رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صبرًا جميلًا على واقع مجهول


الصبر مفتاح الفرج.. عبارة صغيرة بسيطة الكلمات لكنها عظيمة التأثير عميقة المغزى.. إننا الآن فى الأسبوع الأخطر فى انتشار فيروس كورونا القاتل.. فهل الشعب المصرى قادر على الانصياع للإجراءات الاحترازية إلى حين المرور الآمن من هذه الأيام الصعبة فى مواجهة واقع مجهول؟.. هل نحن قادرون على الصبر فترة مؤقتة ولكنها حاسمة؟

إنه واقع جديد ومجهول على تاريخ العالم كله، كل دول العالم ورؤساء وزعماء ومسئولون على أعلى مستوى سياسى واقتصادى وصحى يقفون حائرين ومترددين وعاجزين عن وقف انتشار هذا الفيروس المستجد على البشرية، بحيث أعلن بعضهم، وفى صراحة ووضوح، عن أنه لا أحد يستطيع أن يتكهن بوقت القضاء تمامًا على الفيروس فى أى بلد.. ففى بداية الأسبوع أعلنت قناة «سى. إن. إن» الإخبارية عن أن إجمالى الحالات المرضية فى العالم تجاوز ٦٨١٨٦٧ حالة، بينما تجاوز عدد الوفيات ٣٢٩٨٨ متوفى.. وفى الولايات المتحدة الأمريكية حاول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن يقلل من حجم خطورة الموقف فى خطابه للمواطنين مؤخرًا، إلا أن ذلك لم يتناسب مع ضخامة الإصابات فى الولايات المتحدة الأمريكية وتفشى الوباء، لكنه من ناحية أخرى، وفى نفس الوقت، أعلن محافظ نيويورك «أندرو كومو» فى مؤتمره الصحفى اليومى عن حقائق أخرى توضح خطورة الوباء الذى تفشى فى ولاية نيويورك بسرعة شديدة، منذ بدء أزمة هذا الوباء، كما أشار إلى أنه سيحدث ارتفاع متوقع فى مؤشر حالات الإصابة والوفيات، حيث تبين أن هناك أكثر من ٨٠٠٠ إصابة، كما أكد أنه سيستعد بكل الاحتياطات الضرورية لمواجهة الارتفاع المؤكد، كما أعلن بمنتهى الوضوح عن أنه ليست هناك معلومات مؤكدة حول هذا الوباء الذى يجتاح العالم.

أما دول أوروبا فتفشى فيها الوباء بدرجات كبيرة ومتصاعدة، ومنها دول أوروبية متقدمة تقف عاجزة حائرة محاولة احتواء المرض، بينما يقع مواطنوها تحت وطأة الذعر والخوف أمام هذا الوباء الفتاك، ومنها وفى مقدمتها إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا وإنجلترا، التى أكدت التحاليل إصابة رئيس وزرائها بوريس جونسون بالوباء، وصربيا.. ومن غرائب الأحوال التى نعيشها، التى ستغير موازين القوى والأحوال فى العالم بعد أزمة كورونا أننا رأينا الدول الغربية المتقدمة جميعها عاجزة عن احتواء تفشى الفيروس بكل إمكانياتها التكنولوجية والاقتصادية والعالمية، وظن العالم أنها ذات قدرات هائلة كما رأينًا مع أمريكا، التى تعانى وتئن رغم إمكانياتها التكنولوجية والاقتصادية المتقدمة، بينما نجد أن الصين التى كانت أول دولة تشهد تفشى الوباء فى مدينة «ووهان»، إذا بها تعلن أنها قد استطاعت احتواءه والسيطرة وأصبحت تمد يد المساعدة للدول الأوروبية الموبوءة به.

وهنا أتوقف عند حالة بلدنا فى مواجهة الوباء، حيث إن أمامنا مرحلة حاسمة فى مصر الآن، وعلينا أن ندرك خطورة تبعاتها، وأن نواجهها بعقل وصبر وباتباع أساليب السلامة المطلوبة لنا ولغيرنا ممن نتعامل معهم، لأنه من الواضح أنه رغم فرض حظر التجول من السابعة مساءً والالتزام به من قِبل الدولة والجهات المعنية بتوفير الأكمنة ورجال الشرطة الساهرين لتنفيذ قرار الحظر بشكل آمن، فإنه لا تزال هناك، قبل السابعة، ممارسات فوضوية تنذر بإمكانية نقل العدوى نتيجة التزاحم فى بعض وسائل المواصلات وفى مواقع أخرى ذات الصلة بالحياة اليومية والخدمات والاحتياجات المتاحه للجمهور.

ولا شك أنه علينا أن نتوقع إمكانية تصاعد الأعداد التى سيظهر عليها المرض فى الأيام المقبلة، مما يستدعى المزيد من الاحتياطات الضرورية للوقائع والحماية من الوباء، وأن نكون مستعدين فى بلدنا لمواجهة كل الظروف والأحوال التى قد تطرأ، ولا بد أن ندرس قدرتنا على استيعاب المرضى فى الأيام المقبلة ومحاولة توفير الاحتياطات المطلوبة وأماكن رعاية المصابين، لا قدر الله، ولا بد من أن تضع الدولة خطة واضحة لتوفير مختلف الاحتياطات الضرورية من مستشفيات ومعدات وأجهزة وأدوية، بما يتناسب مع حجم مصر ومكانتها إذا ما ارتفعت أعداد المصابين وظهور المرض عليهم، لأن هناك مؤشرًا مرت به كل الدول.

والحمد لله أن الدولة قد بدأت المواجهة مبكرًا واتخذت إجراءات سريعة للتصدى للفيروس ولحماية المواطنين وتحذيرات متتالية عديدة منها ومن الإعلام بسبل الحماية من الفيروس، كما طالب الرئيس مؤخرًا بصرف مكافآت للأطباء وللعاملين فى المستشفيات المخصصة للحميات وتوفير الرعاية والخدمات الصحية للمصابين والحرص على اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية المواطنين، لكننى أرى أن لدينا الآن فرصة، بعد الجهود الإيجابية الحثيثة للأطباء وهيئات التمريض فى مواجهة أزمة كورونا، أرى أننا فى حاجة بعد الخلاص من هذا وباء، إن شاء الله، إلى ترتيب بعض الأمور الداخلية والمزيد من الدعم والتقدير لبعض المهن التى تصدت بجدارة للأزمة الراهنة، ومنها مثلًا الاهتمام بتحسين أجور الأطباء وهيئات التمريض العاملين فى المستشفيات التابعة للدولة بشكل عام.. وتحسين أحوال المستشفيات ذاتها.

ومن ناحية أخرى، فإننى أرى، نظرًا لمتابعاتى تداعيات الوباء فى كل أنحاء العالم، أنه قد أصبح واضحًا أن هناك تسلسلًا واضحًا فى مسيرة هذا الوباء، حيث يرتفع عدد المصابين بعد فترة معينة من بدايته فى أى دولة.

لهذا فإننى أعتقد أننا فى حاجة إلى اتخاذ إجراءات إضافية لرعاية وحماية المواطنين، فعلى سبيل المثال من الضرورى تخصيص أماكن إضافية مجهزة ومخصصة فى المستشفيات الخاصة لمن يصابون بفيروس كورونا، بحيث يمكن إنقاذ حياتهم ورعايتهم فى حالة الضرورة، وإذا لم تتمكن مستشفيات الحميات التابعة للدولة من استيعاب أعداد المصابين أو المصابات.

إن المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، مع كل تقديرنا لجهدها الكبير المبذول ولكل الأطباء والعاملين بها منذ بدء أزمة كورونا، فى وقت ما قد لا تتمكن وحدها من رعاية كل المصابين أو الكشف على الذين يطلبون الفحص أو الذين يريدون مكانًا فى مستشفى للعلاج والبقاء على قيد الحياة، حتى لا يضطر المصاب للبقاء فى البيت مع ما يمثله ذلك من مجازفة لنقل العدوى لأفراد الأسرة المقيمين فى البيت مع المصاب.

إننى أقول هذا نظرًا لاضطرار عشرات الآلاف إلى النزول يوميًا لدواعى العمل أو الحاجة إلى استخدام وسائل المواصلات للذهاب والعودة من أعمالهم أو لمجرد استهتار البعض وعدم البقاء فى البيت أو لعدم إدراك مسئوليتهم المجتمعية أو لتجاهل البعض خطورة الانتشار السريع للمرض.. ونظرًا لأننًا فى الفترة الأخيرة وجدنا ممارسات خاطئة وسلوكيات عشوائية من بعض فئات الشعب فى مختلف المحافظات وهى لا تزال تمثل خطورة فى نقل العدوى وهناك تجمعات ممنهجة حاولت إثارة البلبلة من الجماعة الظلامية وهذه ممارسات تحتاج إلى السيطرة عليها.. أما الممنهجة، فهى فى حاجة إلى التعامل معها لردعها فورًا، لهذا فإنه قد أصبح مطلوبًا من كل المواطنين أن يدركوا أهمية الصبر الجميل على واقع مجهول يحيط بنا، والبقاء على قدر المستطاع فى البيت بهدف المحافظة على النفس وعلى المحيطين بنا.. إننا نحاول جاهدين التعايش مع واقع مجهول وغير محدد الملامح.. واقع يفرض علينا أوضاعًا معينة وصعبة، ليس أمامنا خيارات كثيرة فى مواجهته.. ولأول مرة نجد البشرية جميعها تعكف وتجتهد فى محاولات للتصدى لهذا الواقع المجهول، وفى نفس الوقت تحاول الإسراع باكتشاف علاج له والانتصار عليه.

وإلى أن تتحسن الأحوال ويتوقف انتشار المرض الفتاك ببلدنا دعونا ننتصر على الخوف منه بالبقاء فى البيت وجعل بيوتنا واحة أمان وتراحم وتعاون وبهجة وأمل لكل أفراد الأسرة.. ودعونا ندرك خطورة نشر الشائعات المغرضة بألا ننشرها على مواقع التواصل الاجتماعى أو مجموعات الـ«واتس آب» و«فيسبوك»، لأن هناك محاولات ودسائس لنشر الذعر والخوف من أعداء الوطن الغالى واستغلال أزمة هذا الوباء الدولى لزعزعة أمنه واستقراره.. إننا فى حاجة لأن نحمى أنفسنا وأن نحرص على صحه غيرنا لأن هذا أيضًا نوع من التكافل والتراحم الاجتماعى المطلوب فى وقت المحن.

ودعونا نُعظّم بداخلنا قدرتنا على الصبر ودعونا نتراحم فيما بيننا.. لأن الصبر هو فعلًا مفتاح هذا الكرب، وصبرًا جميلًا حتى ننتصر على عدو غير مرئى إلى أن نكتشف قريبًا أسراره وأساليب الانتصار عليه.