رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كورونا يلعب مع الكبار


بعد الأمير تشارلز، الابن الأكبر للملكة إليزابيث، ولى عهدها، أعلنت الحكومة البريطانية عن إصابة بوريس جونسون، رئيس الوزراء، بفيروس كورونا المستجد. ما قد يعنى بوضوح أن هذا الفيروس الصغير، أو الحقير، استطاع التغلب على الاحتياطات والإجراءات الوقائية التى اتخذتها، قطعًا، حكومة وأجهزة ومؤسسات بريطانيا العظمى أو التى كانت كذلك.

فى حسابه على تويتر كتب جونسون: «عانيت من أعراض خفيفة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، وجاءت نتيجة اختبار كورونا إيجابية، لذا سأخضع للعزل المنزلى، ولكننى سأستمر فى قيادة الحكومة فى مكافحة الفيروس». كما أوضح بيان صادر عن الحكومة البريطانية أن جونسون خضع لاختبار الفيروس بناء على نصيحة شخصية من البروفيسور كريس ويتى، كبير الأطباء فى إنجلترا. واللافت هو أن البيان ذكر، أيضًا، أو كرر، أن رئيس الوزراء سيظل مسئولًا عن معالجة الحكومة للأزمة. بينما كان المتحدث باسم جونسون قد قال، الإثنين الماضى، لمحاسن الصدف أو مساوئها، إن دومينيك راب، وزير الخارجية، سيتولى مسئولية الحكومة فى حالة إصابة رئيس الوزراء!.

قبل تشارلز وجونسون، كانت نادين دوريس، وزيرة الدولة لشئون الصحّة، أول عضو من الطبقة السياسية البريطانية تعلن إصابته، مع أنها كانت من المشاركين فى إعداد القواعد والأنظمة المُفترض اتباعها لمواجهة الوباء. كما أصيبت زوجة رئيس الوزراء الكندى، وخضع زوجها جاستين ترودو للعزل الصحى، مع أنه أفلت من الإصابة كما أفلتت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. كما أصيب الرئيس البرتغالى، مارسيلو ريبيلو دى سوسا، وعلق جدول أعماله الرسمى لمدة أسبوعين و... و... هناك قائمة طويلة تضم وزراء ومسئولين كبارًا، فى دول عديدة، تقول بوضوح إن هذا الفيروس الصغير أو الحقير، استطاع أيضًا التغلب على الاحتياطات والإجراءات الوقائية التى اتخذتها، قطعًا، حكومات وأجهزة ومؤسسات تلك الدول.

تعيش مدن عديدة، ودول بأكملها، حالة إغلاق تام. أو لنقل، كما قال غلاف مجلة «الإيكونوميست»، إن العالم كله تم إغلاقه. كما هوت أسواق المال، وظلت الطائرات جاثمة فى المطارات لا تقلع أو تطير. بسبب هذا القاتل الصغير، أو الحقير، الذى لا يزيد قطره عن ١٢٥ نانومتر. وللتقريب، فإن الفرق بين حجم جناح البعوضة وحجم الفيروس، أكبر بمليون مرة، تقريبًا من الفرق بين مساحة الصين ومساحة قطر، التى تتزايد فيها رقعة انتشار الوباء بشكل مرعب، بعد خروجه عن السيطرة، تحديدًا فى أوساط العمال الأجانب الذين يعيشون فى ظروف غير آدمية كانت، ولا تزال، محل انتقاد كثير من المنظمات الدولية.

لا يزال الفيروس ينتشر فى جميع أنحاء العالم، وما زال العدّاد يضيف آلاف الإصابات الجديدة، ومئات الوفيات كل يوم. وبعد أن أصبحت أوروبا هى بؤرة المرض، دخلت معها الولايات المتحدة فى منافسة شرسة، كسبتها كالعادة واحتلت صدارة قائمة عدد المصابين، لكن لا يزال ترتيبها متأخرًا فى عدد الوفيات. أما اللافت فهو أن العديد من الدول الآسيوية، القريبة جغرافيًا من الصين، بلد منشأ الفيروس، نجحت إلى حد كبير فى كبح معدل الإصابة، أو تمكنت من تلجيم الفيروس، لأسباب عديدة أبرزها عامل الوقت.

بعض خبراء الغرب، أو مَن يوصفون بأنهم خبراء، لجأوا إلى التفسير السهل، وزعموا أن أنظمة تلك الدول السياسية مكنتها من اتخاذ إجراءات شديدة القسوة، لا يمكن تنفيذها فى الدول الديمقراطية الأخرى. ولو بذل هؤلاء قليلًا من الجهد، لعرفوا أن تايوان، مثلًا، استعدت منذ سنوات لمثل هذه الكارثة، أو هذا الوباء، بعد أزمة وباء سارس، وأنشأت مركزًا للتحكم فى الأوبئة، سنة ٢٠٠٣، يضم العديد من المراكز البحثية والهيئات الحكومية، ولم يتوقف هذا المركز منذ ذلك الوقت عن إجراء الأبحاث والدراسات وعمل التدريبات.

انطلاقًا من ذلك أو تأسيسًا عليه، بدأت تايوان، فى بداية يناير الماضى، فى فحص جميع الوافدين إليها. بالضبط، كما قامت هونج كونج، منذ ٣ يناير، بوضع محطات للكشف عن درجة الحرارة فى نقاط الدخول إلى أراضيها، ثم فرضت حجرًا صحيًا لمدة ١٤ يومًا على الوافدين إليها، وتم أيضًا توجيه الأطباء للإبلاغ عن أى مريض، يعانى من الحمى أو أى أعراض تنفسية حادة. ومع تايوان وهونج كونج نجحت دول عديدة، من بينها مصر، فى إدارة انتشار الفيروس، لأنها تصرفت بسرعة وطبقت سياسات مبتكرة.

لعب الفيروس مع الكبار، أو قادة وكبار مسئولى الدول التى يصفونها بالكبرى، يقودنا إلى أسطورة أو شائعة أنه لا يلعب مع الصغار، سنًا، والتى حذر منها الخبراء وأكدوا خطأ الاعتقاد بأن المرض يصيب المسنين فقط. ومع هذا التأكيد، الذى تكرر كثيرًا نظريًا، ظهرت تأكيدات عملية، أبرزها تحذير عائلة كلوى ميدلتون، التى توفيت بسبب «كوفيد-١٩» عن ٢١ سنة، من أن الشباب يصابون، أيضًا، بهذا الفيروس القاتل.