رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى انتظار الشبح المصرى


يصيبنا التزاحم المستمر فى الأسواق والشوارع طول النهار، رغم التحذيرات المستمرة منذ شهرين من أخطار كورونا، بالصدمة يومًا بعد يوم، فهل فشلت وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، وكذلك السوشيال ميديا فى إقناع الناس فى مصر باتباع أول إجراءات الوقاية من الفيروس وهو التباعد الاجتماعى؟
كيف تقنع هؤلاء المنطلقين فى الشوارع بحثًا عن ياميش رمضان ورنجة شم النسيم، والذين خططوا لقضاء إجازات على الشواطئ، بأنهم يضحون بحياتهم وحياة أعز أحبابهم ويعرضونها للخطر.. فهل هناك أخطر من المرض والموت؟.. هل معقول أن كل هؤلاء المخالفين من الشجعان الذين لا يهابون الموت، أم أنهم لم يفهموا كل هذه التحذيرات، واعتقدوا أنهم أقوى من الفيروس الذى حير أكبر دول العالم؟
هل نحن فى حاجة إلى تحذيرات مبتكرة، تعتمد على أشياء غير تقليدية، حتى لو كانت من بينها الخرافات؟
طرأ هذا التساؤل على خاطرى وأنا أتابع تفاصيل قصة رجل فى إحدى المدن الماليزية الصغيرة، شعر بالخوف من سلوك أهل بلدته وتهورهم، وخروجهم من بيوتهم حتى فى الليل، ضاربين عُرض الحائط بكل التحذيرات والبيانات الرسمية التى تؤكد أن هناك تصاعدًا مستمرًا فى الإصابات والوفيات الناجمة عن فيروس «كوفيد- ١٩» فى ماليزيا.
قرر الرجل ويدعى محمد أورابيل، ويبلغ من العمر ٣٨ سنة، أن يستغل خوف أهالى بلدته من الأرواح والأشباح التى يروجون عنها عشرات الحكايات الخرافية.. ولذلك قرر الخروج ليلًا للسير فى شوارع البلدة مرتديًا ملابس «شبح»، وهى عبارة عن جلباب ويغطى وجهه بلحية بيضاء وشارب أبيض، وهو يرسم على وجهه نظرة وتعبيرات جامدة، وبدأ يسير فاردًا ذراعيه ويصدر أصواتًا تبدو كهمهمات غير مفهومة.
وفوجئ محمد أورابيل بردود الأفعال، فقد كان الجميع يهربون بمجرد رؤيته، وهم فى حالة خوف وهلع، وبدأت شوارع البلدة المعروفة باسم «كمامان» تخلو من المارة، وظل الناس فى بيوتهم مرعوبين من هذا الشبح الذى يهيم ويهمهم فى الطرقات ليلًا.
وبعد عدة أسابيع فوجئ أورابيل بعدد من رجال الشرطة، يدخلون إلى بيته فأصيب بالرعب وأعتقد أنهم سيقبضون عليه بعدما راقبوه واكتشفوا أنه الشبح المزيف، لكن الرجل فوجئ بأن رجال الشرطة جاءوا لتحيته على فكرته العبقرية، التى نجحت فى إخلاء الطرق ليلًا وحماية السكان ولو إلى حين، والطريف أن بعض رجال الشرطة طلبوا منه ارتداء ملابس الشبح ليلتقطوا معه الصور التذكارية.
الحكاية رغم طرافتها تؤكد أن الناس فى كثير من البلدان التى تتشابه معنا ومع أفكارنا يحتاجون لوسائل توعية، أو حتى لوسائل تخويف غير عادية وغير تقليدية، لنحميهم من شرور أنفسهم، سواء كان ذلك عن طريق أرواح وأشباح مزيفة أو حتى اختراع كذبة عن كسوف للشمس، الذى يصيب بالعمى كما شاهدنا فى فيلم «طباخ الرئيس». والمهم أن نبدأ فى التفكير والتنفيذ بسرعة؛ لأن الخطر كبير، بل ومميت.. ومن الواضح أن هناك عقولًا ترفض الاقتناع بأن شبح الموت والمرض أقرب مما يظنون، وأنهم ربما يسرعون الخطى إليه دون إدراك.