رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خشبة فى عين بريطانيا!


البريطانيون يتداولون، منذ أيام، مقطع فيديو قديمًا يؤكد فيه مات هانكوك، وزير الصحة البريطانى، أنهم «مستعدون جيدًا ومجهزون جيدًا» لمواجهة فيروس كورونا المستجد. وعليه، كان طبيعيًا أن يطالب أحد البريطانيين، شارك هذا المقطع فى حسابه على تويتر، بـ«التخلص من هؤلاء الحمقى»، بعد تأكيده أن أرواح البريطانيين كانت ثمن «نزعة التكبر الإنجليزية».
فى مقطع الفيديو، كان هانكوك، الذى تعافى حديثًا من إصابته بالفيروس، يتحدث أمام مجلس العموم «البرلمان» البريطانى، فى ٢٣ يناير الماضى. لكنه أقر، الجمعة، بأن هناك تحديات تواجه النظام الصحى البريطانى، فى مقدمتها عدم وجود الأدوات والقدرات التشخيصية المناسبة. و«رغم كل الجهود والتضحيات، لا يزال الوباء ينتشر ليحصد أرواح المئات يوميًا فى المملكة المتحدة»، وما بين التنصيص ننقله من الموقع العربى لهيئة الإذاعة البريطانية، بى بى سى، مع أن قطاع الخدمات الصحية فى بريطانيا كان شبه منهار قبل أن يضربها الوباء. ومع أن الحكومة البريطانية أدارت الأزمة، ولا تزال، بقدر من الرعونة وكثير من الارتباك.
مات ٥٦٩ الخميس و٦٨٤ الجمعة، والسبت، سجّلت بريطانيا ٧٠٨ وفيات جديدة، ليصل عدد ضحايا فيروس كورونا المستجد ٤٣١٣ بريطانيًا، بحسب البيانات الرسمية، التى قدّرت عدد المصابين بحوالى ٤٢ ألفًا، لا يجد غالبيتهم مكانًا فى المستشفيات، أو فى مبنى للمعارض تم تحويله إلى مستشفى مؤقت بسعة ٤ آلاف سرير. ومع ذلك، لم تطالب المعارضة البريطانية بتحويل القصور الملكية إلى مستشفيات أو مراكز للحجر الصحى. ربما لعدم وجود عملاء أغبياء أو بلهاء فى صفوف المعارضة البريطانية، أو لأنهم، حال وجودهم، لم يجدوا وسائل إعلام موتورة، أو تحت مستوى الشبهات، تصفهم بأنهم معارضون، كما فعلت «بى بى سى» مع هلاوس شبيهة تخص قصور مصر الرئاسية، أطلقها عملاء تستعملهم المخابرات التركية، القطرية، البريطانية، وربما الإسرائيلية.
بعد ساعات من كتابة هذه السطور، تعرض القنوات التليفزيونية ومحطات الإذاعة البريطانية، خطابًا نادرًا وتاريخيًا للملكة إليزابيث الثانية، التى عرفنا من مقتطفات نشرها قصر باكينجهام، القصر الملكى، أنها ستناشد فيه شعبها الالتزام بالإجراءات الاحترازية التى اتخذتها الحكومة، وستنصح هذا الجيل من البريطانيين بأن يكونوا أقوياء، كأسلافهم، وأن يواجهوا الوباء بروح عالية، وبالإرادة نفسها التى واجهت بها الأجيال السابقة أزمات شبيهة. كما ستعلن تعاطفها مع أحزان الشعب والمشكلات المالية والآلام التى يمر بها خلال تلك الأزمة، وستوجه الشكر للعاملين فى قطاع الرعاية الصحية على جهدهم ودورهم المهم فى مواجهة الوباء.
الخطاب النادر والتاريخى، تم تسجيله فى قلعة وندسور، حيث تقيم الملكة إليزابيث الثانية «٩٣ سنة» مع زوجها الأمير فيليب «٩٨ سنة». وهو نادر وتاريخى، فعلًا، ليس فقط لأنه خامس خطاب توجهه الملكة إلى رعاياها، خلال ٦٨ سنة، هى فترة اعتلائها العرش، ولكن أيضًا لأنه يأتى بعد نحو أسبوع من إعلان إصابة ولى عهدها الأمير تشارلز، ورئيس وزرائها، بوريس جونسون، بالفيروس ودخولهما الحجر الصحى.
اختلاف تعامل الدول مع الوباء، لم يحدث فقط بسبب التباين فى قدرات أنظمتها الصحية، بل كانت هناك عوامل أخرى كطبيعة النظام السياسى وطريقة إدارته الأزمة، والدور الذى لعبته وسائل الإعلام. ومع نقص الإمكانات، وسوء إدارة الحكومة البريطانية الأزمة ومحاولتها تطبيق استراتيجية «مناعة القطيع»، ثم تراجعها عنها. ومع بطء رد الفعل الرسمى فى بداية تفشى الوباء، كان أداء غالبية وسائل الإعلام البريطانية فى منتهى السوء. وتكفى الإشارة، مثلًا، إلى أن «بى بى سى» اهتمت بصعوبة ترتيب حفلات الزفاف، فى مصر، بدرجة أكبر من اهتمامها باكتشاف أن معدات طبية استوردتها وزارة الصحة البريطانية من لوكسمبورج، لفحص المصابين بفيروس كورونا المستجد، كانت ملوثة بالفيروس نفسه.
كنا قد رجّحنا، أمس، أنك لو ركزت قليلًا فى الصيغة، التى اعتادت وسائل إعلام فرنسية، بريطانية، ألمانية، وأمريكية، أن تتناول بها قضايا أو أزمات داخلية تخص دولًا إفريقية وعربية عديدة، من بينها مصر، ستتفق معنا ومع صامويل إيتو، نجم المنتخب الكاميرونى السابق لكرة القدم، على أنهم عنصريون، منحطون، وحثالة. وقطعًا، ستزيد درجة اتفاقك، حين نجد تقريرًا فى موقع إذاعة صوت ألمانيا، دويتشه فيله، تفوح منه رائحة التشفى والشماتة، كانت تلك بدايته: «صدمت بريطانيا العالم بعد تصويتها على الخروج من الاتحاد الأوروبى فى ٢٠١٦، ولكن الآن وفى ظل أزمة كورونا تتوجه بريطانيا إلى ألمانيا طلبًا للمساعدة»!.
قلوبنا، طبعًا، مع الشعب البريطانى، ولا نعتقد أننا نتجاوز لو قلنا إن ملايين المشردين منه، وعشرات آلاف المصابين، الذين ضاقت بهم المستشفيات ويتساقط منهم المئات يوميًا، أحق بالأموال التى تهدرها المخابرات البريطانية على وسائل إعلام، لا ترى الخشبة فى عين بريطانيا وحلفائها، أو أتباعها، وتبحث عن أى قشة فى عيون الدول التى تستهدفها!.