رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شهداء كورونا.. والقرى المظلوم أهلها


روائح كريهة فاحت من تناول وسائل إعلام، لاعتراض بعض أهالى قرية «شبرا البهو» على دفن متوفاة بفيروس كورونا فى مقابرهم. ومع تلك الروائح، واستنادًا إلى واقعة مؤكدة، يمكننا اتهام صحف، مواقع إلكترونية وقنوات تليفزيونية بالكذب والتدليس وبمحاولة استغلال تلك الجريمة، أهداف سياسية، أو لزيادة التوزيع، «الترافيك»، أو نسب المشاهدة. ولا نعتقد أن هناك عذرًا مقبولًا، أو منطقيًا، لهؤلاء الذين كذبوا ودلسوا، عمدًا، كسلًا، استسهالًا، أو جاءهم فاسقون بأنباء كاذبة فلم يتبينوا، وأصابوا أقوامًا بجهالة.
لم يحدث أن كان «جثمان طبيبة متوفاة بكورونا حائر بين قريتين فى الدقهلية»، كما زعمت جريدة «المصرى اليوم» فى عنوان تقرير تضمّن أكاذيب كثيرة، منسوبة لـ«مصادر أمنية». ولم يحدث أن ظل نجل المتوفاة يتنقل بجثمان والدته بين القرى، كما كذب عمرو أديب على شاشة «إم بى سى مصر»، وإن كان الأخير يستحق الإشادة عن محاولته وضع الجريمة فى سياقها الصحيح، وتأكيده أن مرتكبيها لا يمثلون المصريين.
قطعًا، لا يمثل مرتكبو هذه الجريمة، المصريين، أو حتى مواطنى محافظة الدقهلية، التى تضم ٣٣٦ قرية و٢٠٧٢ عزبة وتجمعًا سكانيًا، وتم تشويهها كلها لمجرد أن عشرات فى قرية صغيرة، يزيد تعدادها على ٥ آلاف مواطن، ارتكبوا جريمة أو فعلًا شاذًا. صحيح أن لدينا، كما كل شعوب دول العالم، الطيب والشرير، الجيد والردىء، الصالح والطالح، لكن لا نعتقد أننا لا نبالغ لو قلنا إن الطيبين، الجيدين والصالحين، هم غالبيتنا العظمى. كما لا نبالغ أيضًا أو نتجاوز، حين نقول إن ما قد ننفرد به هو أن بيننا من لا يتصيدون غير النماذج المسيئة، ولا يكتفون بتجاهل النماذج المشرفة، بل يقومون بتشويهها أو تقبيحها.
يمكننا أن نقول كلامًا كثيرًا وكبيرًا، عن تقصير وسائل الإعلام فى توعية الجهلاء، لو كانوا فقط جهلاء. غير أن هذا الكلام، لا لزوم له، لأن مقابل ما فعله هؤلاء الجهلاء، وأمثالهم فى قرية أخرى، أو اثنتين على الأكثر، كان هناك عقلاء فى نحو مائة وأربعين قرية أو مدينة مصرية، تم فيها دفن شهداء فيروس كورونا، دون أى ضجيج أو مشكلات.
الأكثر من ذلك، هو أنه فى الساعات نفسها التى كان فيها أهالى قرية «شبرا البهو»، الظالم أهلها، أو بعضهم، يجاهدون لكى يمنعوا سيارة الإسعاف من الوصول إلى المقابر، كان هناك آخرون فى قرية «ميت العامل»، المظلوم أهلها، كل أهلها، يتواصلون مع مركز شرطة أجا، مديرية الأمن، ومع مدير الإدارة الصحية بالدقهلية، ليؤكدوا أنهم يتشرفون بدفن ابنتهم المتوفاة، لو تعذر دفنها فى قرية زوجها. ومنهم مَن تبرعوا بمقابر لدفن شهداء فيروس كورونا، أو لستر أى متوفى ليس لديه مكان للدفن، ولو دخلت مجموعة «اتحاد شباب ميت العامل» على «فيسبوك»، ستجد أرقام تليفونات مخصصة لهذا الغرض.
لمصلحة من، إذن، تقبيح المصريين أو تشويههم، جميعًا، بتعميم فعل شاذ ارتكبه سفهاء، جهلاء، أو فئة ضالة منهم؟ أما السؤال الصعب فهو: هل أسهمت عناصر، أو مصادر أمنية، فى محاولة تعميم الفعل الشاذ والتعتيم على الفعل المقابل؟!
الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى قيام المجلس الأعلى للإعلام بدوره، والنيابة العامة بواجبها، واستدعاء مَن نسبوا معلومات كاذبة إلى «مصادر أمنية» أو «الأجهزة الأمنية». إذ ذكرت جريدة «المصرى اليوم» نقلًا عن تلك المصادر أن القوات الأمنية توجهت إلى قرية (ميت العامل) لدفن الطبيبة هناك، إلا أنهم فوجئوا بوجود تجمهر آخر من أهالى القرية، الذين طالبوا بدفنها فى مقابر زوجها، لأنهم لن يسمحوا بدفنها بقريتهم. كما زعم تقرير نشرته جريدة «الوطن» أن «الأجهزة الأمنية» حاولت «حل الموقف بالتوجه بالجثة إلى مسقط رأس الطبيبة المتوفاة، ودفنها فى قرية (ميت العامل)، إلا أنهم وجدوا تجمهرًا آخر من الأهالى هناك، وتكررت محاولات الإقناع، إلا أن الأهالى رفضوا بحجة أن العرف يؤكد أن المرأة تُدفن فى مقابر أسرة زوجها».
ما زاد الطين بللًا، هو أن بعض مقدمى البرامج، رددوا تلك الأكاذيب، كان أبرزهم، عمرو أديب، كما أشرنا، وأحمد موسى الذى أوسع أهالى «ميت العامل» سبًا ولعنًا، قبل أن يضطر للاعتذار، بشكل عابر، حين فوجئ بنجل المتوفاة، يقول له نصًا: «ما روحناش ميت العامل خالص».
تبقى، فقط، نقطة مهمة، أو نراها كذلك، وهى أن شرارة التحريض انطلقت من ميكروفون (مكبر صوت) أحد المساجد. وعليه، نرى ضرورة الإشارة إلى أننا سبق أن حذرنا وزارة الأوقاف، إجمالًا، والشيخ طه زيادة، وكيل وزارة الأوقاف بالدقهلية، على وجه الخصوص، من خطورة ترك ميكروفونات المساجد والزوايا فى أيدى عناصر غير مسئولة، ومشيّها غير مسئولة، لكن، بكل أسف، تم التعامل مع هذا التحذير ببرود أو لامبالاة.