رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبريل الوباء.. أبيض أم أسود؟!


«أبريل أقسى الشهور، يخرج

الليلك من الأرض الميتة، مازجًا

الذكرى بالرغبة، ومحركًا

الجذور الخاملة بأمطار الربيع».

 

السطور الأربعة، بدأ بها الشاعر البريطاني ت. س. إليوت قصيدته الشهيرة «الأرض الخراب»، وفيها يتحوّل الشهر، الذي يبدأ اليوم، الأربعاء، من محرِّك للحياة وباعث لبهجتها، إلى «أقسى الشهور» وأكثرها كآبة. بينما كان عند محمود درويش ضمن ما يستحق الحياة مع رائحة الخبز في الفجر، آراء امرأة في الرجال، كتابات أسخيليوس، أول الحب، عشب على حجرٍ، أمهاتٌ تقفن على خيط ناي، وخوف الغزاة من الذكرياتْ. وهو، أيضًا، الشهر الذي تكون فيه «الدنيا ربيع.. والجو البديع»، كما كتب صلاح جاهين، ولحن كمال الطويل وغنّت سعاد حسني.

 

الوضع في مصر، إلى الآن، مطمئن، مطمئن جدًا. وطبقًا لما قاله إيفان هيوتين، مدير إدارة التغطية الصحية الشاملة والأمراض السارية بمكتب منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، فإن مصر أمامها «فرصة ذهبية للسيطرة على الوباء، والحد من انتشاره داخل البلاد». وطبيعي أن يستدرك الرجل بأن «الفرصة المتاحة أمام مصر لا تعني التخاذل، بل توجب عدم التوقف عن استكمال الخطط الموضوعة وتنفيذها بدقة». وعليه، ننتظر، نتوقع، أو نتمنى أن تعيش مصر أبريل صلاح جاهين أو محمود درويش، لا أبريل ت.س. إليوت.

 

أبريل هو «الشهر الحاسم» على صعيد مكافحة فيروس كورونا المستجد، حسب توقعات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تعهد بأن تفعل إدارته كل شيء خلال أيام الشهر الثلاثين «المهمة للغاية»، وقال: «أمامنا أوقات صعبة خلال الثلاثين يوما المقبلة، وهي 30 يوما مهمة للغاية». بينما تشهد الولايات المتحدة تسارعًا في وتيرة تفشي الوباء، جعلها تتصدر قائمة عدد المصابين وتنافس إيطاليا، إسبانيا، الصين، فرنسا، وإيران في عدد الوفيات: أكثر من 160 ألف إصابة وحوالي 3 آلاف وفاة بحسب الأرقام الرسمية، وتجاوز معدل، يوم الإثنين، الإصابات 500 حالة.

 

الرئيس الأمريكي تراجع عن الموعد الذي حدده للانتصار على الوباء، يوم عيد الفصح في 12 أبريل، وقال: «كان هذا مجرد طموح نصبو إليه، لكن عندما تسمعون هذه الأرقام الهائلة، فنحن لا نريد أن نتسرع، ولا نريد أن نعلن الانتصار قبل رؤيته، لذلك سنقوم بتمديد إرشاداتنا حتى 30 أبريل لإبطاء الانتشار». ومع أن نسبة الوفيات في الولايات المتحدة لم تتجاوز 1.5%، أي نصف النسبة على المستوى العالمي، إلا أن ترامب صدم الأمريكيين وصدمنا نحن أيضًا بقوله: «إذا لم نتجاوز 100 ألف وفاة، فسيكون ذلك إنجازاً كبيراً، وما يهمني أن يكون هناك انتصار كبير في النهاية، وأريد أن يستعيد العالم ما كان عليه الوضع قبل الوباء».

 

هناك، أيضًا، مَن يرون أن الأسبوعين الأولين من أبريل «سيكونان أكثر صعوبة من الأسبوعين المنقضيين»، كإدوارد فيليب، رئيس الحكومة الفرنسية. وبداية من اليوم، الأربعاء، بدأت فرنسا أسبوعين إضافيين من الحظر، الذي يرافقه تغليظ العقوبات لمن يخالف الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بموجب قانون «حالة الطوارئ الصحية» الذي منحها صلاحيات واسعة من أجل فرض التدابير التي تراها ملائمة.

 

ما قد يطمئن، قليلًا، هو أن التباطؤ الذي تشهده إيطاليا في تزايد أعداد الإصابات والوفيات، منذ بضعة أيام، يوحي بأن الوباء قد يبلغ ذروته قريبًا. وما قد يطمئن، أكثر، هو أن مدينة ووهان الصينية، مركز تفشي الفيروس في الصين، وفي العالم، لم تسجل أي إصابات جديدة، لليوم السابع على التوالي. لكن، ما قد يثير بعض القلق، هو أننا «ما زلنا لا نعرف إلى متى سوف تستمر المعركة ضد فيروس كورونا»، كما قال تاكيشي كاساي، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في منطقة غرب المحيط الهادي، الذي أكد أن هناك أشخاصًا حول العالم يعملون 24 ساعة، على مدار السبعة أيام، ويبذلون قصارى جهدهم لمكافحة الوباء، «ولكن من غير المرجح أن يختفي الفيروس الأسبوع المقبل أو حتى الشهر المقبل».

 

في أقسى الشهور، شهر الحسم، شهر الجو البديع، أو الذي يستحق أن نحيا من أجله، استسلمت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، غرقت السفينة تيتانيك، انفجر مفاعل تشير نوبل النووي، وفي 24 أبريل 1915 ارتكب الأتراك أولى مجازرهم ضد الأرمن، أو الحلقة الأولى من مسلسل الإبادة الجماعية، الذي استمر سنوات.

 

كثيرون ينتظرون، يتوقعون، أو يتمنون، أن يبلغ الوباء، أو السواد، ذروته، خلال هذا الشهر، ليبدأ بعدها في الانحسار وتتزايد مساحات البياض. غير أنه بات في حكم المؤكد أن وصف ت. س. إليوت، سيتحقق في تركيا، وأن يكون أبريل هو أكثر الشهور قسوة وسوادًا في تاريخها، بسبب الأخطاء الكارثية التي ارتكبها نظام رجب طيب أردوغان، وتعامله بالرعونة، المعتادة، أو بالغباء المستحكم المعهود، مع تفشي الوباء في بلاده.