رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ريتا الحكيم: ليس كل ما سيُكتب عن كورونا سيرسخ فى الذاكرة

ريتا الحكيم
ريتا الحكيم

من المؤكد أن العالم ما بعد وباء كورونا لن يعود كما كان قبله، وربما سيأتي اليوم الذي يؤرخ فيه بكورونا، وربما قيل الوقائع الفلانية حدثت قبل أو بعد الكورونا. وبعيدًا عن روايات أو عالم الــ"ديستوبيا"، استطلعت "الدستور" آراء العديد من الكتاب والمثقفين حول هذا الفيروس القاتل، وكيف يتخيل الكتاب شكل العالم ما بعد الكورونا؟ وما التأثير الذي سيتركه على الأدب، وعليهم شخصيًا، وهل سيفرض هذا الوباء نفسه على الكتابة فيما بعد، أو حتى تداعياته والتأثير الذي تركه على العالم كما نعرفه؟ كل هذه الأسئلة وغيرها في محاولة لاستشراف عالم الغد.

بدورها تقول الشاعرة السورية "ريتا الحكيم":ما يحدث اليوم في العالم جرَّاء جائحة كورونا يجعلني منخرطةً في تفاصيل تداعياته اليومية على الصعيدَين.. الشخصي، والعام.
تساؤلات كثيرة تقف لي بالمرصاد، كلما حاولت إيجاد إجاباتٍ عليها، أجدني في حيرةٍ وتوجُّسٍ أكثر.

أضع سيناريوهات لما بعد الكورونا على أمل أن تُحدث هذه الجائحة تغييرًا جذريًّا في سلوك الإنسان والدُّول بشكلٍ عام.

الحروب، والسجون.. النكبات، والكوارث الطبيعية، والأوبئة أنتجت أدبًا؛ فكيف لا ينبثق عن هذه الكارثة الإنسانية التي تسبَّبت بحصارٍ خانقٍ للبشر، ووفاة الملايين في العالم، أدبًا يوثِّقها لتكون شاهدًا للأجيال القادمة، خاصَّةً أن العزلة المفروضة تشكِّلُ حافزًا لغالبية الكتاب لأن يستوحوا من أجوائها ويكتبوا عنها.. قصًّا أم شِعرًا أم نثرًا، مع التأكيد أن ليس كل ما سيُكتب عنها سيترسَّخ في الذاكرة الجمعية ولن يكون تحفةً فنيةً تتناقلها الأجيال القادمة إلا في حالات قليلة جدا كرواية "الحب في زمن الكوليرا" لــ "جابرييل جارسيا ماركيز"، ورواية "الطاعون" لــ "ألبير كامو"، هذه الأعمال بقيت في ذاكرة الأدب، وستبقى.. ومن خلال إحصائيات دور النشر لهذه الأعمال؛ فإن الإقبال عليها تضاعف بعد وباء كورونا.

من المجدي أكثر أن ننوِّه إلى أدبِ الحِصار أو المنفى الناتج عن الوباء، لأن الكاتب سينطلق من تجربةٍ فرديةٍ، ومن خلالها يوثِّق، ويدوِّن رؤاه وانطباعاته عن الحصار والعزلة المفروضَينِ عليه، وهذا يعني أن البقاء والاستمرارية ستكون لأفضل الأعمال وما تبقى سيغدو في طيَّ النسيان.

تابعت مؤلفة "الموت أنيق": الإنسان بطبيعته يتفاعل مع الأحداث التي تمرُّ من حوله.. وبالتالي الكاتب أو الشاعر يكون تفاعله أقوى.. يلجأ إلى أدواته ليوثق ما عاشه وما رآه من معاناة الناس أثناءها، وستُكتب روايات عن كورونا وعن تداعياته النفسية لدى البشر؛ ففي كلِّ أسرةٍ مادة دسمة ستطفو على السطح وتكون موضوعًا لروايةٍ أو ديوان شِعرٍ.. إضافة إلى ما ستخلِّفه عزلة الكاتب من مشاعر وأحاسيس تتماهى مع ما يشاهده وما يسمعه.

السؤال الذي لا أجد له إجابةً دقيقةً هو: هل ستكون هذه الأعمال على مستوى من الجودة بحيث تكون شاهدًا على العصر أم أنها ستكون موجةً عابرةً لا تترك الأثر المرجوَّ لها؟
يُخشى أن يغدو الموضوع استهلاكيًّا أو تقليعةً مواكِبةُ لتأثير كورونا، وهُنا تحدث غربلة للأعمال فيما بعد، ولا تُكتب لجميعها الديمومة، ولهذا السبب تبقى القيمة الأدبية محصورةً في العمل المتميِّز والمتفرِّد ولو لم يأخذ حقَّه في حينه.

أدب ما بعد كورونا لم تتحدَّد ملامحه بعد، وكل ما يُقال عنه ليس إلا تكهُّنات وتوقُّعات، لكننا لا نستطيع تجاهل تأثيره، وفداحة ما سيتركه في ذاكرة البشرية، وفي القادم من الأيام بعد زوال هذا الكابوس ستتوضَّح لنا الصورة بشكل أفضل.

كون هذا الوباء ليس في بلدٍ محدَّدٍ، أرى أن ذلك ربَّما يكون نقطةً إيجابيةً لصالح الإنسانية جمعاء، وربَّما تكون عودةً ميمونةً إلى فطرة الإنسان الطيبة، وحلًّا ربانيًّا لإنهاء النزاعات في الدولة الواحدة، والحروب بين الدول، مع الإشارة إلى بعض التوجُّس من أن تؤخذ الأمور كتجارةٍ بمآسي الناس.

على أمل أن تكون التغييرات التي ستحصل إيجابية وتصبُّ في مصلحة الإنسان عمومًا وعلى كافة الأصعدة.. السِّياسبة منها والاقتصادية والاجتماعية.