رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحيل بلا وداع.. رحلة جثمان المتوفى بـ«كورونا» من «العناية المركزة» إلى المقابر

كورونا
كورونا

«والله فراق الحبايب مر يوجعنى».. كلمات موجعة تعبر عن حال من فقدوا أحبابهم وذويهم، لكن ذلك الوجع يزداد إذا كان فقدًا دون لحظات الوداع الأخيرة، والاكتفاء فقط بالدعوات والصلوات لأرواح من رحلوا.
فالمتوفون بفيروس «كورونا المستجد» يخضعون لإجراءات طبية وأمنية مشددة، عند نقل جثامينهم من غرف العناية المركزة إلى مثواهم الأخير، فيما يكون أهلهم وذووهم ممنوعين من إلقاء «النظرة الأخيرة» وتوديعهم خوفًا من انتقال العدوى.
فى السطور التالية، تتحدث «الدستور» مع عدد من أهالى المتوفين بـ«كورونا»، ومجموعة من الأطباء، خاصة العاملين فى الحجر الصحى، للتعرف على الرحلة التى يمر بها جثمان المتوفى بالفيروس، كما تنقل آراء علماء الدين فى هذه الإجراءات.

أهالى الضحايا: المستشفى تولى الغُسل.. التنبيه الرئيسى «ممنوع الاقتراب».. والوجع فى عدم إلقاء النظرة الأخيرة

البداية لدى مى اللواح، التى فقدت شقيقها الدكتور أحمد عبده اللواح، أستاذ التحاليل الطبية فى جامعة الأزهر، الذى وافته المنية عن عمر يناهز ٥٧ عامًا.
تذكرت «مى» بداية مرض شقيقها، قائلة: «شعر بأعراض المرض فى أحد الأيام، فقرر عزل نفسه داخل منزله، ثم خضع لتحليل فيروس كورونا للاطمئنان على حالته الصحية، وبعد يوم واحد فقط تدهورت حالته الصحية بشكل ملحوظ، فتم نقله على الفور إلى مستشفى التضامن فى بورسعيد».
وأضافت: «شقيقى الراحل خالط زوجته وابنته، خلال فترة العزل المنزلى، ما تسبب فى إصابتهما بالفيروس، وخضوعهما فى الوقت الحالى للحجر الصحى فى مستشفى أبوخليفة بمحافظة الإسماعيلية، حيث أتواصل معهما بشكل يومى».
وعن تشييع الجثمان، قالت البالغة من العمر ٣٧ عامًا: «أطباء المستشفى وقفوا بجانبه، وقدموا له كل ما يستطيعون فعله، سواء تغسيل جثمانه وفقًا للشريعة الإسلامية، وإقامة صلاة الجنازة عليه داخل المستشفى»، مشيرة إلى أن ابنته كانت ترى ذلك المشهد القاسى جدًا من خلال شرفة غرفتها فى المستشفى.
وتابعت: «تم نقل الجثمان من المستشفى بسيارة إسعاف مخصصة ومعقمة إلى المقابر، وكنا قد جهزنا المقابر له، صباح ذلك اليوم، لكننا غادرنا المكان قبل وصوله، حيث توافد عدد كبير من أهالى بورسعيد لاستقبال السيارة وإقامة صلاة جنازة عليه، أثناء وقوفهم فى الشارع من بعيد».
واختتمت: «عندما وصل شقيقى إلى المقابر، كان يصطحب جثمانه مشرفون من وزارة الصحة»، معبرة عن حزنها الشديد لعدم قدرتها على وداع شقيقها، الذى تربت على يديه، مع الاعتراف بأن ما فعله مسئولو وزارة الصحة والسكان هو الإجراء الأفضل، نظرًا للظروف التى تمر بها البلاد فى الوقت الحالى.
تواصلنا أيضًا مع أحمد إبراهيم، والد الطبيب البيطرى محمد أحمد، المتوفى جراء الإصابة بـ«كورونا» فى المملكة العربية السعودية، الذى قال: «ابنى محمد تعب قبل وفاته بأسبوع، فأنا كنت فى زيارة له بتاريخ ٥ مارس الماضى، وكانت صحته جيدة فى هذا اليوم، وعدت إلى مصر بعدها بنحو ١٠ أيام فقط، وبعد مرور يومين اتصل بى ليخبرنى بمرضه».
وأضاف: «فى البداية كان يعانى من سعال طبيعى، وبعد يومين فقط شعر بمزيد من الإرهاق، فتم نقله إلى أحد المستشفيات، فتوجه شقيقه على الفور إلى هناك للاطمئنان عليه، حيث فوجئ بوضعه على جهاز التنفس الصناعى فى غرفة العناية المركزة».
وتابع: «بعد خضوعه لتحليل فيروس كورونا وظهور النتيجة، تبين أن محمد مصاب بالفيروس، وعلى الفور تم إجراء التحليل للمخالطين له، وهم زوجته وابنته، وخرجت النتيجة إيجابية لكليهما، وبعد أسبوع ازدادت الحالة سوءًا، ليتوفى بعد ٨ أيام فقط من حجزه فى المستشفى».
وعن التعامل مع الجثمان، قال الأب: «لم نتسلم الجثمان ولم نغسله، والمستشفى هو من تولى كل الإجراءات الخاصة بذلك منعًا لانتقال العدوى إلى أى شخص»، موضحًا أن متخصصين فى المستشفى هم من غسلوا الجثمان وفقًا للشريعة الإسلامية، وذلك عبر صب الماء عليه بطريقة جيدة، لكن دون تدليكه لمنع انتقال العدوى من الجثمان.
وأضاف: «تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية خلال عملية الدفن، من بينها وجود مسافة كبيرة بين المشاركين، مع ارتداء كل منهم كمامة وقفازًا، بجانب عدم الاقتراب من الجثمان، الذى تم دفنه عن طريق أشخاص كان يرتدون قفازات وبدلًا وقائية لتجنب الإصابة».


علماء دين:الاكتفاء بالماء دون «تدليك».. والصلاة فى الخلاء  

ذكر الدكتور إبراهيم محمود عبدالراضى، أحد مشايخ الأزهر الشريف، أن من مات من المسلمين ينبغى أن يُغسل ويُكفن ويُصلى عليه صلاة الجنازة، لكن طالما رأت الجهات الطبية المختصة أن الفيروس ينتقل من الميت لمن يلمسه، عندها يتم الاكتفاء بصب الماء على الجثمان وإمراره فقط بأى طريقة كانت دون تدليكه.
وقال «عبدالراضى»: «لا يُمكن بأى حال دفن الميّت دون تغسيله، أو إهماله فى الغُسل، لكن مع أخذ كل التدابير الاحترازية لمنع انتقال المرض إلى المغسِّل، من تعقيم الحجرة، وارتداء المُغسِّل بدلة وقائية، وفرض كل سُبُل الوقاية من قِبل أهل الاختصاص فى ذلك قبل القيام بإجراء الغُسل، منعًا لإلحاق الأذى بمن يباشر ذلك».
وأضاف: «إن كان يُخشى من نزول سوائل من جُثَّته، فمن الضرورى إحاطة الكفن بغطاءٍ مُحكم لا يسمح بتسرُّب السَّوائل منه، وإن خرجَ من المستشفى مُجهَّزًا بكفنه يجوز لأهله أن يُصلُّوا عليه صلاة الجنازة فى الخلاء بدل المسجد».
وشدد على أنّ كل ما سبق يتفق ومقاصد الشَّريعة العُليا، وكذلك تدل عليه الأدلَّة الشَّرعيَّة المُعتبرة، إذ إن «الضَّرورات تبيح المحظورات»، و«الضَّرورة تُقدَّر بقدرها»، مستدلًا بقوله تعالى: «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة».
وفى السياق نفسه، قالت لجنة الفتاوى، بمركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، إنه من خرج من المستشفى مُجهَّزًا بكفنه يجوز لأهله أن يُصلُّوا عليه صلاة الجنازة فى الخلاء بدل المسجد، ويجوز أن يُصلى عليه اثنان، أقل عدد لصلاة الجماعة، كما يُجوز لمن لم يُصلِّ عليه بسبب الخوف من الاختلاط والمزاحمة وانتشار الوباء أن يُصلّى عليه عند قبره منفردًا، ويجوز أيضًا أن تُصلَّى عليه صلاة الغائب.
وحول ما يتردد بأن من مات بسبب فيروس «كورونا» لا نصلى عليه ولا نسير فى جنازته، بينت لجنة الفتاوى بمركز الأزهر أن ذلك من الشائعات التى تنتشر هذه الأيام.
وقالت: «يجب علينا فى أوقات الشائعات ألا نعطى أذننا لكل شىء، ونتلقى المعلومات من المصادر الصحية؛ لأنه أحيانا ما يقتل الإنسان الهلع والخوف أكثر من الشىء الذى نخاف منه».
وأكدت دار الإفتاء المصرية وجوب الصلاة على المسلم المتوفى، سواء كان متوفى بسبب «كورونا» أو غير ذلك، وقالت: «ما يردد حول جواز عدم الصلاة على المتوفى بسبب فيروس كورونا شائعات لا أساس لها من الصحة».


أطباء: الميت يظل مصدرًا للعدوى بعد وفاته.. ويُعزل بـ«كفن متعدد الطبقات»

قال الدكتور حسام حسن سيد، طبيب فى أحد مستشفيات الحجر الصحى، إن التعامل مع المتوفين بفيروس «كورونا» يتم وفقًا لإجراءات وقائية وأمنية مشددة، من أجل منع انتقال العدوى من المتوفى إلى الأشخاص الآخرين الذين يتعاملون مع الجثمان بشكل مباشر.
وأضاف: «عندما تتوفى حالة مصابة بفيروس كورونا، يتوقف دور طاقم الأطباء عند هذه اللحظة، ويُكلف طاقم التمريض بالتعامل معها، لأنه بشكل عام يتعامل الأطباء مع الحالة المرضية طالما على قيد الحياة، فيما يبدأ دور الممرضين بعد الوفاة».
وأوضح أنه بعد إعلان طبيب العناية المركزة وفاة الحالة، ييدأ طاقم التمريض فى التعامل معها، بدءًا من إخطار أمن الحجر الصحى بذلك، ليتحرك عمال إلى غرفة الحالة وينقلون الجثمان إلى ثلاجة حفظ الموتى، علمًا بأن جميع تلك الخطوات تتم بحرص شديد، لمنع انتقال العدوى إلى طاقم العمل بالحجر.
وأضاف: «تبدأ بعد ذلك مرحلة الغُسل، عن طريق أشخاص يرتدون بدلة الوقاية من الفيروسات، ثم يبدأ تكفين المتوفى بكفن متعدد الطبقات، ووضعه فى كيس أو مشمع، لحين الانتهاء من استخراج تصاريح الدفن وإبلاغ أهله، ليخرج الجثمان من الحجر الصحى بعدها تحت إجراءات أمنية مشددة».
وأكد الدكتور «حسام» عدم صحة ما يتردد عن موت الفيروس وانتهائه بموت المريض المصاب، إذ إن الفيروس يظل موجودًا فى جسد الحالة حتى بعد الوفاة، لذا يتم أخذ ذلك فى الاعتبار، ويتعامل التمريض والعمال مع المتوفى بحرص شديد مرتدين بدل الوقاية وغيرها من مستلزمات الحماية.
وكشف الدكتور محمد سلامة، أستاذ القلب بكلية الطب جامعة كفر الشيخ، عن أن التعامل مع جثمان المتوفى بـ«كورونا» أثناء الغُسل يتم على مسافة لا تقل عن متر، مع رفعه بـ«الملاءة» المحيطة به، وتغطية أجزاء الجسم التى تخرج منها إفرازات بضمادات غير منفذة، ثم نقله إلى ثلاجة الموتى فى المستشفى على «تروللى» قابل للتنظيف والتطهير.
وشدد على ضرورة مراعاة ارتداء مستلزمات الوقاية، مثل «الماسك التنفسى»، وقفاز يغطى الرسغ، وعباءة سميكة تغطى الذراعين والصدر وتمتد إلى أسفل الركبة، ونظارة واقية، وغطاء رأس، وحذاء بلاستيكى، وكويل الرقبة، وذلك لحماية القائمين على غسل ونقل الجثمان.
وعن نقل جثمان المتوفى إلى مثواه الأخير، قال «سلامة»: «يتم لف الجثمان فى كيس غير منفذ للسوائل، ويوضع داخل صندوق مغلق قابل للتنظيف والتطهير، مع مراعاة عدم فتحه إلا فى المدفن، وعند فتحه هناك لنقل الجثمان إلى القبر، يراعى الالتزام التام بارتداء الواقيات الشخصية، وغسل الأيدى بالكحول لكل من تعامل معه، وكذلك تعقيم كل الأسطح التى تلامست مع الجثة».
وحذرت الدكتورة هالة بدوى، أستاذ الميكروبيولوجيا والمناعة عضو اللجنة العليا للفيروسات التنفسية بوزارة التعليم العالى والبحث العلمى، من أن جسد المتوفى بـ«كورونا» يمثل مصدرًا للعدوى مثل أى سطح حامل للفيروس، لذلك يمنع حضور أهل المتوفى مراسم الدفن.
وأوضحت أن «العدوى بالفيروس يمكن أن تنتقل من الميت باللمس، لذلك يقوم المختصون بتغسيل الجثمان مرتدين بدلة واقية كاملة، مع تغطية العين والوجه والأيدى وكل أجزاء الجسم، وذلك خوفًا من تفشى الفيروس، مع ضرورة الالتزام بالمسافات الآمنة بين الحاضرين، لأن الفيروس يظل لمدة ٩ أيام على الأسطح، فتتم مراعاة هذه التدابير خوفًا على الأهل والأقارب».
وأشارت إلى أن الذى يغسل المتوفى هو أكثر شخص معرض للإصابة بالفيروس، كونه المخالط الوحيد لمصدر العدوى، ثم تأتى مراسم الدفن، التى تكون أقل خطورة على المخالطين للجثمان أو من يقوم بالدفن، لأنه يكون معزولًا بشكل كامل، لذا تقل درجة الخطورة منه.