رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لن تتحملوه.. ناجون من «كورونا» يتحدثون عن رحلة الأيام الصعبة

كورونا
كورونا

حالة من الهلع والذعر أُصيب بها العالم، ولا زال، منذ أن حل وباء «كورونا المستجد»، موقعًا ما يزيد على مليون إصابة، وحاصدًا أرواح الآلاف.
لكن الأمر الذى يدعو إلى التفاؤل هو تماثل العديد من الأشخاص المصابين بالفيروس للشفاء والتعافى التام، ولعل الدليل وصول عدد المتعافين فى مصر إلى ما يزيد على٢٠٠ حالة، وذلك بعد خضوعهم لبروتوكول العلاج اللازم فى مستشفيات الحجر الصحى.
«الدستور» تواصلت مع عدد من المتعافين، لمعرفة رحلة مواجهتهم الفيروس المستجد، بدايةً من مرحلة تشخيصهم كحالات إيجابية، وصولًا إلى احتجازهم فى الحجر الصحى، ثم التعافى التام وعودتهم إلى أسرهم وحياتهم، مع التركيز على عرض تجربة الآلام والأعراض الصعبة التى مروا بها فى هذه الرحلة الصعبة.



آلاء: «الوجع فى كل حتة والصداع لم يفارقنى».. وتناول المسكنات ممنوع

«اتعزلت فى غرفة لوحدى، وأول يومين كانت الأعراض مؤلمة جدًا، تشبه الأنفلونزا بس أشد، وحسيت إنى قريبة من الموت، لأن الوجع كان فى كل حتة فى جسمى».. لم تستطع آلاء محمود، المتعافية من «كورونا»، أن تحكى عن تجربتها فى الانتصار على الوباء دون البدء بتذكر لحظات الألم.
وروت «آلاء»، ٢٦ عامًا، لـ«الدستور»، تجربتها قائلة، بعد أن حمدت الله على نجاتها من الموت: «زوجى يعمل مدرسًا فى دولة الأردن، سافرت معه إلى عمان مطلع يناير الماضى، وكنا نتابع أنباء انتشار فيروس كورونا، وتسارعت الأحداث وصدر قرار بتعليق الدراسة، وأعطت السلطات الأردنية فرصة لرعايا الدول الأخرى للخروج من أراضيها قبل تعليق الطيران».
وأضافت: «قررنا أن نعود إلى مصر، فالعمل توقف وبلدنا أولى بينا فى هذا الظرف، ومع تحضيرات السفر بدأت أعراض المرض تظهر علىّ، كحة جافة وإسهال، فحذرت زوجى من الاقتراب منى، واستمر الأمر حتى وصلت إلى المطار فى مصر، فأبلغت أطباء الحجر الصحى».
وتابعت: «كشف الأطباء علىّ وتبين أن درجة حرارة جسدى مرتفعة، فشكوا فى إصابتى، وخضعت لتحليل PCR، وبقيت فى المطار لمدة يومين حتى ظهرت النتيجة، وتأكدت من إصابتى بكورونا، فنُقلت إلى مستشفى النجيلة بمطروح، دون زوجى».
وأشارت إلى أنه خلال الأيام الثلاثة الأولى فى العزل، كان الأطباء يقيسون درجة حرارة جسدها كل ٦ ساعات، وكانت لا تخرج من غرفتها، والطعام يأتيها فى أطباق بلاستيكية تستخدم لمرة واحدة، وبعد ٥ أيام بدأت حرارة جسدها فى الانخفاض، ولم تعد تحتاج إلى جهاز تنفس صناعى.
وعن هذه الفترة، قالت: «كانت تمر علىّ ليالٍ فى الحجر وأنا أبكى من شدة الألم، وأبذل مجهودًا ضخمًا للذهاب إلى الحمام، وكنت أشعر بالمرض يضرب جسمى وعظمى، والصداع لا يفارقنى. الصداع كان ملازمًا لى طول الـ٢٤ ساعة، والمسكنات كانت ممنوعة على مرضى فيروس كورونا، لأنها تقلل من نسب الشفاء، حسب كلام الدكتور، فاضطررت لتحمل كل الآلام دون مسكنات».
وأضافت: «جهاز التنفس الصناعى تقيل جدًا، ولازم أول ٥ أيام يفضل المريض عليه لكى يستطيع التنفس، ومقدرش أقوم بسببه، ولو شلته معرفش آخد نفسى وأفضل أكح كتير جدًا لحد ما أحس أن صدرى اتشرخ وأن الرئة هتوقف».
وبينت: «خرجتُ بعد ١٥ يومًا من العلاج، عشت فيها أيامًا صعبة وأحسست بأننى قريبة جدا من الموت، وما كان يقلقنى بشدة الأنباء التى كنت أسمعها بشأن الوفيات كما أنى اتحرمت من إنى أشوف زوجى وأهلى طول المدة دى».
واختتمت بأنها صادفت فى الحجر الصحى فتاة مريضة بالسرطان ومصابة بالفيروس فى ذات الوقت، وكانت تقول لها إن ألم الفيروس أشد من الآلام التى يشعر بها مريض السرطان.

محمد: حلقى احترق من السعال.. ولم أستطع قضاء حاجتى بمفردى

مثل «آلاء» بدأ محمد إبراهيم، ٤٠ عامًا، من بين المصابين على باخرة أسوان الموبوءة، حديثه بالكشف عما عاناه من آلام وأوجاع طوال فترة إصابته، مشيرًا إلى أنه لا يصدق أنه عاد إلى الحياة مرة أخرى ونجا من الهلاك.
وقال «إبراهيم»: «كنت أشعر بأن حلقى يحترق من السعال الجاف، وكانت حرارتى مرتفعة، والدم يغلى فى جسدى، وكنت أذهب للحمام على كرسى متحرك»، مضيفًا: «كلما حاولت استدعاء ما عشته خلال تلك التجربة، أتذكر الألم الذى لا يمكن وصفه ولا يتحمله بشر».
وأوضح أن «الآلام كانت تنطلق من العمود الفقرى إلى العظام، ولم أعد أستطيع التحرك من سريرى، هذا إلى جانب الألم النفسى، فجأة شعرت بأننى عجوز على مشارف الموت، فكيف لا أستطيع قضاء حاجتى بنفسى؟ وكيف لا أستطيع التنفس كأن الرئة مسدودة؟ ما استدعى تركيب جهاز تنفس صناعى».
وأضاف: «قضيت ١٥ يومًا داخل الحجر الصحى فى مستشفى إسنا بالأقصر لا أغادر سريرى، ثم بدأت حالتى فى التحسن، لكن خلال تلك الفترة كنت أشعر بأن جسدى يتحطم من كثرة الألم، وتسبب ارتفاع درجة حرارة جسدى فى تورم وجهى، وكانت عيناى مغلقتان دومًا، ولم أكن أستطيع التحدث.. كان الكلام مؤلمًا مثل الحركة».
وطالب المصريين باتباع التدابير الوقائية للحفاظ على صحتهم، قائلًا: «فى الماضى كنت أتمتع بصحة جيدة ولا أعانى من أى أمراض، ولم أكن أتخيل أن يؤثر علىّ مرض بهذا الشكل، لا بد من الالتزام، فكبار السن لن يحتملوا هذا الألم».

محمود: كحة مثل زجاج فى زورى.. الإسهال لا يتوقف.. وقضيت أيامى داخل «العزل» وحيدًا


قضى محمود عبدالخالق، ٢٤ سنة، متعافى من «كورونا»، ١٠ أيام من العذاب المستمر داخل مستشفى الحجر الصحى، بعد أن انتقلت له العدوى من مخالطته بعض الإيطاليين، نظرًا لطبيعة عمله فى السياحة.
وقال «عبدالخالق»: «عشت ١٠ أيام من جحيم كان يشتعل فى جسدى، فالحرارة لا تنخفض والسعال كالزجاج الذى يشرخ زورى، وكنت فى حاجة دائمة للتردد على دورة المياه بسبب الإسهال، ووسط هذا اللهيب كُنت مُجبرًا على شرب المشروبات الساخنة». وبَين أن أعراض الإصابة بدأت كأعراض البرد العادى من سعال وسخونة، فقرر الانعزال فى المنزل ولم يخبر أحدًا من أهله حتى لا يثير القلق حوله، لكنه كان يعقم كل شىء يلمسه، حتى لا ينقل الفيروس إليهم، رغم عدم تأكده من إصابته بـ«كورونا» بعد.
وأضاف: «بعد أن اكتشفت وزارة الصحة حالات إيجابية فى الفندق الذى أعمل فيه، قررت الذهاب إلى مستشفى حميات العباسية، للتأكد من أن الأعراض التى أشعر بها بردًا عاديًا وليست كورونا، وأمضيت فى المستشفى ٤ ساعات حتى خرجت نتيجة التحليل إيجابية، وتم تحويلى إلى مستشفى العزل».
وتابع: «بدأت أعراض المرض تشتد، وقضيت أيامى داخل غرفة العزل وحيدًا لا أرى سوى الأطباء والممرضين لدقائق محدودة، حتى الطعام كان يدخل لى فى أطباق بلاستيكية ويتم وضعه على مسافة من مكان سريرى منعًا لنقل العدوى».

أمجد: حرارتى العالية أفقدتنى الوعى أكثر من مرة.. وشعرت بالموت البطىء


يعمل أمجد بيومى، ٢٧ عامًا، فى مجال السياحة، بأحد فنادق مدينة الغردقة، منذ ٥ سنوات، وبحكم عمله يتعامل يوميًا مع جنسيات وأعراق مختلفة، واستمر فى عمله بالفندق حتى بدايات انتشار «كورونا» فى مصر.
وفى مطلع فبراير الماضى، أعلن اكتشاف حالات لأجانب فى الفندق الذى يعمل به، جرى نقلهم إلى الحجر الصحى فى مستشفى النجيلة بمدينة مطروح، ثم تم إجراء فحوصات لجميع العاملين بالفندق، وتحديدًا الذين خالطوا الحالات المصابة، ومن بينهم «أمجد» الذى بدأت تظهر عليه أعراض المرض. وقال «أمجد»: «بدأت أشعر بألم شديد فى ظهرى، وكحة جافة جدًا، وصداع مستمر، ثم إسهال وقىء، وارتفاع كبير فى درجة حرارة الجسم تفشل معها أدوية خفض الحرارة، لذا عزلت نفسى تمامًا فى المنزل، لكن للأسف الحرارة مانزلتش لمدة يومين، وفى اليوم الثالث توجهت لمستشفى حميات إمبابة».
وأضاف: «توجهت إلى المستشفى وكنت فى حالة إرهاق شديد، ألم فى كل جسدى ودرجة حرارة عالية لدرجة إنى غبت عن الوعى أكثر من مرة، لهذا سمحوا لى بالدخول دون انتظار الدور، والطبيب الذى وقع الكشف علىّ كان متأكدًا من إصابتى بـكورونا حتى قبل ظهور نتائج التحاليل». وتابع: «أجريت أشعة على الصدر، ومسحة من الحلق والأنف وبى سى آر، وعزلونى فى غرفة لحين ظهور نتيجة التحليل، التى أثبتت إيجابية الإصابة بالفعل، فشعرت أننى أموت ببطء خاصة بعد أن طلبوا منى الاستعداد عشان هتنقل بعربية إسعاف مجهزة من القاهرة إلى مستشفى النجيلة بمطروح». بالفعل سافر «أمجد» إلى مطروح وبدأت رحلة معاناته التى يصفها بالقاسية: «انعزلت فى غرفة لوحدى، ودرجة حرارتى وصلت ٣٩ مع سعال متواصل، وصداع مستمر وإسهال شديد وألم شديد فى جسدى بالكامل»، مضيفًا: «وضعونى ٣ أيام على جهاز تنفس صناعى مينفعش أتحرك من غيره، محدش بيقرب منى ولا يلمسنى، وبيتحطلى الأكل من بره، وكل يوم تعقيم لى وللغرفة، وبعد ١٠ أيام بدأت أتعافى».
ووجه «أمجد» كلمة أخيرة بعد تجربته من الإصابة إلى الشفاء بفيروس «كورونا» إلى المصريين، قائلًا: «أنصح الجميع بالبقاء فى المنازل، حقيقى الفيروس مرعب والعلاج منه صعب وأعراضه مؤلمة وبتعيش ساعات من الرعب والخوف اللى ملهومش حل غير الصبر والعزل، لو كنت أعرف حجم الألم اللى مريت بيه كنت فضلت فى البيت».

عصام: كنت أبكى بشدة فى بداية التعب.. وأنصح المصريين بالابتعاد عن الاستهتار

قضى عصام عبدالله، ٤٠ عامًا من محافظة القاهرة، متعافٍ من «كورونا»، ١٥ يومًا داخل الحجر الصحى أو «الحبس الانفرادى»، على حد تعبيره، بعد أن انتقلت له العدوى بسبب سفره للمملكة العربية السعودية لأداء العمرة.
وقال إن تجربته بدأت بعد أن عاد إلى منزله، حيث شعر بأعراض مثل ارتفاع درجة الحرارة وضيق التنفس وألم الحلق، فتوجه إلى أقرب مستشفى حميات، وهناك جرى نقله على الفور إلى مستشفى الحجر الصحى بالإسماعيلية بعد تأكد إصابته بالفيروس.
وأضاف: «ارتفعت حرارة جسدى وكأن نارًا شبت به، وشعرت بتكسير شديد فى العظام ووجع فى الجسد كله وكحة مستمرة مؤلمة، ولم أكن أستطيع أن أتنفس بصورة طبيعية».
وأشار إلى أنه أصيب بانهيار عصبى فى أول أيامه داخل الحجر الصحى، فلم يكن يتوقع أن تنتقل له العدوى، وقال: «كنت أسمع عن الفيروس وطرق العدوى لكن لم أتعامل مع التحذيرات بجدية ولم أتبع إرشادات الوقاية، وصُدمت عندما علمت بإيجابية التحاليل، وكنت أدخل فى نوبات بكاء بشدة فى أول الأمر».
وتابع: «قضيت ١٥ يومًا فى الحجر الصحى مرت كأنها سنوات، فكانت إقامتى فى غرفة وحيدًا لا يدخل علىّ غير الأطباء والممرضين ليعطونى الدواء ويطمئنونى على حالتى، وأظل باقى اليوم وحيدًا ما كان يزيد من تعبى الجسدى والنفسى، كنت أبكى على نفسى وعلى ما أقاسيه من تعب لا أستطيع تحمله، وأبكى خوفًا من أن أموت وحيدًا، وألا أستطيع توديع أهلى وأبنائى، وأبكى لأن إهمالى هو ما أوصلنى لما كنت فيه».
ونصح المصريين بعدم الاستهتار بالمرض وأعراضه، قائلًا: «رغم تشابه أعراض كورونا مع الإنفلونزا إلا أن ألمها يعادل ١٠٠ دور برد، ومن الصعب أن يتحمله الكثيرون منا سواء كبار السن أو أصحاب الأمراض المزمنة، لذا لا بد من أن نلتزم بتعليمات الحكومة حتى نستطيع السيطرة عليه».