رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في الذكرى الـ213 للملحمة.. هنا «رشيد» مسرح هزيمة حملة فريزر

هزيمة حملة فريزر
هزيمة حملة فريزر

قصة كفاح وملحمة سطرتها مدينة رشيد فى الدفاع عن الوطن ضد الاحتلال، وقفت حائط صد لمنع توغله في باقي المحافظات وصولًا إلى القاهرة؛ رغم ذلك عانت لسنوات طويلة من الإهمال وتحولت مع الوقت من مدينة تملك ثاني أكبر عدد من الآثار الإسلامية وتحتل موقعًا متميزًا على البحر المتوسط ونهر النيل إلى أخرى مهمشه لم تستغل ثرواتها.

الحكومة وضعت خطة كاملة لتطوير رشيد بدءًا من إنشاء ميناء صيد إلى إنشاء مصانع لتصنيع الثلج وتعبئة الأسماك؛ واحتل الاهتمام بالآثار الإسلامية التي تزخر بها شوارع رشيد قائمة اهتمامات المسئوليين لإعادة الرونق إلى هذه الآثار التي عانت من الإهمال لسنوات طويلة سعيًا من الدولة لإعادة رشيد على خارطة السياحة.

"الدستور" بالتزامن مع الذكرى الـ 213 للحملة الإنجليزية على مصر بقيادة "فريزر" زارت رشيد، ثاني مدينة على مستوى الجمهورية تحوي آثارًا إسلامية، رصدنا خلال الزيارة مكان موقعة رشيد وما آلت إليه المنطقة بعد مرور هذه السنوات، وما تم إنجازه بعد توصيات الرئيس السيسي عام ٢٠١٨ بعودة "رشيد" على الخريطة السياحية لمصر، بحد أقصى 3 سنوات.

"المدينة هادئة تمًاما والشوارع خالية من سكانها، يبدو أنهم ارتضوا بالأمر الواقع وعلموا أنهم غير قادرين على مواجهتنا، فكيف لسكان رشيد البسطاء أن يواجهونا نحن الجنود الإنجليز.

مضت ساعات قليلة على وجودنا في رشيد والوضع على ما هو عليه كل شئ كان هادئًا حتى انطلق صوت الآذان في غير موعده من مسجد زغلول العريق قائلًا: "الله أكبر.. حي على الجهاد"، الآن بدأت الحرب الحقيقية".

حملة فريزر حاولت الدخول إلى المدينة، حين حرك "ويكوب" القائد الإنجليزي 1600 جنديا من الإسكندرية لرشيد، لكن عندما تقدم الإنجليز لم يجدوا مقاومة من أهلها لأنهم تواروا في منازلهم لحين اللحظة الحاسمة التي اتفقوا فيها مع محافظهم علي السلانكي، فاعتقد الإنجليز أنهم نجحوا في احتلالها كما خططوا، وأخذوا يستريحون بعد السير في الرمال من الإسكندرية إلى رشيد، وانتشروا في شوارع المدينة والأسواق للعثور على أماكن يلجئون إليها ويستريحون فيها.

وما إن انطلق نداء الآذان بأمر "السلانكي" انهالت النيران من أفراد حامية رشيد من نوافذ المنازل والأسطح‏، وسكب الأهالي الزيت المغلي من الشبابيك،‏ فقُتل جنود وضباط من الحملة وهرب من بقي حيًا، كما روى سكان "رشيد لـ "الدستور"، فقد اسفرت الواقعة عن مقتل 185 جندي وأصيب 282 آخرين وأسروا 120 جندي.

"الدستور" داخل موقعة رشيد بعد مرور 200 عاما
في قلب رشيد وبالتحديد بشارع "دهليز الملك" في منطقة عرابي، الذي سجله التاريخ شاهدًا على مقاومة سكانه لحملة فريزر أصبح الوضع مختلفًا تماما، فالمبانى التي كانت تملك قدرة هائلة صمدت بها أمام الإنجليز وأسلحتهم وأمام الزمان لأكثر من 300 عام أصبحت مهددة بالانهيار جراء الإهمال.

في "دهليز الملك" وقفت 5 مبانى أثرية صورتها كتب التاريخ وهي تقاوم الحملة الإنجليزية، وتنجح في إحباطها، عاجزة رغم محاولتها للبقاء وسط الباعة الجائلين والمياه والقمامة التي تغرق أبوابها.

والتقت"الدستور" ببعض سكان الشارع والباعة الجائلين لمعرفة قصة مقاومة البيوت الأثرية وكيف تبدل حال الشارع الأهم في رشيد إلى سوق شعبي.

محمود الشامي، شاب في العشرينيات من سكان المنطقة، يقول: "دهليز الملك" تحول من شارع أثري إلى شارع السوق، وفي يوم الجمعة يتحول إلى السوق الرئيسي في البلد الذي يجتمع فيه كل الباعة من رشيد والقرى المجاورة لها لعرض بضاعتهم، وذلك بالطبع قبل فرض الحظر الذي أقرته الحكومة لمنع انتشار "كورونا".

وأوضح أن انتشار الباعة الجائلين أثر سلبًا على المنطقة والمنازل الأثرية، وحكى عن تفاصيل سقوط منزل "رمضان" في شهر يونيه عام ٢٠١٧، عندما استيقظ السكان على صوت انهيار سقف المنزل الذي كان صاحبه "عثمان أغا" حاكم رشيد أثناء حملة فريزر، وبدأت المعركة ضد الانجليز عام 1807 منه، وبعد انهياره بساعات جاءت قوات الأمن وفرضت كردونًا، وتم إحاطة المنزل بألواح معدنية صفراء اللون وقيل أن أحد شركات المقاولات ستعيد ترميمه مرة أخرى، لكن حتى الآن لم يتم سوى ضم جزء كبير من الشارع إلى الكردون الذي فرضته الشركة مما أدى إلى صعوبة الانتقال بعد أن تحول إلى شارع لا يتجاوز عرضه متر واحد فقط.

المنازل الأثرية
اصطحب محمود" الدستور" في جوله للمنازل الأثرية بشارع"دهليز الملك" الشاهد على مقاومة سكان رشيد لحملة فريزر، وفي نهاية الممر المعدني الذي وضعته الشركة المكلفة بترميم منزل " رمضان" وجدنا منزل "كوهية" كما هو مدون عليه، وجدنا الباب الرئيسي مفتوحًا رغم أنه ليس من المنازل المسموح بزياتها، صعدتا إلى أعلى أن نجد حارسا، وفي الساحة الرئيسة وجدنا أحد الأشخاص الذي عرف نفسه بأنه حمدى حواس، موظف تابع لوزارة الآثار، قال إن المنزل يعد مقرًا لموظفي الآثار يأتوا كل يوم صباحًا ومساءً للتوقيع في كشف الحضور والانصراف، وعن أسباب عدم تواجد حارس كما يحدث مع أي أثر مهم، قال إن الوزارة سلمت المنزل إلى إحدى شركات المقاولات لإعادة ترميمه بعد انهيار جزء من منزل " رمضان" المجاور له.

وعن سبب تسمية المنزل ب" كوهية" أوضح أن الأسماء التي تم اطلاقها على البيوت الأثرية في رشيد ليست أسماء الملاك الأصليين لكنها اسم آخر مالك قبل ضمه للوزارة، موضحا أن أعمال الترميم بدأت بالفعل لكنه لا يعلم عنها تفاصيل أخرى.

خرجت "محررتا الدستور" من المنزل، وتحدثتا مع بعض الباعة الجائلين المنتشرين في الدهليز لسؤالهم عن مدى علمهم بأهمية هذا الشارع والمبانى التي حولوا أبوابها وأسوارها إلى مقر لجمع الفاسد من بضاعتهم، "سعيد" بائع سمك في الأربعين من عمره، وقف في نهاية دهليز الملك بالقرب من منزل "كوهية" ليحكى عن أهمية هذا الشارع، وقال وهو يقلب في الأسماك الصغيرة التي وضعها في شونه خشبية: أعرف أن علي السلانكلي محافظ رشيد حارب الإنجليز وهزمهم في هذا الشارع لكن ليس لدى تفاصيل عما حدث.

وعن الإهمال الذي يتعرض له الشارع نتيجة تواجد الباعة الجائلين فيه، قال منذ صغري وأنا أعلم أن هذا الشارع مقر لسوق الخضروات، وحتى المسئولين على علم، وكل فترة تأتي حملة من مجلس المدينة وتحصل منا رسوم "إشغال طريق".

وعن أعمال الترميم التي تمت داخل البيوت الأثرية، قال إن الشرطة وضعت كردونًا أمام منزل " رمضان" بعد انهياره وبدأت أعمال الصيانة فيه بعدها مباشرة لكن الآن لا نرى أي عمال داخل هذه المنازل وسمعنا أن أعمال الترميم متوقفة نتيجة مشكلات مالية.

على بعد خطوات منه، وقف "عم محمد" في السبعين من عمره صاحب حنطور، قال هذا الشارع قديمًا كان نظيفًا تمامًا وكان هناك سائحين يأتون لزيارة المنازل الأثرية الموجودة فيه، وبدأ الباعة الجائلون يسكنون فيه منذ مايقرب من 30 عامًا.

وأضاف أن الكردون الذي وضعته الحكومة في منتصف الشارع لقيامها بترميم المنازل وقفت حالنا"، فيتجول الباعة حاملين بضاعتهم على أكتافهم، متسائلا،: متى ستنتهي أعمال الترميم؟.

ذهبنا إلى "مسجد زغلول" الذي يبعد عن الدهليز بضعة مترات فقط، وزغلول هو المسجد الأشهر في رشيد والذي أطلق إشارة الجهاد لمقاومة حمله فريزر، فهنا وبالتحديد في 21 مارس عام 1807، اتفق علي بك السلانكلي محافظ رشيد والشيخ حسن كريت على أن تنطلق إشارة مقاومة الحملة من المسجد.

وتم ترميم المسجد وفتحه بعد سنوات طويلة من غلقه وإهماله، وعدنا إلى جولتنا مع "محمود" الذي أوضح أن المسجد كان يضاهي الأزهر الشريف وكان وتم بناؤه عام 1577م، أسسه "زغلول" أحد مماليك السيد "هارون"، أحد الأمراء الذين عاشوا في القرن 17، وبهذا الجزء يوجد ضريح زغلول.

وناشد" محمود" بسرعة الانتهاء من ترميم المنازل الأثرية في منطقة عرابي، وإخلائها من الباعة الجائلين، وتنظيف الشوارع حتى تعود رشيد قبلة تستقبل السائحين كما كان يحدث قديمًا.

منزل حبيبة "مينو" متحف بلا زوار
منزل "الميزوني" أو "عرب كلي" يعود في الأصل إلى محمد عبدالرحمن البواب الميزونى، والد جميلة "رشيد –آنذاك- زبيدة البواب، التي تزوجها القائد جاك مينو، مبعوث نابليون بونابرت الذي تسلم مفتاح مدينة رشيد من كبار أعيانها في يوليو من عام 1798.

بداية دخولك إلى المنزل، الذي يطل بواجهة جانبية جنوبية على شارع الجيش، والواجهة الرئيسية الشرقية تطل على شارع عرب كلي، والواجهة الجانبية الغربية تطل على شارع وكالة القنصل، أما الواجهة الخلفية الشمالية فتطل على شارع صغير يصل ما بين شارع عرب كلي ووكالة القنصل، في مدخله بهو يضم نسخة من حجر رشيد الذي قام العالم الفرنسي شامبليون بفك رموزه، أيضًا نموذج مصغر من قلعة "قايتباي" التي بنيت برشيد في العصر المملوكي، وإلى يمينه توجد بعض آثار المخلفة من الحملة الفرنسية عام 1807م، حيث الأسلحة التي استخدمت آنذاك، كما يضم مظاهر للحياة الاجتماعية في العهد العثماني.

وهناك، التقينا "عباس" أحد العاملين بأمن المتحف، حيث حدثنا عن تاريخ الحملة الفرنسية وتاريخ هذا المنزل الأثري الذي كان آخر من يملكه حسين بك عرب كلي عام 18م، فيقول إنه يتكون من 3 طوابق؛ الأرضي يسمى الشاغل أو الوكالة كان يستغله صاحب المنزل في تخزين الحبوب والغلال واسطبل للخيل، أما الطابق الأول يسمى السلاملك، وهو ذاك الجزء من قصور الدولة العثمانية المخصص لاستقبال الضيوف من الرجال، والثاني يسمى الحرملك، وهو الجزء المخصص لنساء المنزل، تحول إلى متحف حربي عام 1959 في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ثم أعيد ترميمه عام 1985 في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك.

"عباس" انتقل بنا إلى مرحلة التواجد السياحي بالمتحف، فأكد أن الفئة الغالبة على زواره هي المصريون ممن يحبذون السياحة الداخلية؛ أما السياح الأجانب فكان تواجدهم بكثرة في فترة ما قبل ثورة 25 يناير، أما الوقت الحالي قلّ تواجدهم.

وأكد أن المنازل الأثرية موجودة بحالتها إلى حد كبير إلا أن المساجد هي ما تعاني من التدهور مثل المسجد المحلي والذي يعد من أكبر المساجد بالمدينة، ولم يرمم منذ 11 سنوات، وهو يلي مسجد زغلول في المساحة، وهو ثاني مسجد يُبنى في مصر بعد مسجد عمرو بن العاص، وكان كلمة السر في موقعة رشيد.

"الأمصيلي" ينتظر جامعة إيطالية
بضعة خطوات حتى وصلنا إلى منزل الأمصيلي الذي بني عام 1223ه و1808م، كان أحد المنازل المشاركة في مواجهة حملة فريزر، استقبلنا "هندي" مفتش آثار برشيد، وحدثنا أن المنزل وحدة معمارية متكاملة فهو ملحق به منزل حسيبة غزال ومنزل عثمان أغا ترك، وكان تم ترميمه في التسعينيات.

وأضاف أن المنزل موضوع في خطة التطوير التي من المفترض أن تقوم بها أحد اللجان التابعة للوزارة، إلا أن هناك مزاعم حول تولي جامعة إيطالية ترميمه.

مدير المشروع: التطوير يحتاج ٩٠ مليون جنيها
وفي تصريحاته نهاية أكتوبر 2017، تحدث المهندس الشيخ مصطفى إسماعيل، المدير التنفيذى لمشروع تطوير رشيد، حول أعمال التطوير، مؤكدا أن الشوارع سيحتاج 90 مليون جنيه، أما منطقة الكسارة العشوائية بالكامل وإنشاء 116 وحدة سكنية لقاطنيها ستتكلف 22 مليون جنيه، ليتم تسليمها خلال نهاية 2018، فتشمل الخطة تطوير المناطق الأثرية من المنازل والشوارع والمساجد التراثية، منها منطقة دهاليز الملك ومنطقة أبو مندور ومنطقة أبو الريش ومسجدي المحلي وزغلول، بالإضافة إلى قلعة قايتباي.