رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«نامى بحفظ الله».. ليلة بكى فيها المصريون على الـ«فاطمتين»

فاطمة
فاطمة

لم يخطر ببال الدكتور شادي أبويوسف مدرب لغة إنجليزية من محافظة دمياط، أن الوقت الذي يستعد فيه هو وزوجته فاطمة الحطاب وأبناؤه الثلاثة لاستقبال طفلتهم الأولى هو ذاته الذي سيفقد فيه الطفلة وأمها.

كانت البشرى أن «فاطمة حامل» في بنت بعد ثلاثة أبناء سيف ومحمد وهيثم أكبرهم في الصف الثالث الإعدادي، ونوى أن يسميها فاطمة حبا في زوجته وتيمنا بها وبأخلاقها، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.

أثناء حملها في الشهر السادس، ظهر وباء كورونا اللعين الذي قلب الموازين، احتاطت فاطمة وزوجها وهما اللذان يملكان قدرا جيدا من الوعي والعلم بكل سبل الوقاية، لكن لأنها حامل قلت مناعتها وانتقلت اليها العدوي بكل سهولة ربما من شقيقها.

الزيارة الوحيدة التي لم تستطع فاطمة إلغاءها كانت لوالدتها التي ترعاها، وأصيبت بارتفاع في درجة الحرارة، وشخصها الأطباء بنزلة شعبية حادة، ربما انتقلت إليها من ابنها الذي ظهرت عليه نفس الأعراض قبل أسبوعين وشخصه الأطباء بنزلة شعبية حادة أيضا واتضح بعد ذلك أنه كان مصابا بالكورونا.

14 يوما تحمل فيروس كورونا وهي لا تدري، عرضها زوجها على 4 أطباء وأجمعوا أنها نزلة شعبية ورفضوا أطباء الأشعة بمستشفى الصدر عمل إشاعة لها باعتبار أنها حامل، حتى أجراها طبيب صديق لزوجها، وهنا كانت الصدمة 90% فاطمة مصابة بكورونا والتحليل النهائي حسم الأمر.

في هذه اللحظة لم يزداد الدكتور شادي إلا تعلقا بزوجته والتصاقا بها، لم يتركها لحظة كأنه كان يعلم أنه الوداع الأخي، حتى تم حجزها في العناية المركزة بمستشفى الحجر الصحي بالعجمي بمحافظة الإسكندرية، وبعدها تم إجراء تحليل كورونا لزوجها، حيث تبين إصابته هو الآخر ويحجز معها بذات المستشفى.

ظلت روحها معلقة بروح زوجها، تحول الجدران والحوائط بينهما، تتحسن حالة الدكتور شادي وتسوء حالة فاطمة، ربما تحسن لشعوره بالمسئولية يريد ألا يتخلي عن حبيبته، ولم يكن أمامه إلا الدعاء والتوسل إلى الله، حتى خضعت الزوجة لولادة مبكرة وخرجت من رحمها فاطمة الصغيرة التي جددت الأمل في الحياة، فكتب على صفحته رزقني الله بفاطمة الصغيرة ادعوا لفاطمة الكبيرة ربنا يشفيها.

يوما واحد وتبدد الأمل، توفيت الصغيرة وبعدها أقر الأطباء بنقله من الحجر الصحي في العجمي إلى أبوقير، وبمجرد دخول عربات الإسعاف لنقله بعيدا عن زوجته، جاء الخبر توفيت فاطمة في نفس اللحظة، وكأنها ظلت إلى جواره ورحلت عندما أذن الله له بالرحيل عنها.

فكتب حزنا على صفحته بـ«فيس بوك» المتنفس الوحيد له، «إن العين لتدمع والقلب ليحزن وإنا على فراق الفاطمتين لمحزونون».

بكاها وأبكى المصريين معه، حرمه الله أن يغسلها أو يدفن جثمانها أو يصلي عليها أو يسير في جنازتها، لكنه دعى الله أن يلقاها في الجنة، وكتب في رثائها:

مُشْتَاقُونَ.. مُشْتَاقُونَ.. مُشْتَاقُونَ..
والبيتُ الصغيرُ..
يُسائِلُ عن أميرته المعطَّرةِ الذُيُولْ
فاطمة..
مذبوحونَ حتى العَظْم..
والأولادُ لا يدرونَ ما يجري..
ولا أدري أنا.. ماذا أقُولْ ؟
هل تقرعينَ البابَ بعد دقائقٍ ؟
هل تخلعينَ المعطفَ الشَّتَوِيَّ ؟
هل تأتينَ باسمةً..
وناضرةً..
ومُشْرِقَةً كأزهارِ الحُقُولْ ؟
فاطمة..
مطعونونَ.. مطعونونَ في الأعماقِ..
والأحداقُ يسكنُها الذُهُولْ
فاطمة..
كيف أخذتِ أيَّامي.. وأحلامي..
وألغيتِ الحدائقَ والفُصُولْ..

يا زوجتي..
وحبيبتي.. وقصيدتي.. وضياءَ عيني..
قد كنتِ عصفوري الجميلَ..
فكيف هربتِ يا فاطمة منّي ؟

نامي بحفْظِ اللهِ.. أيَّتُها الجميلَةْ
فالشِّعْرُ بَعْدَكِ مُسْتَحِيلٌ..
والأُنُوثَةُ مُسْتَحِيلَة
اللهم رحماك بفاطمة