رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل هناك كتب تنبأت بفيروس كورونا؟.. أساتذة وباحثون في التاريخ يجيبون

جريدة الدستور

نشرت الكثير من المواقع الإلكترونية، نبوءة، اعتبرها الجميع نبوءة القرن، حيث قالوا إن هناك مؤلف يدعى أبي علي الدبيزي كان له كتاب هو "عظائم الدهور"، على نفس سياق كتاب ابن اياس "وقائع الدهور"، وذكروا أنه تنبأ بفيروس كورونا بكل تفاصيله، بل إنهم قالوا إن المؤلف ذكر أن الوباء سيتفشى من الخفافيش، وهو الأمر الذي شد كل رواد السوشيال ميديا للحديث عن الأمر، ولهذا توجهت الدستور لأساتذة وباحثين في التاريخ لمعرفة رأيهم، وكانت آراؤهم كالتالي..

محمد عفيفي: هذا الأمر عارٍ تمامَا من الصحة
قال الدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر ورئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة: السؤال الأول أين كتاب عظائم الدهور لابن علي الدبيزي هذا؟، ولماذا ظهر في ذلك الوقت تحديدًا، بمعنى.. لماذا لم يظهر قبل سنوات مثلا، هل هو البحث عما كتب، وهل البحث اقتصر على هذه الفترة..

وأضاف عفيفي: "أنا كمؤرخ مثلا أستطيع أن أقول وبملء الفم أن هذا خطأ تمامًا، وسأقول لك الأسباب، فمثلا في هذه الفترة التي يتداولها الناس عن هذا المؤلف الذي قالوا إنه توفي عام 565 هجرية مثلا مر العالم بما يسمى الفناء العظيم، وهو وباء الطاعون والذي أسماه الأوروبيون الموت الأسود، ومات ملايين الناس فكان من الأولى أن يتنبأ هذا المؤلف لنفسه، وليس بعد ألف عام أو للفترة القريبة منه وهي التي كانت مليئة بالأوبئة، ولو أنك تتابع ما أكتب فأنا لي مقالات كثيرة عن أوبئة العصرين المملوكي والعثماني، والتي أودت بحياة ملايين الناس.

وتابع: دائما ما تخرج لنا عبر التاريخ الكثير منا لنبوءات عن نهاية العالم، وهو الأمر الذي كان يشغل المفكرين والكتاب عبر التاريخ، والحقيقة أن الكثير من الناس تستند عليهم فيقولون مثلا إن نهاية العالم عام 200 ويمر الزمن ولا تحدث نهاية، فيقولون ان الله لطف بالعالم وأن دعوات الشيوخ كان لها سبب، وهي أمور غريبة جدا، أما السبب فلماذا يحدث ذلك الآن فلأن هناك فراغ كبير جدا لدى الناس في الوقت، فلا يعرفون ماذا يفعلون فيبتكر أحدهم نهاية للعالم لكي يشغل نفسه بأمر ما، وأنا أظن أنني لو كتبت على صفحتي الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي أي معلومة الآن فستصبح تريند بتناقلها الكثيرون، وهكذا يفعل رواد السوشيال ميديا، يتداولون ولا يعرفون هل هو صحيح أم خطأ.

واختتم عفيفي حديثه قائلًا: السؤال لماذا يحدث ذلك الآن، وأين هذا الكتاب المزعوم، ومن هو صاحب الكشف عن النبوءة مثلا، ولماذا لم يتنبأ لعصره، ولماذا لم نكتشفه في يناير الماضي مثلا، كل هذه أسئلة لن تجد لها أجوبة، لأن كل هذا الأمر عار تماما من الصحة.

صبري العدل: الكتاب والمؤلف ليس لهما وجود من الأساس
قال الدكتور صبري العدل أستاذ التاريخ الحديث جامعة مصر الدولية ومدير مركز البحوث الوثائقية بالقاهرة: منذ فترة رأيت ما كتب عن كتاب عظائم الدهور لأبي علي الزبيدي، وقمت بعمل "سيرش" واتضح أنه ليس هناك أي وجود لهذا الكتاب، ولا لاسم المؤلف أيضًا، ولأن كتب التراث هي مجال عملي فأنا طوال حياتي لم أسمع بهذا الكتاب، وأنا في الحقيقة أشك في العنوان وفي المؤلف أيضَا، هو غير موجود حتى في الحقبة نفسها.

وتابع العدل أن من اختار الاسم حاول أن يلقي الشبه على كتاب وقائع الدهور لابن اياس، ولكنه لم يدرك أن كتاب ابن اياس جاء في حقبة زمنية بعد هذه.

وأكد العدل أن أمر النبوءات هو أمر شائع، فكلما حدث زلزال أو عاصفة رملية أو أي كارثة خرج الكثيرون ليقولوا أنباء عن نهاية العالم وغيرها، وذكر الجبرتي الكثير من هذه الأمثلة، حيث قال أنه أذيع في الناس أن النهاية يوم كذا، فخرج سكان القاهرة ونزلوا في النيل للتخلص والتطهر من الذنوب.

واختتم العدل كلامه قائلًا: تكرارات التنبؤ بيوم القيامة موجود كثيرًا في اعتقاد الإنسان، وليس العرب وحدهم ولكن في العالم أجمع، ومن سيأتي بعدنا سيقرأ ما كتبناه عن هذا الأمر، ولكن أنا لا أقتنع بكل هذه الأمور.

أحمد سعد الدين: هذه خدعة ساذجة.. ولن تكون الأخيرة
من جانبه قال الكاتب والروائي والباحث التاريخي: أحمد سعد الدين: إن مثل هذه النبوءات المزعومة – والتي أسميها نبوءات بأثر رجعي – تعاود الظهور من عصر لآخر، خاصة في العصور التي تتفشى فيها الأوبئة أو تقع فيها الكوارث الطبيعية أو يجتاح العالم فيها الحروب والثورات والأحداث الكبرى، لأن الحالة النفسية لشعوب الأرض تكون هشة والمعنويات تكون منخفضة، فتؤثر في الوعي الجمعي، ويتعلق العامة أثنائها بالنبوءات حتى لو كانت وهمية تشبثا بأية بارقة أمل.

وأضاف سعد الدين: "ورغم اختلاف الأغراض الكامنة خلف تلك المزاعم والنبوءات المزيفة، سواء كانت أغراضها سياسية أو عسكرية، أو حتى لمجرد جذب الأنظار والتفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن طريقة انتشارها وتداولها لا تختلف كثيرا باختلاف الظروف والشعوب وطرق الانتشار.

وتابع سعد الدين: "وأذكر جيدا استغلال النازيون أثناء الحرب العالمية الثانية لنبوءات العراف نوستراداموس الذي عاش في العصور الوسطى، وكيف وظفها الألمان في الحرب النفسية ضد دول الحلفاء، وكيف نجحوا في الترويج لنبوءات منسوبة لنوستراداموس لإيقاع الهزيمة النفسية بشعوب الحلفاء.

وأشار إلى أن اليوم وبعيدا عن وقائع الحروب، نجد هذه النبوءات تعود للواجهة من جديد لأغراض وأسباب أخرى، مستغلة جهل عامة الناس بأسماء المؤرخين والعلماء القدماء وعناوين كتبهم ومصنفاتهم، فنجد من يخرج علينا بعنوان كتاب مختلق ليس له وجود وهو "عظائم الدهور"، واسم عالم مزيف لا يوجد في كتب التراجم، ورغم انتشاره من قبل وتبين عدم صحة ما يتم تداوله عنه، عادت سيرة الكتاب المزعوم للانتشار بنبوءة مزيفة جديدة عن كورونا على صفحات التواصل الاجتماعي، وانتشر مقطع مزيف يتنبأ بانتشار فيروس كورونا عام 2020م، لشخص يدعى أبي علي الدبيزي المتوفي عام 565هـ، والذي يستطيع أي باحث أن يكتشف بسهولة أن هذا الاسم ليس له وجود في التاريخ الإسلامي، وأن كل ما يقال بأنه هو مؤرخ عربي شهير، لديه العديد من المصنفات كلام وهمي دعائي يسعى للفت الأنظار وحصد التفاعلات وزيادة المتابعين.

واستدرك سعد الدين:" كما أن النص المزعوم للقصيدة شديد الركاكة، وعنوان الكتاب غير متقن الصياغة، ولا يتسق تاريخيا ولا لغويا مع الفترة الزمنية التي يزعمون انتمائه لها، بالإضافة إلى أن كتب التاريخ العربي والإسلامي لم تعتمد قط على التاريخ الميلادي بل الهجري، ليتضح لنا أن الكتاب المزعوم ما هو إلا صياغة ركيكة لقصيدة مؤتفكة كتبها كاتب معاصر نصف مثقف، لتنطلي خدعته على العامة بذات البساطة، ويجمع على إثرها آلاف التفاعلات والمتابعات والمشاركات على صفحات التواصل الاجتماعي.

واختتم حديثه قائلًا:" ورغم زيف الكتاب، لا تزال الصفحات تتداول المقاطع المزيفة المنسوبة للكتاب الوهمي على إنها حقيقية، وفي ظني، فإن هذه الخدعة الساذجة لن تكون الأخيرة، وسنرى خلال الأشهر القادمة نبوءات مزيفة أفدح من ذلك بكثير.