول صاحب "الخطط" في مذكراته: (إنَّه تولَّى مشيخة الأزهر وله من العمر سبعون عاماً، وذلك سنة 1830م، وظلَّ بها مدَّة ستَّة أشهر فقط، حيث توفَّاه الله، والمشهور عنه أنَّه كان حسَن الصورة، جميل الهيئة، أنيق الهندام، ذا هيبةٍ ووقار، يجلُّه كلُّ الناس؛ مَن يعرفه ومَن لا يعرفه، حكَّاماً ومحكومين)، وهناك وثيقة مهمَّة تُؤيِّد ذلك ذكَرَها صاحب "كنز الجواهر" تحملُ دلالات تشيرُ إلى كيفيَّة تولِّي الإمام "الدمهوجي" مشيخة الأزهر، أهمها: (1) أنَّ الحاكم كان حريصاً على إرضاء علماء الأزهر، وفي هذا يقول الوالي: "إنَّ أقصى مرامنا راحة فقهاء الجامع الأزهر". (2) أنَّ الحاكم كان يأخذ برأي كبار الفقهاء والعلماء فيمَن يُولِّيه مشيخة الأزهر. (3) أنَّ الحاكم كان حريصاً على تيسير كلِّ وسائل المعونة لمن ولاه مشيخة الأزهر؛ حيث لاحَظ تقدُّم العمر للشيخ "الدمهوجي"، ويحتاج لمن يُعاونه في تحمُّل أعباء المشيخة ومنصبها). والوثيقة مع هذا تُعطينا صورةً لأسلوب الكتابة في عصر الشيخ "الدمهوجي" تهمُّ الباحثين في تاريخ الأدب وتطوُّر أسلوب النثر، كما تهمُّ المؤرِّخين والمهتمِّين بالعلوم الإداريَّة، وقد أثبَتَها صاحب "كنز الجواهر" وهي تشملُ كيف تولَّى الإمام "الدمهوجي" المشيخة.
لم تكن للإمام "الدمهوجي" مؤلَّفات تستوعب ثقافته، وتحفظ نتاجه، ويكفيه ما خلَّفَه من التلاميذ الذين تخرَّجوا على يديه وأفادوا من منهجه في كسب المعارف المختلفة والعلوم المتنوِّعة، ولم يكن الدمهوجي هو أوَّل الأئمَّة الذين شغلَهُم التدريس عن التأليف؛ فقد سبقه إلى ذلك الأئمَّة من قبله؛ مثل: "النشرتي، والقليني، وشنن، والسجيني"، وكان لتلاميذه الأثر الذي لا يُنكَر في نشر علومهم، وإذاعة مَعارفهم، وقد كان أبو حنيفة النعمان أشهرَ الرجال في هذا المجال، فقد صرفه التدريس عن التأليف، وتولَّى أبو يوسف ومحمد وظفر وغيرهم من أصحابه نشرَ مذهب أبي حنيفة، فألَّفوا الكتب الكبيرة والمبسوطات الكثيرة، التي ما زال رجال المذهب يشربون من مَناهِلها حتى اليوم، ولم يكن أبو حنيفة وحدَه الذي سلك هذا المسلك؛ فقد كان السيد جمال الدين الأفغاني وهو أمَّة وحدَه في الذود عن الدِّين الإسلامي والدِّفاع عن مَبادئه.
ظلَّ تلاميذه عشَّاق حلقته الذين وَرِثوا العلم عنه ونشَروه، حتى لبَّى الإمام "الدمهوجي" نداءَ ربِّه ليلة عيد الأضحى فى 21 مايو سنة 1831 م. وصُلِّي عليه بالأزهر الشريف، وحُمِل إلى قبره في تراب المقطم في جنازةٍ جليلة مَهِيبة سار خلفَه فيها الخاصَّة والعامَّة.