رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عزوة الأبطال.. أهالى «أطباء وممرضى الحجر»: «الشائعات بتدمر أعصابنا»

الحجر
الحجر

فى ظل حالة القلق التى تصيب الجميع بمجرد مطالعة البيانات بشأن فيروس كورونا المستجد، هناك أناس فى منطقة أخرى من الخوف والقلق، هؤلاء الذين ودعوا أبناءهم ممن يعملون فى المجال الطبى بالدموع، بعدما علموا بتطوعهم فى مستشفيات الحجر الصحى لأداء واجبهم المهنى والسهر على راحة المصابين.
«الدستور» تحدثت مع أهالى عدد من الأطقم الطبية الذين تركوا منازلهم منذ ما يقرب من أسبوعين، لأداء واجبهم الوطنى والإنسانى، وحكوا كيف يتواصلون مع أبنائهم داخل الحجر الصحى، وكيف يقدمون لهم الدعم النفسى.

أحمد: شقيقى قالنا «لو كله خاف على نفسه.. مين هيعالج المصابين؟»
ودع إبراهيم عبدالمنعم، ممرض، أهله بعد أن اتخذ قرارًا بالتطوع للعمل فى مستشفى العجمى للحجر الصحى بالإسكندرية، وظلت ليلة الوداع محفورة فى أذهان شقيقه ووالديه الذين لم يروه منذ حوالى أسبوعين.
وقال أحمد عبدالمنعم، شقيق «إبراهيم»: «كنا خايفين عليه وطلبنا منه عدم الذهاب إلى الخطر بنفسه، إلا أنه صمم وقال لنا: (لو كل واحد خاف على نفسه وقعد فى البيت مين هيخدم المصابين ويسعفهم؟)».
وأضاف: «اقتنع والداى بأهمية دور إبراهيم وسط المصابين فى مستشفى العزل، وودعاه بالدعاء، ومن يومها ونحن نعيش فى قلق وتوتر، ليس فقط خوفًا على شقيقى، لأننا نعلم أنه اتخذ كل الاحتياطات الضرورية حتى لا تنتقل له العدوى، بل بسبب الشائعات».
وأوضح: «نسمع عن انتقال العدوى إلى الأطقم الطبية الموجودة فى مستشفيات العزل، فيزداد خوفنا على أخى، ونحاول جاهدين الاتصال به للاطمئنان على أحواله، وفى النهاية يتضح أنها مجرد شائعات. هذه الأمور تدمر نفسية أهالى المصابين والأطقم الطبية فى نفس الوقت».
وعن كيفية التواصل مع شقيقه فى مستشفى الحجر الصحى، قال: «نتواصل معه تليفونيًا وأحيانًا نجرى مكالمات فيديو حتى يشاهده والدانا أمامهما ويطمئنا عليه، لكنه ليس دائمًا متاحًا للرد علينا»، موضحًا أنه فى أى وقت يتواصل فيه مع شقيقه يجده مستيقظًا، وإذا لم يرد عليه فى الحال، يعاود الاتصال به مرة ثانية، ويخبره أنه كان يتابع أحوال المصابين ويطمئن عليهم، مضيفًا: «أحيانًا أشعر بأنه لا ينام».
وتابع: «والداى فخوران بما يقوم به شقيقى لخدمة الإنسانية، ودائمًا ما ينصحانه بتعقيم نفسه جيدًا، وأن يطمئن المصابين على أحوالهم وأنه سيتم شفاؤهم ويعودون إلى أهلهم، ويدعون فى كل لحظة لهم ولمصر أن يرفع الله البلاء».
وعن أكثر المواقف التى أثرت سلبًا فى نفسية شقيقه منذ عمله فى الحجر الصحى، قال إن نزول بعض الأهالى فى الإسكندرية إلى الشوارع للدعاء أكثر شىء أغضبه، مضيفًا: «قالى قول للناس تقعد فى البيوت، المرض مش بيفرق بين كبير فى السن من صغير، قل لهم يقعدوا فى البيت علشان الإصابات تقل ونرجع إحنا لبيوتنا».

أمل: ابنتى أصرَّت على التطوع رغم مرضها المناعى

فى البداية، رفضت أمل الشناوى، من مدينة المنصورة، طلب ابنتها «سمر»، التى تعمل نائبة عناية مركزة فى مستشفى الساحل التعليمى بالقاهرة، الانتقال إلى مستشفى النجيلة للحجر الصحى بمطروح لخدمة المصابين بالفيروس، لكن إصرار ابنتها على التطوع، جعلها تخضع لرغبتها.
وقالت الأم: «لم أرفض ذهاب ابنتى لخدمة المرضى، فهى رسالة سامية وثوابها عظيم، لكننى شعرت بالخوف عليها نظرًا لإصابتها بمتلازمة كلوية، وهى مرض مناعى يجعلها دائمًا معرضة للخطر، ففكرت: كيف تستطيع التواجد فى مكان ينتقل فيه المرض عن طريق العدوى وهى أكثر الموجودين فى المكان عُرضة له».
وأضافت: «وافقت على رغبتها لأننى من داخلى أعلم أنه واجبها المهنى والإنسانى، وبالفعل انتقلت إلى مستشفى الحجر الصحى بمطروح، وكنت أطمئن عليها يوميًا، وأنها تحصل على أدويتها فى وقتها المحدد، وتتخذ كل التدابير اللازمة حتى لا تنتقل لها العدوى».
وتابعت: «بدعى لها كل لحظة، وبدعى للمرضى ربنا يشفيهم وعندما أتواصل معها أطمئن منها على صحتهم، وأشعر بالفخر بها وزملائها فى المستشفى عندما أعلم بتزايد حالات الشفاء من المرض، ورغم خوفى المتزايد عليها، إلا أننى سعيدة أن الله جعلها سببًا فى شفائهم».
وأشارت إلى أن ابنتها عادت بعد أن أمضت أسبوعين فى الحجر الصحى نتيجة انتهاء حصتها من الأدوية، وقبل عودتها أجرى لها المستشفى كل التحاليل اللازمة للتأكد من عدم انتقال الفيروس إليها، وظهرت النتيجة بالفعل سلبية، فرغم ضعف مناعتها حماها الله وزملاءها الذين يضحون بأنفسهم لمحاربة هذا الفيروس. ووجهت «أمل» رسالة إلى المصريين بالاستماع إلى تعليمات الحكومة بعدم النزول من المنزل إلا للضرورة، قائلة: «ابنتى وزملاؤها بعيدون عن أهلهم ليراعوا المصريين المصابين، وعلينا جميعًا أن نلتزم بالتعليمات حتى لا تزيد أعداد المصابين ويعود أبناؤنا إلى بيوتهم سالمين».

وصال: نجلى يعمل فى المطار ويعزل نفسه بالمنزل.. و«اللمة وحشتنى»

دخل «مصطفى»، طبيب أسنان فى أحد المراكز الطبية على والدته، وأخبرها بأنه تطوع للعمل فى الحجر الصحى بمطار القاهرة، ورغم الخوف لم تبدِ والدته «وصال» أى اعتراض على قراره، وثمنت رغبته فى خدمة الوطن.
وقالت الأم: «عندما بدأ الوباء ينتشر فى الدول المحيطة بنا، كان لا بد من إقامة حجر صحى فى مطار القاهرة للكشف عن الوافدين، وأخبرنى ابنى بأنه تطوع للعمل فيه، ورغم خوفى عليه بسبب الأخبار المتداولة حول انتقال العدوى إلى الأطقم الطبية فى مستشفيات العزل، لم أعترض وشجعته على المشاركة».
وأضافت: «أتواصل معه طوال اليوم بالهاتف لأطمئن عليه وعلى أحوال المصريين القادمين من الخارج، وفى نهاية اليوم يعود للمنزل»، موضحة: «فى بداية عمل ابنى فى الحجر الصحى بالمطار، كان يعمل ١٢ ساعة فى اليوم ويعود مساءً إلى المنزل، لكن الآن يعمل ٢٤ ساعة متواصلة بسبب ظروف الحظر، ويحصل على راحة لمدة ٣ أيام».
وتابعت: «نظرًا لعمله وسط الخطر وعودته للمنزل بصفة دورية، يظل مصطفى فى غرفته أغلب الوقت لا يختلط بى أو بإخوته الصغار خوفًا على صحتهم، وأتمنى أن تعود بنا الأيام وقتما كنا نجلس أنا وأبنائى جميعًا نتسامر ونتناول الطعام معًا، لكننى أعلم أيضًا أن ما يفعله فى الحجر الصحى الهدف منه عودة الحياة إلى طبيعتها، لذا أتحمل هذه الأيام وأدعمه دائمًا وأُشعره بأننى مقدرة عمله وأشجعه، وجميع أفراد العائلة وأصدقاؤه يساندونه وندعو دائمًا له ولزملائه أن يعودوا إلى أهلهم سالمين معافين».
وعن الرسالة التى توجهها للمصريين، قالت «وصال»: «أتمنى أن يدرك المصريون الدور الذى يقوم به ابنى وزملاؤه وتعريض حياتهم للخطر لمنع تفشى المرض فى مصر، وأن يدعموهم من خلال التزامهم بقرارات الحكومة بمنع التجمعات، وعدم النزول من المنزل إلا للضرورة القصوى، حتى يستطيع الأطباء السيطرة على الوباء ومنع انتشاره».
واختتمت: «أقول لابنى وزملائه فى الحجر الصحى فى كل مستشفيات مصر: (أنتم الدرع الحقيقية لمصر وقت الأزمة، ونحن فى حرب مع وباء قاتل، لكننا مقتنعون أنكم قادرون عليه، وسنظل بجانبكم وندعمكم حتى نقضى معًا على المرض)».

بسنت: نتواصل مع أختى فى السعودية بـ«مكالمات فيديو»

«إحساس لا يوصف بأن جزءًا منك يعيش وسط وباء يهدد العالم كله، فلم نعرف طعم النوم منذ عملها فى الحجر الصحى خوفًا عليها».. بهذه الكلمات عبرت بسنت الشبه عن شعورها بعد تطوع أختها «ياسمين» للعمل فى مستشفى حجر صحى بالمملكة العربية السعودية، ولم ترها عائلتها منذ سبتمبر الماضى.
وقالت «بسنت»: «تعمل أختى ممرضة فى المملكة العربية السعودية، ودائمًا ما تكون بيننا زيارات متبادلة، لكن مع بدء انتشار الوباء فى العالم كله وإغلاق المطارات، لم تعد هناك أى طريقة للتواصل بيننا سوى عن طريق الإنترنت، وتحول المستشفى الذى تعمل به إلى حجر صحى للمرضى المصابين به».
وأضافت: «عندما علم أبى تواصل معها وطلب منها أن تستقيل من عملها وتعود إلى مصر قبل إغلاق المطارات، خوفًا عليها من العدوى، خاصة أنها بعيدة عن أعيننا، لكنها رفضت وأكدت له أنها لن تتخلى عن عملها وستظل تساند المرضى حتى يستطيعوا السيطرة على الوباء فى العالم كله».
وتابعت: «القلق بيننا متبادل. فنحن قلقون عليها ولا نعلم هل يتخذ المستشفى الذى تعمل به الإجراءات الكافية لمنع انتقال العدوى لهم؟، وهى أيضًا تشعر بالقلق علينا وعلى مصر، ودائمًا ما تعطينى نصائح وتطلب منى أن أنشرها على فيسبوك بهدف توعية المصريين بكيفية التعامل، وتعقيم أنفسهم حتى لا تتزايد أعداد المصابين».
وعن كيفية دعم العائلة لها، قالت «بسنت»: «نتواصل معها دائمًا فى مكالمات فيديو، ونؤكد لها اعتزازنا بالدور الذى تقدمه لخدمة الإنسانية، ويهتم كل أفراد العائلة بالتواصل معها، لدعمها ومؤازرتها».