رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كورونا» والدين والفنون


عبر كل مراحل التاريخ الإنسانى عاش البشر ويلات العديد من الأوبئة.. مثل وباء «الموت الأسود» خلال العصور الوسطى، وفى العصر الحديث انتشر مرضا «سارس» و«إنفلونزا الطيور» وغيرهما، وأخيرًا وباء فيروس «كورونا»، وفى كل نوبات جوائح الأمراض وفى مقابل حالة انتشارها الجنونى عبر العالم، يلوذ العباد بطلب رفع البلاء من قِبل رب العباد بمختلف لغاتهم وثقافاتهم وبيئاتهم الاجتماعية وعقائدهم.
هذا الأمر الذى يلقى بالمسئولية الإنسانية والدينية والفكرية والتربوية والثقافية والإعلامية والتعليمية على عاتق القيادات الروحية لمؤسساتنا الدينية، ليسهموا بالدور الوطنى المأمول نحو دفع أتباعهم للقيام بالدور المجتمعى المثمر بخطاب روحى تنويرى يحفزهم على الأخذ بأسباب العلم بعقلانية رافضة كل الخطابات الاتكالية والسلبية بالاكتفاء بالدعاء لإله دعانا وعلمنا كيف ندعوه وكيف نصلى إليه فى أزمنة الضيق والفرج، كما دعانا للعمل الجاد باعتبار أن الكد والكفاح والبناء وعمل الخير من أجل إعمار كونه تعالى، كلها من الأدوار والسمات التى ينبغى وجودها فى الإنسان المؤمن الصالح المستحق عبادته ونوال كرم الاستجابة للدعاء إليه.
أن نصوم ونصلى ونعطف على رقيق الحال ونمارس كل طقوس العبادات ونتفهم مقاصدها الروحية والإيمانية، كلها واجبات وأدوار موكول لرجال وعلماء الدين الدعوة لدعمها والتعرف على أصولها وتفسير الآيات والتعاليم المقدسة المؤسسة لها، ونفرح ونسعد بالأكثر تميزًا ونجاحًا فى أداء كل تلك الأدوار والمهام.
ولكن يتبقى وننتظر من مؤسساتنا الدينية التفاعل الإنسانى والوطنى الجيد مع هموم الناس وما يباغتهم ويحل بهم من متغيرات قد تدعم الفكر الشرير والشيطانى.
وبمناسبة الفكر الشيطانى، وما تعانيه إيطاليا من جراء الاجتياح الكورونى، تذكر لنا أوراق وأرشيف التاريخ الإنسانى أنه وعلى أرض إيطاليا وعلى مسافة غير بعيدة عن مدينة روما، وبالتحديد فى مدينة «كافا» على ضفاف البحر المتوسط قبل نحو ٧٥٠ عامًا «عام ١٣٤٨»، فوجئ سكان المدينة، التى كانت تحت حصار المغول لشهور طويلة، بجثث تُلقى من فوق الأسوار. لم يفهم السكان الأمر، لكنهم ارتعدوا عند رؤية الدبل السوداء على وجوه الجثث الملقاة، وسرعان ما اتضح الأمر. كانت حربًا بيولوجية من قائد جيش المغول جانى بيج، الذى أصيب جنوده بالطاعون، فأراد إصابة سكان المدينة به لهزيمتهم، فألقى عليهم الجثث، هرع السكان إلى المدن القريبة ومن بينها روما، وفى غضون وقت قصير كان الموت الأسود يجتاح أوروبا بأسرها، وقد تفاعل أهل الفن فيما بعد وقاموا برسم لوحات توضح أبعاد المأساة فى فلورنسا بعد الإصابة بالموت الأسود عام ١٣٤٨.. وكانت هناك أعمال فنية متفاعلة مع مثل تلك الكوارث الصحية.
ويذكرنا الموقع الإلكترونى «الأقباط متحدون» فى معرض الرد على بعض من رفضوا غلق الكنائس فى زمن «كورونا»، بالحقيقة التاريخية التى تؤكد إغلاق الكنائس أبوابها حين ضرب الطاعون مصر فى القرن الرابع عشر، ووقتها حصد الطاعون أرواح ٢٠٠ ألف مصرى. ويقول المؤرخ الجبرتى: «إن وباء الطاعون ضرب أيضًا الأديرة التى كان الأقباط ينعزلون فيها عن الناس للعبادة، حيث كانت أديرة مثل دير القديس أنطونيوس فى الصحراء الشرقية وفى وادى النطرون فى صحراء غرب النيل المعاقل الحقيقية لعقيدتهم».
ويتميز دور الفن فى دعم وتحفيز قدرات الإنسان على إنتاج أشكال جديدة دون أن يكون منافسًا لغيره من المجالات والأنشطة الإنسانية، فيهدى أصحاب المجالات الأخرى من خلال تلك الأشكال الإبداعية الجديدة إلى اكتشاف الينابيع الرائعة للحياة، والإمكانات الثرية للوجود، ويلفتهم إلى قدراتهم الواعدة لإعادة النظر وتعديل المسار تمهيدًا للتقدم فى مجالاتهم خطوات أبعد وأفضل.