رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زين عبدالهادي: متى يدرك الإنسان أن عدوه ليس الإنسان وإنما كائنات أخرى

الكاتب زين عبد الهادي
الكاتب زين عبد الهادي

من المؤكد أن العالم ما بعد وباء كورونا لن يعود كما كان قبله، وربما سيأتي اليوم الذي يؤرخ فيه بكورونا، وربما قيل الوقائع الفلانية حدثت قبل أو بعد الكورونا. وبعيدًا عن روايات أو عالم الــ"ديستوبيا"، استطلعت "الدستور" آراء العديد من الكتاب والمثقفين حول هذا الفيروس القاتل، وكيف يتخيل الكتاب شكل العالم ما بعد الكورونا؟ وما التأثير الذي سيتركه على الأدب، وعليهم شخصيًا، وهل سيفرض هذا الوباء نفسه على الكتابة فيما بعد، أو حتى تداعياته والتأثير الذي تركه على العالم كما نعرفه؟ كل هذه الأسئلة وغيرها في محاولة لاستشراف عالم الغد.

يقول الكاتب "زين عبد الهادي": هذا سؤال ضخم في الحقيقة، بل ومرعب أيضا، ببساطة لأنه سيستدعي ممارسات إنسانية ليس لها علاقة بالإنسانية بالمرة عبر عشرة آلاف عام من الحضارة المتوهمة والمتخيلة.!.
قبل إجابتي على السؤال يجب أن نلخص أولا ما قاله كيسنجر الثعلب اليهودي العجوز حول ذلك، حيث يقول إن عالم ما بعد كورونا ليس هو عالم ما قبلها، كما أن الأمم تزدهر وتتماسك عندما تنجح كل مؤسساتها بالتنبؤ بالأزمة وتوقف تأثيرها، وحدد للولايات المتحدة ثلاثة استراتيجيات عليها أن تعمل من أجلها، هي "دعم المرونة العالمية تجاه الأمراض المعدية، والسعي لشفاء جراح الاقتصاد العالمي، وأخيرا حماية مبادئ النظام العالمي الليبرالي".

تابع رئيس تحرير مجلة "عالم الكتاب": كان يجب على مؤسسات الدراسات العربية والعالمية ان تبدأ في طرح سؤالك منذ عدة أسابيع، لأن الأمر يتعلق بكل أشكال الحياة على الأرض وكل النظم ابتداء من النظم الأيكولوحية وحتى النظم الاقتصادية والاجتماعية وبينها تقع النظم الثقافية والفنية والأدبية والتربوية، السؤال مرعب بقدر الحادث المرعب الذي تعيشه الحضارة الإنسانية الآن، دعيني أقول أن هناك فشلا من قبل كل المؤسسات العالمية في التنبؤ بكارثة كورونا، على الرغم من أن هناك حادثتان عامي 2004 و2019 لسارس وكورونا ما قبل التحول لكن لم يهتم أحد٬ ومع ذلك هناك العشرات من الدول التي نجحت مؤسساتها سريعا في التوازن والتعامل مع الكارثة. ولكن الجميع أثبت أن اهتمامنا بالمال والحروب أكثر كثيرا من اهتمامنا بالحياة ذاتها هذا هو المأزق الإنساني في هذه المشكلة العدمية! فالفرضية وراء حادث وباء فيروس كورونا والمرض الذي يسببه كوفيد 19 وما سيأتي بعده يقول لنا شيئا واحدا، أننا لم نهتم بالعلم الاهتمام الكافي، أو العلم الذي يسهل من حياة الانسان، أو أننا لم نهتم بالحياة الإنسانية اهتمامنا بالحروب والمعارك والمؤامرات والكثير من الجنون الذي اجتاح العالم منذ بداية التاريخ وحتى الآن.

بالمناسبة العالم ممتلئ بالفيروسات من كل شكل ونوع، والهواء الذي نتنفسه ممتلئ بالفيروسات إلى الدرجة أنك لو وضعت تلك الفيروسات في خيط طويل لامتدت لمائتي سنة ضوئية أي عبرت مجرة درب التبانة التي نقطنها 40 مرة، إذن نحن نعيش مع معلوم وليس مجهول، وإن كان البعض يجهله فتلك مشكلتهم.

نأتي للإجابة على السؤال الأهم، هل استفدنا من دروس الماضي، دعينا نعترف بأن كل جوائز نوبل وكل الجوائز العلمية في مجال الصحة والحياة، وكل الجوائز الدولية والوطنية لم تستطع إيقاف هذا الكائن العدمي الذي لا يمكن رؤيته، هذا القاتل المتسلسل الغريزي Instinct Serial Killer، الذي لا يملك عقلا كما يملكه الإنسان، إذ ليس معنى أنك لا ترى عدوك أنه غير موجود، وليس معنى الحروب بين الدول الكبرى أن تكون بعيدا عنها، فنظرية المؤامرة في هذه الجائحة الوحشية لا يمكن انكار عدم وجودها، والعالم لم يستعد بعد لمثل هذه الجولة مع أمثال هذه الكائنات العدمية، إن الانفاق على الأسلحة لقتل الانسان وعلى المواد الكيماوية والقنابل النووية والجرثومية، فاق كل عقل، الحقيقة هو صراع تاريخي بين من يرى أن الحق يقف بجانب العقل الجمعي ممثلا في (الديمقراطية) والعقل الفردي ممثلا في حكم الفرد الواحد، أو بين حزبين كلاهما يمثل فكرا مختلفا عن الآخر، إلى الدرجة أنه عبر التاريخ الإنساني الدموي كان التاريخ يكتبه العقل الذي يرى أن من لا يخضع لك هو عدوك، يمكنك إدراك ذلك بسهولة في تاريخ الحضارات، فهل تمثل هذه الجائحة العنيفة أملًا في الخروج الإنساني من هذا العداء اللانهائي! أو بمعنى آخر متى يدرك الانسان أن عدوه ليس الإنسان وإنما كائنات من أنواع أخرى! وماكان ذلك يجب أن يحدث أبدا، لكن الدين والأسطورة والأدب لم يتركوا لنا مجالا فمازالت قصة قابيل وهابيل توحي لنا بالكثير، وقصة بروتس وقصة هاملت، ليس ذلك فقط بل الأمير لماكيافيللي تقول لنا ذلك، وحتى الوقت الحالي فاليمين المتطرف وترامب والجهاد الإسلامي وإسرائيل كلهم جميعا يقفون على قدم المساواة في العداء للإنسانية.

علينا إذن أن نعي أننا جميعا في نفس طابور سيناريو يوم القيامة الذي يحدث الآن، "كوفيد- 19" لا يفرق بين أبيض ولا أسود ولا امرأة أو رجل ولا حيوان أو إنسان ولا بين غني أو فقير، ولا بين شيوعي ورأسمالي، ولا بين مسلم ومسيحي ويهودي وبوذى أو حتى ملحد، ولا بين إنسان سوي وآخر غير سوي، علينا أن نعي جيدًا هذه الحقائق، هذا أولًا.
ثانيًا متى كان العلم والثقافة هاجسنا، ونحن جالسون ننتظر أن تمنحنا معامل أوروبا وأمريكا أو الصين أو الروسيا وألمانيا وفرنسا وتايوان قبلة الحياة بالعثور على فاكسين أو ترياق للفيروس، لقد أنفق العالم على العلم والتعليم واحد على ألف مما أنفقه على المعدات والأسلحة واستيراد البضائع الترفيهية، مع عدم وجود استراتيجية في أي مؤسسة ( وأنا أتهم دول العالم كلها) تحدد تمامًا ما هو مطلوب منها لصالح الناس والمجتمع.

دعونا نلقى نظره على روسيا وألمانيا، والصين، وهي دول مختلفة سياسيًا وفكريًا واقتصاديًا في كل شيء، النظام الصحي الأول في العالم هو في ألمانيا، وهو ناجح حتى الآن في مواجهة عدمية كورونا، والصين لا أعتقد أنني يمكن أن أصدق حرفا واحدا مما تقول هي والولايات المتحدة، وروسيا كذلك، فلا أحد يجرؤ على قول الحقيقة، ولكن هناك أمر ما مشترك بين هذه الدول. لديهم ما يعرف بمؤسسات مستودعات الخبرة، وهي مؤسسات مشتركة في مجال الصحة والتعليم والسياسة والاقتصاد والسياسة العلمية، الآن أصبحت هذه المؤسسات التي أنشأتها الولايات المتحدة عام 1946 بواسطة جنرال في الجيش الأمريكي في كل مكان في العالم، وأصبحت تقود الشركات العابرة للقارات أكثر مما تقود الدول، وعلى المؤسسة العسكرية أن تحتضن هذا النوع من المؤسسات وبعد عدة سنوات تقتسمه مع الجامعات، الانترنت بنيت بهذه الطريقة في وزارة الدفاع الأمريكية عام 1969 وتم اقتسامها مع الجامعات بعد ذلك عام 1974، والصعود للقمر والكواكب بني بهذه الطريقة، بني في وزارة الدفاع ثم تحول لناسا المدنية، وأعتقد أن شعب به 100 مليون انسان لن يعدم أن يجد عباقرة يقومون بذلك بشرط وحيد أن يظل ذلك عملا مؤسسيا مستمرا ومستداما مهما تغيرت الحكومات.

الأمر الثالث أننا نتخلص من علمائنا ومواهبنا بأن نتركهم يذهبون لأمريكا والصين والروسيا وغيرهم، وأخيرا إسرائيل، إن أغلى ما نملك المواهب، وعلينا أن نجد وسيلة تجعل المواهب المتخرجة من الفصل الدراسي الواحد في المرحلة الثانوية أعلى من أي دولة في العالم، (أمريكا تطبق ذلك منذ عدة سنوات)، والصين استثمرت بشكل ضخم في ابتعاث أبنائها للولايات المتحدة وإلا من أين أتت بهذه النهضة العلمية التي يتحكم فيها الحزب الأوحد هناك.

الأمر الرابع، كيف نرى مستقبلنا بين الدول بعد 50 عامًا وبعد مائة عام، وما هو مركزنا بين الدول المتقدمة علميًا، الاستيراد لن يحل ذلك وسنظل مدانين للأبد لتلك الدول بالأدوية والعلاج والملابس والترفيه وتسريحات الشعر والسينما والمسرح والموسيقى والطائرات والصواريخ والحداثة القشرية (هل هناك شيء آخر)، في عام 1940 كان القصر العيني من بين أول المدارس الطبية في العالم، وكان الطبيب الإنجليزي والألماني والبلجيكي المتخرج منه يشار له بالبنان، كانت السينما المصرية سباقة وتناطح السينما الأوروبية.
أنا لا أكتب مقالتي لأستعيد ذلك، ولكن علينا أن نفعل كل ما باستطاعتنا لأن نكون أفضل من ذلك، أفضل من ذلك آلاف المرات.

سأسأل سؤالًا بسيطًا لوزارة الصحة، هل لدينا مراكز بحث طبية حول فيروس كورونا، وهل قمنا بمعرفة أو محاولة التعرف على الأجسام المضادة والبلازما المتكونة التي تهاجم الفيروس العدمي، أي معهد علمي مصري يقوم بذلك؟، لا أعتقد، وأقول بذلك وأنا آمل أن أكون على خطأ لكنى متأكد أن ذلك لم يحدث، فليس لدينا تلك العادة في مواجهة البلاء قبل وقوعه، الصحة تذيع مجموعة من الفقرات يوميًا تغير فيها الأرقام فقط. أعتقد أن تغييرًا حاسمًا يجب أن يتم في وزارة الصحة وعلاقتها بكليات الطب وعلاقتها بالاستراتيجية الصحية للبلد وللمواطنين. ولا أدرى إن كان هناك كلية طبية كاملة للفيروسات أم لا (وإلا كيف حدثت مأساة معمل الأورام). ويجب أن تعمل على البحث عن فاكسين لكل الفيروسات وأن تعمل بمنهج علمي يبدأ من آخر ما توصل إليه العلم.

هناك الكثير الذي يمكن قوله، لكنى سأتوقف هنا، دعينا نعود للثعلب اليهودى العجوز لكيسنجر وإذا دققنا في كلماته جيدا سنجده يتحدث عن ثغرة ما في الحرب العالمية الثانية، ثغرة تركها الجيش الأمريكي خلفه فتسببت في آلاف القتلى لم يقل هذه الجملة اعتباطا، تماما نحن أمام مثل هذا الموقف الآن، العقل الإنساني ترك ثغرة كاملة واضحة خلفه أثناء تقدمه، فلنفكر جيدا فهي واضحة تماما!، ثم ما دورنا في الاقتصاد العالمي القادم، وكيف يمكن لنا أن نساعد في تضميد جراحه، وما دورنا في سؤاله الأخير، كيف يمكن أن نضمن لليبرالية مكانتها!

أن هذا الثعلب العجوز يحدد للعالم كله وليس لأمريكا وحدها رسالته القادمة، إن ما أهملناه في الماضي ما كان يجب أن يحدث، وعلينا أن نضع العقل الجمعي في الواجهة فهو منارة كلية تشبه نهر النيل وهى الأمل الوحيد الذي يجعلنا نتقدم!