رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيد الوكيل: الذاكرة الأدبية لا تختزن إلا بالعمل المتفرد والنادر

سيد الوكيل
سيد الوكيل

من المؤكد أن العالم ما بعد وباء كورونا لن يعود كما كان قبله، وربما سيأتي اليوم الذي يؤرخ فيه بكورونا، وربما قيل الوقائع الفلانية حدثت قبل أو بعد كورونا.

وبعيدا عن روايات أو عالم الــ"ديستوبيا" استطلعت "الدستور" آراء العديد من الكتاب والمثقفين حول هذا الفيروس القاتل، وكيف يتخيل الكتاب شكل العالم ما بعد كورونا؟ وما التأثير الذي سيتركه علي الأدب عليهم شخصيا، وهل سيفرض هذا الوباء نفسه على الكتابة فيما بعد، أو حتى تداعياته والتأثير الذي تركه علي العالم كما نعرفه؟ كل هذه الأسئلة وغيرها.. في محاولة لاستشراف عالم الغد.

وفي هذا السياق يقول الكاتب الناقد "سيد الوكيل": من السابق الكلام عن أدب ما بعد الكورونا، ولكن يمكن الكلام عن ظواهر موجودة بالفعل وستكون أكثر فاعلية فيما بعد الكورونا.

ففي غمار أحداث ثورة 25 يناير كتبنا عشرات الروايات وأطلقنا مئات القصائد. لم يبق منها عمل واحد في ذاكرة الناس حتى الآن. كانت جميعا متشابهة بلا تمايزات حقيقية، لكن المشكلة الأكبر أنها كانت بلا عمق. لأن مجاراة الأحداث معناه أن الأحداث هي التي تفرض شروطها على الكاتب.

قديما كانت أحداث من هذا النوع تظل غامضة، وغير مكتملة. فتسمح للكاتب بأن يعمل وعيه وخياله ويبحث عما وراء الحدث وليس الحدث نفسه. لكن في عصر السماوات المفتوحة، أصبح ما نراه على شاشات التليفزيون والحواسيب، هو الذي يشكل وعينا. وهكذا نستسلم له بلا وعي. هذه إحدى آليات تنميط الوعي. فكل ما كتب عن ثورة يناير لم يغادر ميدان التحرير وشعاراته وشائعاته، ووقائعه. كل هذا كان مرئيا ومتاحا لكل الناس لحظة بلحظة.. وهكذا جاءت الأعمال سطحية ومتشابهة.

تابع صاحب "شارع بسادة": ومن زاوية أخرى يتحول الحدث إلى مناسبة تشبه السوق. فتضمن الانتشار وتحقق نسبة مبيعات عالية. ووفقا لقانون العرض والطلب. فالسوق يغرينا لكي ننتج المزيد من بضاعة رائجة نضمن زبائنها الذين عاشوا الحدث مثلنا ولا يمكنهم الكتابة عنه. وهكذا نشبع رغبتهم الاستهلاكية. لهذا فإن هذه الأعمال تستهلك سريعا.

هذا يفسر لنا ظاهرة الكتابة وفق الموضة. فقبيل الثورة راجت موضة الروايات السياسية الساخرة مثل: مصر ترجع إلى الخلف، وكشري مصري وغيرها. والآن لدينا أكثر من موضة: الكتابة عن عالم الإنترنت. والرواية التاريخية، والكتابة عن الأقباط. وبدون ذكر أسماء فهي لا تتشابه في موضوعاتها فحسب، بل في عناوينها أيضا. بالتأكيد بعضها متميز وربما لكتاب كبار إلا أنهم خضعوا ربما بلا قصد لآليات السوق هذه. وهذا هو الخطر الكبير. فإذا نجحت رواية في أن تحقق شهرة أو جائزة عن المورسكيين مثلا فهذا يغري آخرين للكتابة عن المورسكيين، ولو بحثنا في جوجل سنجد خمسا أو ست روايات عن المورسكيين فعلا. وكذلك عن الأقباط، وكنت قبل الكورونا أتوقع عدة روايات عن المثليين استثمارا لنجاح رواية المبدع محمد عبدالنبي. ولكن من حسن حظه، جاءت الكورونا لتفتح سوقا واسعا للكتابة وهذا سيعطي رواية عبد النبي فرصة التفرد والبقاء.

باختصار الذاكرة الأدبية لا تختزن إلا بالعمل المتفرد والنادر حتى لو لم يقرأه أحد. وهذا يفسر المقولة الشائعة: البحث عن الزمن المفقود هي أهم رواية لم يقرأها أحد. أما المتاح والمطروق في الأسواق سيزهد الناس فيه بمرور الزمن، مهما كانت قيمته وقت إنتاجه. هذا هو قانون البقاء.