رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سارة خليف تكتب: التأجيلات الإدارية تعطل مستحقات أطفال الشقاق

سارة خليف
سارة خليف

في ظل الوضع الاستثنائي لأزمة كورونا، وتبعات الحظر والإجراءات الاحترازية وتعطيل أو تأجيل بعض الأعمال ومنها الحكومية، لم يلتفت أحد إلى شريحة مهمة تمثل عنصرًا في المجتمع، بل ومستقبل البلاد؛ وهم أطفال الشقاق، فهم ممن يعانون من تعنت آبَائِهِمْ في دفع مستحقاتهم من نفقات بالتراضي، لتوفير حياة مستقرة نسبيًا، مما يجبر أمهاتهم الحاضنات إلى اللجوء إلى التقاضي، من أجل الحصول لهم على قوت يومهم، وحدِّث ولا حرج عن خطوات استحقاق نفقات الصغير في الوضع الطبيعي، والتي تدفع بالحاضنات إلي مزيدًا من إجراءات معقدة ومنهكة للأم، تلك الأم التي تعاني من آثار الطلاق والبحث عن الأمان المادي، وتوفير لقمة العيش أو الحياة الآدمية لها ولصغارها، وكذلك تعاني من طول أمد التقاضي، والتي تواجهه بداية بتوكيل المحامي ورفع الدعاوى القضائية، حتى الوصول إلى تحصيل المبالغ المحكوم لها بها.

وفي ظل الظروف الاستثنائية، والإجراءات الاحترازية، وبعض الإجراءات الاقتصادية، التي تحاول الدولة المصرية جاهدة أن تقرها حتى نتجاوز أزمة وباء الكورونا التي أصابت العالم بالشلل التام، نتساءل: لماذا لم يلتفت أحد إلى أطفال الشقاق؟! ومن أين لهم أن تُلبَّى احتياجاتهم الأساسية؟!، ما جعلنا نتصوَّر أن دور الحاضنة الدائم هو التوسّل لنيل حقوق صغارها، سواء من المأكل أو الملبس أو المسكن، كما اعتادت أن تتسول حقوقهم في المحاكم!

وللأسف الأمر في ظاهره بسيط وفي باطنه مأساة، فموضوع تأجيل أغلب المحاكم ليس بالمشكلة الكبيرة إذا كان الأمر متعلقًا بالأسبوعين أو الشهر، ولكن خطورة الأمر فيما يترتب عليه من تأجيلات إدارية، تبدأ من أواخر أبريل لتصل إلى يونيو، مضافًا إلى ذلك أن بعض قضاة محاكم الأسرة في الطبيعي يقومون بأخذ إجازات تبدأ في شهر يوليو ثم تأتي الإجازة القضائية في أغسطس، ثم بعض التأجيلات الإدارية في سبتمبر بحجة تغيير الدوائر، لنعود إلى منظومة الإجراءات المتباطئة بمحاكم الأسرة بحلول شهر أكتوبر!، فكيف لأمهات لديهن تحصيل حقوق منذ يناير وفبراير أن يؤول بهن الحال إلى الانتظار لشهر مايو أو يونيو، إن تمَّ استئناف العمل بالمحاكم في ذلك الوقت!

عندما أصدر رئيس الجمهورية قرارًا بسرعة الفصل في القضايا، كانت الأمور تسير على ما يرام في أول شهرين، بل وكانت الأمهات تعبر عن فرحتهن بقصر الأجل بين الجلسات، ولكن سرعان ما عاد الوضع للرتابة وطول أمد التقاضي كسابق عهده، صحيح أن هناك فارق في سرعة تداول القضايا عن السابق، ولكن ليست كما كانت بعد توجيهات الرئيس بسرعة الفصل في القضايا وخاصة قضايا الأسرة، ناهيك عن أحكام الاستئناف التي تُنسخ في 60 يومًا؟! بل في بعض الأوقات تطول عن 60 يومًا، بخلاف بقية الإجراءات من بعد استلام الصيغة التنفيذية للحكم!

بما أننا في ظرف استثنائي وأوجدت الحكومة بعض الحلول الاقتصادية المؤقتة لبعض المشكلات، مثل فئة العمالة غير المنتظمة وغيرها، فكيف لا نضع حلًا لهذه الأزمة قبل وبعد عودة استئناف المحاكم؟! فإذا كانت الحاضنة معتادة على الزحف وراء حقوق أبنائها، التي تتحصلها بصعوبة بالغة، وعلى أقساط يحددها القاضي طبقًا للسلطة التقديرية لكل قاض، فالنتيجة للأسف أن ما يحدث الآن يصب في مصلحة الخصم لا مصلحة للطفل! فهل سيصبر الطفل على الجوع مثلًا؟! هل يستطيع تحمل توابع عدم توافر مستحقاته الشرعية والقانونية من مأكل وملبس ومسكن حتى تستأنف المحاكم عملها؟!

فإذا كان هناك ظرف استثنائي، يترتب عليه إجراءات استثنائية لصالح الطفل، فلا بد أن يكون أولها هو تكثيف العمل في المحاكم على الأقل في الشهور الأربعة عقب تجاوز الأزمة، خاصة تجاه دعاوى متجمدات الحبس، لأنها حقوق هؤلاء الأطفال، ولا يجب الانتظار طويلًا عليها، بل يجب وضعها كأولوية عاجلة، مع الأخذ في الاعتبار عدم إعطاء سلطة تقديرية مفتوحة لقضاة محاكم الأسرة، لتقسيط المبالغ المتجمدة، لدعاوى الحبس منذ سنوات، على أن تواجه بالحسم في غضون مواعيد محددة وثابتة، وإلا لماذا كانت القضية مطروحة في المحاكم لسنوات؟. أما ثانيها فيجب أن تؤخذ الإجازات المستحقة للقضاة إما بالتبادل فيما بينهم، وذلك لمصلحلة الطفل والمتقاضين بشكل عام، والتعجيل على أن نستثنى "الإجازة القضائية" لمحاكم الأسرة هذا العام، أو منع أي إجازات خلال شهر يوليو وسبتمبر.

يجب أن نعلم أن نفقة الصغير هي دين ممتاز كفانا التهاون والتجاوز فيه من خلال محاكم الأسرة، وتستطيع الدولة أن تضع شروطًا استثنائية للدفع والتحصيل الإجباري من خلال خزينة المحكمة أو طرق أخرى، وبالرغم من القرارات التي صدرت مؤخرًا بشأن المتهربين والممتنعين عن أداء النفقة، ولم تكن الحلول السابقة قاطعة لمسألة تحصيل النفقات، إلا إن نتائجها لم تظهر بعد على أرض الواقع، ولم تشعر الأمهات بأي مردود لها حتى الآن.

وعليه نتساءل مرة أخرى: كيف حال هؤلاء في تلك الأزمة المستجدة على الجميع؟! لذا يجب ألا نتغافل عنهم، وإن لم يلتفت إليهم أحد فلتنظر إليهم الدولة بعين الرأفة والرحمة، ولعل أضعف الإيمان في ذلك هو اتخاذ ما يلزم لسرعة البت، لكي يحصلوا على مستحاقاتهم ومن ثم تقليل العبء عن أمهاتهم.

* باحثة في قضايا المرأة والطفل