رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فيروس كورونا التحديات والتعاون والتكاتف


استيقظت البشرية فى أوائل عام 2020 على اجتياح فيروس كورونا لكل الدول عابرًا للحدود الجوية والبحرية والبرية حاصدًا لأرواح البشر بلا هوادة لم يفرق بين دول الشمال أو الجنوب الشرق أو الغرب دول غنية أو فقيرة غزا الفيروس الإنسان فى كل مكان كبار السن أو متوسطى السن أو صغار السن. ومضى الفيروس فى طريقه دون رادع، فالفيروس لا سلاح أقصد لا علاج مضاد له حتى الآن، والعلماء يسابقون الزمن من أجل علاج فعال وحتى ظهور هذا العلاج فمواجهة الفيروس تعتمد على عزل المصاب وعلى قدرة مناعته الذاتية.

وفى الوقت الذى ارتبكت فيه معظم الدول أمام أزمة الفيروس (تضارب القرارات والتأخر عن الصدور فى الوقت المناسب، بل واستهتار الشعوب بتنفيذ القرارات التى تقلل من حجم الكارثة وعدم انتباه الشعوب أيضًا لفداحة الأزمة) فى هذا الوقت كانت هناك دولة عظمى يقطنها ما يقرب من 1,4 مليار من السكان، وهى دولة الصين والتى كانت بداية انتشار الفيروس فيها فى مدينة ووهان فى مقاطعة هوبى استطاعت هذه الدولة، أن تواجه بكل جدية وانضباط وصرامة بالتعاون بين الحكومة والشعب، استطاعت أن تُسخِّر كل إمكانياتها الطبية والعلمية لمحاربة الفيروس القاتل، فأقامت المستشفيات الميدانية وتم عزل المصابين وتحديد إقامة المواطنين فى بيوتهم والخروج للضرورة القصوى وعلى فترات متباعدة مع المصداقية والشفافية فى المعلومات المعلنة والخاصة بتفاصيل الكارثة، وتمكنت من عزل الفيروس مبكرًا وتحليل خريطته الجينية، ونجحت فى حصار بؤرة الوباء. والآن تقدم الصين مثلًا فى تعاون الدول من أجل صالح البشرية جمعاء بمساعدة الدول المنكوبة الأوروبية، منها إيطاليا بالأطقم الطبية والمعدات ونقل الخبرات فى الوقت الذى تخلت فية الولايات المتحدة الأمريكية عن معاونة أو مساعدة حلفائها من دول الاتحاد الأوروبى. وبدأت الدول فى كل قارات العالم تتجه إلى الصين للاستفادة من آليات مواجهة الأزمة واحتواء انتشار الفيروس وإدارتها على جميع المستويات، ولم تبخل الصين على الدول، ومنها مصر(والتى تتمتع بمتانة العلاقات فى إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين) لم تبخل بتقديم ما لديها من تجارب وإمكانيات ونقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر.

جاء الفيروس غازيًا لـ7,8مليار من سكان الكورة الأرضية، كاشفًا ومُعرّيًا لسياسات الدول الرأسمالية المتوحشة التى استولت واحتكرت معظم ثروات البشرية وصرفت تريليونات من ميزانياتها على صنع أسلحة فتاكة تحمى مصالحها وتدمر البشرية وتترك أقل القليل للصرف على الأبحاث العلمية من أجل حماية الإنسانية من الأمراض والأوبئة.

جاء الفيروس كاشفًا لتلك الدول التى يعتليها تجار حرب يتاجرون بالأرواح وآلام البشر، فها هو رئيس أمريكا دونالد ترامب تاجر الصفقات يحاول أن يعقد صفقة مع شركة ألمانية (كيور فاك) تسهر على الأبحاث من أجل الوصول للقاح وعلاج فعال ضد الفيروس صفقة بموجبها شراء هذه الأبحاث واستكمالها فى أمريكا، ليكون لأمريكا السبق والتجارة والأرباح، فالتاجر لا يفرق بين مصانع السلاح ومعامل المصل واللقاح، فالربح وتكدس الأموال فى خزائنه هو أساس سياساته حتى لو كانت على حساب مصلحة الإنسانية جمعاء، ونحمد الله أن جاءه الرد "ألمانيا ليست للبيع"، فما زال عند البعض "ضمير" يقوم على خدمة البشرية.

ومن المعروف أن وزارة الصحة العالمية حذرت فى بداية عام 2019 من عدة أخطار تهدد العالم ولها آثار خطيرة على البشرية، منها تلوث الهواء والتغيرات المناخية – الأمراض الصامتة (السكر والضغط) – وباء الإنفلونزا العالمى – السكن فى بيئة غير صحية – ضعف المناعة والمقاومة للأمراض وضعف الرعاية الصحية – عدم فاعلية الأمصال واللقاحات فى بعض الأحيان – أمراض الإيدز والإيبولا. وعلى الرغم من هذه التحذيرات، استمر كبار محتكرى الهيمنة والسلطة ورأس المال فى جنى الأرباح من صناعات تدمر البيئة وتساعد على تلوث الهواء وارتفاع درجة حرارة الأرض، مما يؤثر على المناخ ويسبب الكوارث الطبيعية من أعاصير وسيول وفيضانات.

جاء الفيروس كاشفا لضعف النظم الصحية وعدم قدرتها على مواجهة واحتواء الأزمة فى ظل السرعة الكبيرة التى ينتشر بها الفيروس. وينبغى الاعتراف ياسادة بأن معظم النظم الصحية انهارت أمام كارثة وباء كورونا، وبالذات فى الدول الكبرى فى الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبى التى انتشر الفيروس بها بشكل خطير ومن هذه الدول إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا، وأثبتت أزمة فيروس كورونا أنه لا بد من التعاون والتكاتف بين الدول للمواجهة وحل الأزمة، حيث لا تستطيع دولة بمفردها محاربة الفيروس أو القضاء عليه، خاصة مع عدم وجود علاج فعال حتى الآن.

كما نبهت هذه الأزمة إلى أولوية اتجاه الدول لزيادة الإنفاق على الصحة والبحوث العلمية والطبية والدوائية للحفاظ على حياة البشر بدلا من الإنفاق المتزايد على سباق التسلح الذى يهدد حياة البشر، وهذا يجعلنا نكرر مطالبنا بزيادة الإنفاق على الصحة تطبيقًا لدستورنا المصرى إلى 3% من الناتج القومى الإجمالى وتزداد تدريجيًا إلى المعدل العالمى (6%) مع تنفيذ ما جاء فى حكم المحكمة الإدارية العليا بزيادة بدل العدوى للأطباء والذى ما زال من 19 إلى 30 جنيهًا هؤلاء الأطباء والطبيبات جنود وأبطال معركة مواجهة الفيروس، بجانب زيادة الإنفاق على البحث العلمى والذى هو عنوان العصر.

إن تقدم الأمم يقاس بحجم الإنفاق على الصحة والتعليم، والذى يصل فى معظم الدول إلى 40% من إجمالى الإنفاق الحكومى.