رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فيروس كورونا والقيم الإنسانية


عودنا الشعب المصرى العظيم على احتمال الشدائد، كما عودنا فى أحلك المحن على أن يُخرِج أجمل ما فيه من صفات تحمل الأصالة والشهامة والتضامن والتعاون والتراحم والتكافل، وعودتنا المرأة المصرية على الصبر ومواجهة الصعوبات والأزمات بكل مهارة وتدبير، يجعلانها تتربع على عرش اقتصاديات الأسرة، وبالتالى تستحق لقب وزيرة الاقتصاد المنزلى فى أحلك الظروف، فهى قادرة على ترتيب أولويات الصرف بعد استقطاع المبلغ المطلوب للمصروفات الثابتة، ومنها إيجار الشقة ومتوسط فواتير الغاز والمياه والكهرباء، ثم توزيع ما يتبقى من الدخل على مصروفات الطعام أولًا، وقد يتبقى بعد ذلك القليل للملبس أو للفسح والرحلات بعد انتهاء الأزمة.
هل تتحول محنة الفيروس إلى منحة فى تغيير نمط السلوك الاستهلاكى والتكالب على شراء السلع «الشوبنج»؟ هل تعتمد الأسرة على صنع الطعام داخل المنزل، مما يساعد على تناول طعام صحى بتكلفة قليلة بدلًا من الاعتماد على الطعام المجهز فى شكل وجبات سريعة يؤدى معظمها إلى السمنة وهشاشة العظام والأنيميا لكثرة احتوائها على الدهون والنشويات بجانب كثرة تناول المياة الغازية؟.. نتمنى ذلك.
كما نتمنى أن يزداد التواصل الاجتماعى والتقارب بين أفراد الأسرة بفتح حوارات متنوعة بين الأبناء والآباء والأمهات والتعاون بينهم على أساس أن الفرد فى خدمة المجموعة والمجموعة فى خدمة الفرد، مع ممارسة عادات لم تكن موجودة، منها السماع للموسيقى والقراءة، مع إعادة اكتشاف مواهب وقدرات الأبناء وتنميتها بجانب ترسيخ قيمة النظافة والانضباط.
ولكن للأسف تطالعنا الأنباء بزيادة العنف الأسرى ضد المرأة باعتبار أن الجلوس فى المنزل لساعات قد تطول بسبب محنة فيروس كورونا ولأيام وأشهر تولد التوتر والعصبية، التى تجعل الرجل فى معظم الأحيان ينفث عن غضبه بارتكاب أشكال من العنف ضد المرأة، سواء أكان عنفًا لفظيًا أو بدنيًا، وإننى أتساءل: إلى متى تستمر ثقافة العنف ضد المرأة فى كل المجتمعات، باعتبارها العنصر الأضعف الواقع عليه الظلم والتمييز فى غالبية الأحوال؟ آن الأوان لمزيد من التوعية لترسيخ مفاهيم المواطنة وعدم التمييز والمساواة وتغليظ العقوبات ضد جرائم العنف ضد المرأة.
ومع إجراءات إغلاق الطيران والحدود البرية والبحرية ووقف التصدير والاستيراد لسلع ضرورية لا بد من إعادة هيكلة المنظومة الاقتصادية «التى تعتمد على اقتصاد الخدمات بدلًا من الإنتاج»، والاهتمام بالزراعة والصناعة لتلبية الاكتفاء الذاتى من الاحتياجات الضرورية من غذاء ودواء مع اهتمام الحكومات بزيادة ميزانية الخدمات والمرافق: الصحة والتعليم والسكن الصحى والمياه النظيفة والصرف الصحى والكهرباء بمعنى أن نرجع لقيمة العمل المنتج.
لقد ولدت كارثة الفيروس مظاهر إيجابية، منها التعاون والتكاتف بين البشر من أجل مواجهة الخطر والشعور بالمساواة أمام غزو فيروس كورونا الذى داهمنا جميعًا لم يفرق بين غنى أو فقير، رجال ونساء وأطفال، كبار السن أو صغار، مسلم أو مسيحى أو بوذى، فيروس تخطى جميع الحدود للدول فى الشمال والجنوب والشرق والغرب، الدول الفقيرة والغنية. هل نحلم ونتمنى استمرار التعاون وإعلاء قيم التسامح والمواطنة وقبول الآخر بدلًا من التعصب والأنانية والفردية وإعلاء المصلحة الخاصة على المصلحة العامة؟.
وفى الوقت الذى اتجه فيه كثير من الدول والحكومات للتضامن والتعاون مع بعضها البعض لمواجهة محنة الفيروس فى العديد من المجالات الطبية والبحثية والاقتصادية وأعطت مثلًا فى إعلاء القيم الإنسانية من التضامن والدعم العابر للأيديولوجيات والسياسات، ومنها روسيا وكوبا والصين ومصر، فى الوقت نفسه نجد دولًا من الدول الرأسمالية المتوحشة، وعلى رأسها أمريكا وعدد من دول الاتحاد الأوروبى الغنية، تعاملت بأنانية وفردية، وأعلت مصلحتها الخاصة، ولم تقدم يد العون لحلفائها أو أصدقائها، بل والأبشع من ذلك تعاملت مع مواطنيها كرقم فى حسابات المكسب والخسارة وترس فى عجلة الأرباح، وليسوا كإنسان، رأيناها ترفع شعارًا منحطًا أخلاقيًا هو «فقدان الأرواح بدلًا من تبدد الأرباح»، بمعنى الأرباح قبل الإنسان، وعندما وجدت هذه الدول أن تكلفة فيروس كورونا أقل من تكلفة إنقاذ الإنسان لم تبادر، بل تأخرت فى أخذ إجراءات العزل وتوقف التجمعات، ودول أخرى سقطت أخلاقيًا، حينما فضلت علاج الشباب صغار السن على حساب كبار السن فوق ٦٥ عامًا، لأنهم عبء على الدولة، ناسين أن هؤلاء هم من بنوا الدولة بفكرهم وسواعدهم وعطائهم.
إننا نأمل بعد انتهاء محنة الفيروس أن تعلو القيم الإنسانية ويسود السلام والتسامح والعدالة والإخاء والمساواة والتعاون والتكاتف بدلًا من قيم التوحش والجشع والطمع والاستغلال والتعصب والأنانية.