رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما نراه أقل كثيرًا مما لا نراه


أشياء كثيرة فى الحياة غير مرئية، قد نستطيع أن نرى النجوم والكواكب. لكننا لا نستطيع رؤية القوى التى تبقيها بعيدة عن بعضها، أو ما تقربها من بعضها.

حتى المجرات لا نرى منها سوى خمس من أصل ١٠٠ مليار مجرة، بالعين المجردة.

نرى فقط ظاهر أو غلاف الأشياء. لا نستطيع أن نرى ما بداخل الشىء. نستطيع أن نرى وجوه بعضنا البعض لكننا لا نستطيع قراءة أفكار بعضنا البعض، لكن بعض المتصوفين والروحانيين يستطيعون التخاطب عن طريق توارد الأفكار، لا نستطيع رؤية ما يحرك الناس، على الأقل بسهولة. وكلما نظرنا لأى شىء عن قرب اختفى أكثر، يقول العلماء إذا نظرت عن قرب أكثر للأشياء، إذا نظرت إلى جوهر الأشياء الأساسى، فلا شىء هناك. الإلكترونات تختفى فى غموض، وتبقى فقط الطاقة، ولا نستطيع رؤية الطاقة، كما لا نستطيع أن نرى الجاذبية الأرضية.

قوانين الفيزياء: غير مرئية، أبدية، منتشرة فى كل مكان، وكلها قوية.

النجوم تختفى بمرور الأيام. الكون يختفى. كلما زاد الضوء قلت قدرتك على الرؤية.

الوقت: لا أحد يستطيع أن يرى الوقت. علماء الفيزياء الحديثة يناقشون تقريرًا إذا كان الوقت لا وجود له فى الواقع. لأنه غير ملائم للأرقام. إنه من الأسهل بكثير إذا لم يكن هناك فعلًا. لا يمكننا رؤية المستقبل، ولا نستطيع رؤية الماضى، إلا فيما تحتفظ به ذاكرتنا، ونستطيع أن نستدعيه.

الخلايا تتجدد فى أجسادنا باستمرار. يمكننا أن نرى ذلك فى الجلد وما إلى ذلك. الجلد يتقشر، الشعر ينمو، الأظافر، وهذا النوع من الأشياء. ولكن كل خلية فى جسمنا يتم استبدالها فى مرحلة ما. خلايا التذوق، حوالى كل عشرة أيام. الكبد والأعضاء الداخلية تأخذ فترة أطول نوعًا ما. والعمود الفقرى يستغرق عدة سنوات. ولكن بمرور سبع سنوات، ولا خلية واحدة فى جسمنا ستبقى كما كانت قبل سبع سنوات. والسؤال هو إذن مَن نحن؟ ما نحن؟ ما هو الشىء الذى نتعلق به، الذى هو فى الواقع نحن؟.

الذرات، لا يمكنكم رؤيتها. لا أحد سيستطيع. إنها أصغر من طول موجة الضوء. الغاز، لا يمكننا رؤية ذلك.

الغازات لا نستطيع أن نراها، قبل عام ١٦٠٠ لم تكن البشرية تعرف شيئًا عن كلمة الغاز.

الضوء. لا يمكننا رؤية الضوء فى الظلام، فى الفراغ، إذا سلط أحد الأشخاص شعاعًا من الضوء مباشرة عبر عينيك، لن ترى ذلك. يمكنك أن ترى فقط ما يسقط عليه، عدم القدرة على رؤية الضوء، عدم القدرة على رؤية الظلام.

الكهرباء، لا يمكننا رؤيتها. لا أحد يعرف ماهيتها. لا أحد يرى الإلكترونات التى تتحرك فى سلك الكهرباء، هل تسير حقًا بسرعة الضوء عند تشغيل الضوء، أم أنها تتعثر فى مسارها؟!.

موجات الراديو. لا نراها، عندما اكتشف هاينريش هيرتز موجات الراديو عام ١٨٨٧، سماها موجات الراديو لأنها تشع. وقال أحدهم له: «حسنًا ما هى الفائدة من هذا هاينريش؟ ما الفائدة من موجات الراديو التى اكتشفتها؟»، وقال: «حسنًا، ليس لدى فكرة. ولكن أعتقد أن شخصًا ما سيجد استخدامًا لها يومًا ما».

ويبدو أن أهم شىء غير مرئى بالنسبة لنا هو ما لا نعرفه. ومن المدهش قلة ما نعرف. يقول توماس أديسون: «إننا لا نعرف واحدًا فى المائة من واحد فى المليون عن أى شىء».

يقول الفلاسفة: هناك سؤالان فقط حقًا يستحقان أن نسألهما: «لماذا نحن هنا؟» و«ما الذى يجب علينا القيام به بينما نحن موجودون؟».

هناك إجابات عديدة أختار منها مقولة لودفيج فيتجنشتين «أنا لا أعرف لماذا نحن هنا. ولكن أنا متأكد جدًا من أنه ليس من أجل المتعة».

ومقولة الشاعر «دبليو. إتش. أودن»: «نحن هنا على الأرض لمساعدة الآخرين. لمَ الآخرون هنا، ليس لدى فكرة».

الحقيقة أن كثرة الأشياء التى نراها من حولنا توجب علينا أن نتواضع قليلًا، وأن نكف قليلًا عن الغطرسة والصخب.

فأحد اللا مرئيات الصغيرة، مجرد فيروس يتأرجح بين الوجود والعدم، غيّر وجه الحياة على الأرض وجعلنا نغير أنماط سلوكنا، فهل نستطيع أن نغير أنماط تفكيرنا ونصبح أكثر تسامحًا وروحانية؟

أتمنى.