رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشاعرة الإيرانية «فروغ فرخ زاد» تسابق الموت بالإبداع

فروغ فرخ زاد
فروغ فرخ زاد

"أعتقد أن كل الذين يمارسون الأعمال الفنية يقومون بها٬ علي الأقل أحد دوافعهم حاجة لا شعورية من نوع ما للوقوف والصمود في وجه العدم"، كلمات للشاعرة الإيرانية فروغ فرخ زاد حول: لماذا تكتب الشعر؟ في لقائها مع مجلة "آرش" في كتاب جمع نصوص نثرية ورسائل ورحلات بعنوان "فروغ فرخ زاد" الصادر عن دار العين بالتعاون مع المركز القومي للترجمة٬ ترجمة الكويتي "خليل علي حيدر".

ولدت "فروغ" في الخامس من يناير 1953، وتوفيت 14 فبرابر 1967 عن عمر لم يتعدي الثانية والثلاثين، كانت تستشرف أن لديها الكثير مما تقوله وتتركه في وقت قصير، فقد انتجت عدد من الأعمال الإبداعية والفنية٬ صدر أول دواوينها الشعرية أسير 1967، ثم تتابعت الدواوين مثل: حائط٬ عصيان٬ ولادة أخرى، كما صدر كتاب ضم مختارات من شعرها.

عملت "فروغ" في إعداد وتصوير وتمثيل الأفلام منها:البحر٬ الخطوبة٬ الماء والحرارة٬ والبيت الأسود والأخير عن إحدي مستعمرات مرضي الجذام٬ وفازت بجائزة أفضل فيلم بمهرجان "أوبرهاوزن" في ألمانيا الغربية.

لم يكن "بيت أسود" فقط مجرد عمل فني خاضته بقدر ما هو تواصل إنساني مع فئة يخافه البشر ويخشون الإقتراب من ملامستهم٬ فأثناء تصوير الفيلم لم تتجنب ملامستهم والتواصل معهم وصلت لحد أنها كانت تتناول معهم الطعام بل وتبنت طفل لأحد النزلاء المرضي بالمستعمرة.

وتكشف الرسائل التي كانت تتبادلها مع والدي الطفل عن عمق إنساني حقيقي وصادق لا يمكنك بأي حال من الأحوال أن تشعر أنه مصطنع أو أنه وليد لحظته أو حتي بدافع الشفقة٬ وإنما حس بالمسئولية تجاه من هم أضعف وأن ما تقوم به حق لهم وليس منة عليهم.

وسلم والد الطفل هذه الرسائل إلي إحدي المجلات مع مذكرة تقول:" ينبغي أن أبين لكم أن السيدة فروغ قامت خلال الست سنوات هذه بكتابة ما يزيد عن مائة رسالة لي لم يبقي منها لدي سوي خمس٬ أقدمها لكم وكلي رجاء أن تعيدوا لي هذه الرسائل بعد نسخها٬ فهذه الرسائل أغلي وأعز لدينا من أي شيئ آخر في العالم٬ فصاحبة هذه الرسائل كان إنسانا أوقف حياته إرضاءا للبارئ٬ في سبيل سعادة وهناء أناس مثلنا٬ بينما ينظر إلينا سائر الناس بعين الإحتقار".

تقول "فروغ" في أحد خطاباتها لوالد الطفل:" أستعجلتم كثيرا في العودة٬ لو كنت قد أخبرتني وصبرت قليلا لأستفدت أكثر من المساعي التي قمت بها من أجلكم. عندما كنتم في طهران وجئت لمقابلتكم اتفقنا علي أن تتصلوا بي الساعة الخامسة بعد الظهر٬ لأشرح ما المطلوب منكم عمله. كنت قد حصلت لكم علي توصية من رئيس إدارة الصحة كانت ستفيدكم كثيرا٬ كما أنني كنت قد طلبت من أحد الأصدقاء أن يساعدكم ماليا٬ وكذلك أبدت سيدة فرنسية محترمة جدا مع زوجها من أصدقائي استعدادهما لتبني مرضية منكم كأبنة لهما."

تكشف خواطر "فروغ" التي كتبتها عن رحلاتها وأسفارها الخارجية في باريس، إيطاليا٬ ألمانيا عن ملامح إجتماعية لتلك الفترة في إيران وما تتخللها من حريات ومكتسبات أوسع كانت للمرأة في تلك الفترة وأنقضت عليها الثورة الإسلامية 1979،مشيرة إلى طريقة التربية التي تلقتها نمت لديها شعورا بالإستقلالية والإعتماد علي الذات فمارست الكتابة بأجناسها الشتي٬ من شعر وسيناريو وأدب رحلات.

تذكر أن والدها كان يأتي لها ولأخوتها بالأوراق التي يصنعون منها الأكياس الورقية ويوزعونها علي محلات الفاكهة والبقالة٬ في نفس الوقت يحرص علي منحهم مصروفهم كاملا حتي وهم يشتغلون بهذا العمل البسيط ويدخرون ما يدره.

تقول "فروغ":" طريق النجاة الوحيد هو أن يبلغ الإنسان درجة من الإستقلالية والإنتاجية٬ يكون معها صانع عالمه معبرا عنه من جانب ومتفرجا وحكما عليه في الوقت ذاته.

قبل عام كان المخرج الإيراني "إبراهيم كلستان" قد خرج عن صمته وتحدث عن العلاقة العاطفية التي جمعتهما عقب إنفصالها عن زوجها برويز شابور قائلا:"بالطبع اتحسّر على كل تلك السنوات التي لم تكن فيها هنا وهذا أمر واضح كنا قريبين جدا من بعض، ولكني لا استطيع قياس حجم مشاعري.نحوها كيف يمكنني قياس ذلك بالكيلو أم بالأمتار؟".

بدأت "فروغ" عملها في شركة كلستان كموظفة مكتبية٬ وفي عام 1960 يوفدها كلستان إلي بريطانيا لتلقي دورة لتعلم السيناريو٬ وبعد عودتها تؤدي دورا في فيلم الخطبة وآخر وثائقي بعنوان لم ثار البحر؟، كما خاضت تجربة المسرح ولعبت البطولة في مسرحية "ست شخصيات تبحث عن مؤلف" للويجي بيراندللو ومن إخراج بري صابري. وفي عام 1966تترجم أجزاء شعرية من مسرحية "دائرة الطباشير القوقازية" لبريخت.

حياة متوهجة عاشتها "فروغ" مارست خلالها ألوان إبداعية شتي٬ إلا أنها حاولت الإنتحار مرتين بتناول الحبوب منومة٬ إلي أن تقضي نحبها في حادث مروري حاولت أن تتفادي صدام أتوبيس يقل تلاميذ صغار.