رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السلوك المرفوض والوعى المفروض


يستمر الإعلام يمارس عمله ويؤدى رسالته التوعوية ما دام هناك خطر داهم تتعرض له البلاد ويصيب به بل يتوفى بسببه العباد، والخطر هنا هو فيروس «كورونا» اللعين الذى بدأ ينتشر بين أرجاء العديد من القرى بل فى بعض أحياء المحافظات المختلفة بشكل يدعو للقلق ويدفعنا إلى الإصرار على الاستمرار فى التوجيه والتوعية والتحذير وعرض الحقائق ونشر الإحصائيات وطرح أساليب الوقاية والأخذ بالأسباب حتى تمر تلك الموجة العاتية التى لم نسمع عن مثيلتها منذ عقود طويلة من الزمان وتهاجم دول العالم أجمع بلا استثناء أو استئذان أو هوادة، وتحصد الأرواح دون النظر للسن أو النوع أو الجنسية ودون تفرقة ما بين غنى وفقير أو بين مسئول كبير وغفير، فعامل النظافة البريطانى الذى أُصيب بهذا الفيروس يتم علاجه فى الغرفة الملاصقة لتلك التى يعالج بها رئيس وزراء دولته «الذى خرج قبل أيام» وكلاهما معرض للموت أو الشفاء.
من هذا المنطلق فقد رأت الدولة أن تستمر فى تطبيق حظر التجول حتى يوم ٢٣ أبريل مع تعديل بسيط، حيث أصبح البدء فيه من الساعة الثامنة مساء وذلك لإعطاء فرصة أكبر لتسهيل حركة التنقلات للعمال والموظفين ومنعًا من تكدسهم عقب انتهاء عملهم، على أن تواكب ذلك زيادة أعداد أتوبيسات النقل العام وتقاطر مترو الأنفاق بشكل أسرع لاستيعاب تلك الأعداد.
بالرغم من ذلك فقد كان السيد رئيس مجلس الوزراء واضحًا وصريحًا عندما أعلن عن أنه يتوقع زيادة نسبة الإصابات وانتقال العدوى خلال الأيام المقبلة بسبب عدم الالتزام بالإجراءات التى نادت بها الدولة للوقاية منها مثل التباعد الاجتماعى وتجنب الازدحام فى الأسواق والبنوك ووسائل المواصلات بالرغم من أنه بقليل من الانضباط والالتزام يمكننا تجنب أى تداعيات قد نتعرض لها بسبب هذا الإهمال أو الاستهتار والتواكل وعدم الأخذ بالأسباب.
إلا أننا لاحظنا مؤخرًا ظهور سلوكيات لم نتعود عليها بين أبناء شعبنا الأصيل ولم نكن نتوقعها من بعض فئاته خاصة فى مثل هذه الظروف التى تتعرض لها البلاد، من أهمها وأخطرها «ظاهرة التنمر» التى تواجه أهلنا من المرضى الذين أُصيبوا بفيروس «كورونا» وكأنهم أخطأوا فى حق المجتمع، علمًا بأنهم ضحايا هذا المجتمع، حيث تشير الإحصاءات والحقائق إلى أن معظم المصابين تعرضوا للعدوى من أهلهم وجيرانهم وأصدقائهم العائدين من الخارج أو هؤلاء الأبطال من الأطباء والطبيبات ومعاونيهم الذين تعرضوا للإصابة حال قيامهم بعلاج المصابين من هذا الفيروس، حتى وصل الأمر إلى اعتراض أهالى إحدى القرى على دفن إحدى الطبيبات التى أُصيبت بالفيروس، وهو الأمر الذى أدى إلى تدخل الشرطة وإنهاء إجراءات الدفن التى تمت وفقًا لكافة المعايير الطبية والصحية وتم القبض على مثيرى الشغب والتجمهر فى تلك القرية الذين تبين أن من بينهم من ينتمون لجماعة الإخوان الإرهابية وبعضهم من السلفيين المتشددين.. وكيف لا وقد تبين أن تلك القرية هى التى اختبأ فيها الإخوانى صفوت حجازى وقام بتغيير هيئته وملامحه بها قبل محاولة هروبه إلى ليبيا والقبض عليه على الحدود؟
وهنا أجد أنه لزامًا أن أتوقف قليلًا وأشير إلى ذلك الدور الخطير التى تلعبه حاليًا جماعة الإخوان التى لا تتوقف عن سعيها المحموم للانتقام من الشعب المصرى الذى أسقطها فى ثورة ٣٠ يوليو فراحت تتاجر وتراهن على سلامة أبناء هذا الشعب وتضع الخطط والحملات لإثارة الفوضى والذعر بين المواطنين فى محاولة لإضعاف جهود الدولة فى مواجهة هذا الفيروس العاتى، وهو ما تجلى فى العديد من دعوات الجماعة إلى الخروج فى تجمعات مثل تلك التى وقعت يوم السبت الماضى فى إحدى قرى الدقهلية وقبلها فى الإسكندرية ولن تتوقف عن هذا السعى الغادر بهدف تعريضهم لخطر العدوى وانتشار المرض بينهم، وها هى الآن تبدأ فى الإعداد والتجهيز لحث المسلمين للاعتراض على غلق المساجد مع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك الذى يُستحب فيه أداء العبادات فى المساجد وأداء صلاة التراويح.
وفى ذات الوقت تتصاعد حملاتهم من خلال قنواتهم المشبوهة للإفراج عن سجنائهم المحبوسين فى السجون وترويج الشائعات حول تفشى المرض بينهم وعدم تلقيهم الرعاية الصحية اللازمة وغيرها من مظاهرات التباكى والغش والتضليل فى الوقت الذى قامت فيه وزارة الداخلية باتخاذ حزمة من الإجراءات الاحترازية شملت تعليق الزيارات حرصًا على الصحة العامة وسلامة النزلاء والدفع بفرق الطب الوقائى للقيام بأعمال التطهير والتعقيم لكل مرافق السجون، فضلًا عن تزويدها بالعيادات والمستشفيات وغرف الرعاية المركزة والعمليات والعزل الصحى المجهزة على أعلى مستوى.
لقد أظهر فيروس «كورونا» العديد من السلبيات التى كنا نتمنى تجاوزها خاصة على ضوء تلك الظروف الطارئة بل كنا أيضًا نتمنى أن نعمل على اتباع كافة وسائل الحماية والوقاية لتلافى انتشار هذا المرض.. كانت الدولة على قناعة بأن الوعى الشعبى سوف يساعدها على تخطى تلك الأزمة وراهن السيد الرئيس أيضًا على ذلك وانحاز تمامًا للعامل البسيط وطالب رجال الأعمال بحمايته والعمل على وقايته من الإصابة من هذا الفيروس وانتقال العدوى إليه وراح يقوم بنفسه بجولات على مواقع العمل المختلفة للتأكد من تنفيذ توجيهاته بكل حزم وحسم.. ولكن يبدو أن تلك الجهود المبذولة لن تؤتى ثمارها إذا لم تكن هناك توعية شاملة وصادقة من كافة الجهات المسئولة عن تلك المواجهة الشرسة، التى أرى أن جميع جهات الدولة، بلا استثناء، تتشارك فى هذه المسئولية.
وللحق يجب أن نقر بأن المتقاعسين عن أداء دورهم فى هذا الشأن هم قلة قليلة إما عن جهل بخطورة الموقف أو عن عدم كفاية العوامل المساعدة التى تساندهم لأداء دورهم، ولكن هناك أيضًا أناس ابتُلينا بهم يخوضون فى كل شىء دون وعى أو علم فضلوا وأضلوا، وللأسف منهم بعض رجال الدين خاصة المتواجدين فى المراكز والقرى والنجوع وهؤلاء لهم من التأثير والكلمة المسموعة لدى أبناء تلك المناطق أكبر الأثر من أى جهات أخرى، وللأسف بعض هؤلاء يكون تدينهم شكليًا أو مبنيًا على جهل أو أهواء شخصية، وهؤلاء خطرهم على البشر أكثر خطورة من فيروس «كورونا» نفسه، ومن هنا فنحن فى حاجة ملحة إلى أن نتابع هؤلاء بدقة متناهية ونحاول أن نخرجهم من حالة الدروشة والانفعالات الكاذبة ودعوة الناس إلى الاعتراض على غلق المساجد بل الالتفاف على تلك القرارات ومحاولات دخولهم للصلاة بها ضاربين عرض الحائط بأى تعليمات أو قواعد تهدف إلى سلامة أبناء تلك القرى والمراكز.
لقد أثبتت الأيام السابقة أن البعض ما زال فى حاجة إلى التوعية المستمرة والصادرة من شخصيات لهم تأثيرهم عليهم على الرغم من كافة الجهود الرسمية التى تقوم بها الدولة وأجهزتها التنفيذية والمحلية والقوات المسلحة والشرطة والإعلام، ومن هذا المنطلق فإننا نرى ضرورة العمل على المحاور التالية لتحقيق الأهداف المنشودة لنا.
وذلك على النحو التالى:
- معالجة «ظاهرة التنمر» التى تواجه هؤلاء المرضى المصابين بفيروس «كورونا» من منطلق أنهم فى حاجة إلى التضامن معهم وشد أزرهم ورفع معنوياتهم بعدما ثبت علميًا أن الحفاظ على الروح المعنوية العالية إحدى أهم مراحل مواجهة هذا الفيروس.
- التركيز على القرى والنجوع من خلال رجال الدين المعروف عنهم العلم والعقل وإعمال المنطق فى الإقناع لحث الناس هناك على ضرورة الالتزام بتعليمات الدولة الرامية إلى الحفاظ على صحتهم وحياتهم وذلك اتساقًا مع رسالة الأديان السماوية.
- إجهاض وإحباط محاولات جماعة الإخوان الإرهابية الرامية إلى إحداث البلبلة والفوضى والحث على المظاهرات والتجمع، والضرب بيد من حديد على عناصرها الدافعة إلى ذلك وتطبيق القانون الذى يواجه تلك التجاوزات بكل حسم وحزم.
- قيام أعضاء مجلس النواب بدورهم الذى من المفترض أن يكون مؤثرًا على ناخبيهم فى الدوائر المختلفة، خاصة تلك المناطق التى يتواجد فيها عناصر إخوانية أو سلفية متشددة وهى معروفة لهم جميعًا وبالاسم، وذلك لحث هؤلاء الناخبين على الالتزام بتعليمات الدولة حتى نعبر تلك الأزمة على خير، وتقديم الخدمات والمعونات لهم وعدم الانتظار لحين اقتراب الانتخابات القادمة، لأن استمرار تلك الظروف قد يؤدى إلى عدم قيامها أصلًا.
- العمل على الاستمرار فى تقديم الدعمين المادى والمعنوى لجيشنا الأبيض الذى يواجهه كل يوم المئات من المصابين بهذا الفيروس اللعين، وإجهاض محاولات اغتيالهم معنويًا، وهو ما تحاول جماعات الشر القيام به لإثنائهم عن أداء عملهم وواجبهم تجاه أبناء وطنهم وتفويت الفرصة عليهم لتحقيق أهدافهم الدنيئة.
تلك أهم المحاور التى رأيت أن تلك الأيام المتبقية لفترة الحظر الثانية فى أشد الحاجة إلى تفعيلها، لعلها تكون سندًا وعونًا لمؤسسات الدولة المختلفة فى تجاوز تلك المرحلة على خير بإذن الله.
وتحيا مصر