رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصطفى نصر: القصة القصيرة تكشف المدعين من أول سطر

مصطفى نصر
مصطفى نصر


ينتمي الكاتب الكبير "مصطفى نصر" إلى جيل إبراهيم عبد المجيد٬ فتحي إمبابي٬ سعيد الكفراوي٬ إدوار الخراط٬ إبراهيم أصلان٬ جمال الغيطاني٬ يوسف القعيد٬ ومجيد طوبيا. صدر لمصطفي نصر العديد من الروايات والمجموعات القصصية أهمها: الصعود فوق جدار أملس٬ الشركـــــاء٬ جبل ناعسة٬ الجهيني٬ الهماميل٬ شارع البير٬ النجعاوية٬ سوق عقداية٬ ليالى الإسكندرية٬ الاختيار٬ حفل زفاف في وهج الشمس٬ ليالي غربال وجــوه٬ ظمأ الليالي٬ المساليب. ترجمت روايته الهماميل إلى اللغتين الروسية والفرنسية. وترجمت رواية جبل ناعسة للإنجليزية. "الدستور" التقت "نصر" وكان هذا الحوار حول فن القصة القصيرة وقضاياها.



ــ من كتاب القصة القصيرة الذين قرأت لهم قبل أن تكتب هذا الفن الأدبي؟

أعطيت أهمية أكثر للرواية قراءة وكتابة، قرأت وأنا في الأبتدائي للمنفلوطي والحكيم وباكثير وطه حسين، واكتشفت إحسان عبد القدوس بالصدفة عندما قرأت مجلة صباح الخير، كنت ابدأ بقراءة حكاياته في الصفحة الأولى من المجلة وكنت أقول عايز أطلع كاتب مثل إحسان عبد القدوس لما أكبر

ــ ما الذي لفتك إلى الإهتمام بالقصة القصيرة؟ وكيف بدأت تجاربك الأولي في كتابتها؟

بدأت بكتابة الرواية، وقراءاتي في الرواية كانت أكثر، قرأت قصصا لمحمود تيمور ومحمود كامل ومحمد التابعي، وارتبطت بالحركة الأدبية في الأسكندرية، عاصرت صعود محمد حافظ رجب وأزمته مع كتاب القاهرة الكبار، كان بالنسبة إلينا نجما لامعا هو ومحمد إبراهيم مبروك، ارتبط جيلي بهما، وأعجبت بقصص محمد حافظ رجب خاصة التي تتحدث عن حي غربال الذي أعيش فيه، وهي في رايي أنضج وأقوى قصصه، وجدت صعوبة لكي أكتب قصصا تحاكي قصص محمد حافظ رجب.

ــ هل قرأت شيئا عن أصول هذا الفن القصصي أو طرائق كتابته؟

طبعا قرأت كثيرا وأفخر بأن أصل القصة القصيرة بالذات هو كتاب ألف ليلة وليلة، فالشكل الغربي المفروض علينا تشكل من تأثر الكاتب الأيطالي بوكاتشيو بقصص ألف ليلة وليلة وكتبها في أول كتبه، ولو أني أبارك وأحمد التجارب التي تحاول الهروب والأفلات من هذا الشكل الذي فرضناه على أنفسنا. أتمنى أن أجد من يفلت من الشكل الغربي الذي فرض علينا، ويشكل فنا عربيا خاصا بنا.
ــ ما الذي يجعلك تختار إطار القصة القصيرة للكتابة دون غيره من أطر التعبير الأدبي؟ هل يتعلق الأمر بحالتك النفسية أم بطبيعة الموضوع الذي تعالجه؟ أم أن إمكانية النشر هي التي توجهك إلى هذا الاختيار؟

القصة القصيرة تنمو أفقيا بينما تنمو الرواية رأسيا، فمن الممكن أن نحكي حياة طويلة وممتدة في قصة قصيرة بشرط ألا نخرج عن إطار التمدد الأفقي للحياة. لكن الرد على هذا السؤال يحتاج لمقالة كبيرة، فعندما اختلف نجيب محفوظ مع يوسف أدريس - الذي لم يحتمل حصول محفوظ على نوبل- أضطر محفوظ أن يقول رأيه الصائب والعميق في أدريس، قال إن مزاجه الشخصي والنفسي يتناسب أكثر مع القصة القصيرة التي تخرج كطلقة رصاص، لكن الروائي الجيد يحتاج لنفسية متريثة وهادئة وطولة بال وهذا تجده في نجيب محفوظ وجمال الغيطاني وكل الروائيين الكبار. أما عن إمكانية النشر فهي لها دخل في رواج أو بوار القصة القصيرة، فقبل أن تبدأ مجلة إبداع، كان الكثير يزعم بأنني كاتب روائي ولست كاتبا للقصة القصيرة، لكن تشجيع الدكتور القط والأستاذين سامي خشبة وسليمان فياض، أعظوني دفعة عالية فكتبت قصصا كثيرة نشرت بالمجلة.

ــ ما الذي تهدف القصة القصيرة عندك إلي توصيله للقارئ؟ وهل تتمثل قارئك وأنت تكتب؟ ومن قارئك؟

القصة القصيرة فن غاية في الجمال، يمكن أن نمزج فيه الشعر وفن السينما والفن التشكيلي والموسيقى أيضا، وقد كتبت مقالة أحجمت عن نشرها عن القصة القصيرة بين صديقين، أحدهما يعطي للقصة القصيرة كل اهتمام، فهي مناسبة لتكوينه النفسي والعصبي، والآخر عمره ما كتب قصة قصيرة في حياته، فهاجمها بعنف، وزعم بأنها انتهت في العالم الغربي الذي يعطيه كل أهتمام وتقدير، فقلت له ما تنتهي في العالم، هي حرة، لكننا في مصر مازلنا نحتاج إليها ونفضلها.

ــ ما مدي الزمن الذي تستغرقه كتابتك لإحدي القصص القصيرة؟ وهل تواجه أحيانا بعض الصعوبات في أثناء الكتابة؟ مثل ماذا ؟

ليس هناك قانون ولا زمن للكتابة، فالقصص التي أفشل في كتابتها، أركنها لبعض الوقت، ثم أعود إليها بعد أن تتضج الفكرة، وفي كل مرة أخرج بقصة أفضل من كل قصصي السابقة، وأحيانا أكتب القصة في جلسة واحدة، تتدافع كلماتها حتى قبل أن أجلس وابدأ في الكتابة. كتبت قصة حدثت بالفعل في حارتنا، فتاتان في فترة الصبا تجيدان الغناء، تستعين الأسر بهما قبل الأفراح لتغنيان كل مساء في دخلة البيت، كانتا تجريان أمامي نحو دكان البقال، أو نحو السوق القريب، لكن واحدة منهما مرضت وماتت فغيرت كل شيء في الحارة، لم يعد والدها يرمي طاقيته على العالمة وهي ترقص، ويصعد للمسرح ويرقص معها، ولم تعد جدتها تهتم بأنوثتها لتخفي كبر سنها أمام زوجها الذي يصغرها، وكفت صديقتها عن الغناء، التزمت البيت حتى جاءها عريس وتزوجها، بكيت وأنا أكتب هذه القصة، وأبكي كلما قرأتها.
ــ هل استطعت من خلال ممارستك لكتابة القصة القصيرة أن تستخلص لنفسك بعض العناصر الحرفية التي تسعفك عند الكتابة،مثل مثاذا ؟

اتصل بي المخرج السينمائي أحمد رشوان، ليستأذني في تحويل قصتي "بجوار الرجل المريض" لفيلم سينمائي قصير، سألته: قريتها فين؟ قال بمجلة إبداع، قلت له سأرسل إليك المجموعة القصصية المنشورة بها وستجد أن كل قصصها تصلح أفلاما روائية قصيرة، سألته: ما الذي شدك لهذه القصة؟ قال استخدامك للفلاش باك. فعلا في مجموعتي القصصية حفل زفاف في وهج الشمس – المنشور بها القصة-، اعتمدت على الأستفادة من التكنيك السينمائي، أخرج من الحدث الرئيسي لآحداث أخرى عن طريق الفن السينمائي الذي أعشقه. ولا يحس القاري بغربة، ووصل بي الأمر أن استخدمت زمنين معا فترة الحرب العالمية الأولى، وفترة الأنفتاح أيام السادات، بتمهيد بسيط جمعت في فصول تالية الزمنين معا، دون أن يحس القارئ يالغربة.

ــ هل تهتم في كل قصة قصيرة تكتبها بأن يكون لها مغزي بالنسبة إلي الأوضاع الاجتماعية المعاصرة؟

كتبت فترة من عمري مع إذاعة الأسكندرية. أكثر ما كان يزعجني وقتها سؤال عند التقدم للجنة الدراما – الهدف من التمثيلية؟

هناك شروط في الفن أصبحت بالية: المغزى والهدف، في روايتي يهود الأسكندرية سؤال يتكرر لماذا معظم سيدات الرواية منحرفات؟ حاجة غريبة، الصحف والمجلات تنشر في كل يوم أخبار الحوادث: اللصوص وتجار المخدرات، والرجل الذي دخل شقته فضبط زوجته مع عشيقها، هذه الحوادث هي الأقل، لكن لآثارتها هي الأكثر شهرة، لم نقرأ في الصحافة اليومية أو المجلات الأسبوعية، حكايات عن سيدات فاضلات – وفي الحي الشعبي الذي عشت فيه كان يأتي عند المغرب يوميا رجل يلبس طربوش، ويمسك ورقتين متقابلتين فيها أربع صفحات، وينادي الحادثة يا جدع، ويبيع كل ورقة بمليمين. وتطور الأمر وأصدرت دار أخبار اليوم جريدة مستقلة للحوادث.

ــ كيف يكون مدخلك إلي القصة القصيرة؟ وهل يتجه اهتمامك إلي الحدث أم إلي الشخصية؟

كل قصة لها عالمها الخاص، هناك قصص كل التركيز فيها للشخصية، وأسعى لنشر مجموعة كاملة عن هذه الشخصيات النادرة الوجود، مثل شخص كان يحرص على مجالسة نجيب محفوظ عندما يأتي للأسكندرية في الصيف، وكانت ملابسه رثة ومتسخة، ويتحدث في كبرياء وثقة وعظمة، فاهتم به نجيب محفوظ واطلق عليه اسم المسكين الغامض. أو شخص آخر كان يعمل في شركة الأهلية للغزل، وقت أن تقدم رئيس وزراء مصر للأنتخابات عن حي كرموز، فاقترب منه هذا العامل وكان يصفق ويصيح حلو يا وحش، مما أزعج رئيس الوزراء، فقبضت الشرطة عليه واحتجزته في قسم شرطة كرموز. كل المجموعة القصصية عن شخصيات مثيرة في تصرفتها.
ــ هل تعين الزمان والمكان للحدث (أو الأحداث) التي تتضمنها القصة القصيرة أم تتركها بلا تعيين؟

أحيانا يكون تحديد الزمن ضروريا ليقرب الصورة للقارئ، فمثلا أحكي عن انتظاري لمرور جمال عبد الناصر في احتفالات الأسكندرية بذكرى رحيل الملك فاروق عن مصر في 26 يوليو.

ــ هل تري فيما أنجزت حتي الآن من قصص قصيرة أنه يمثل مراحل تطور متعاقبة؟ فإن كان فكيف تري نتيجة هذا التطور؟

أنا سعيد لرحلة القصة القصيرة في حياتي الأدبية، وأذكر تطورها باهتمام شديد، زميل لي كان قادرا على سبك القصة بلغة شاعرية ومزجها بضبابية فنية عالية حتى جعلنا نلهث خلفه في الأسكندرية ومعظم الكتاب الجدد يتمنون أن يبقوا مثله، وقتها ناس مغرضة هاجموني، وزعموا أني ليست لي في القصة القصيرة، لكن اهتمام مجلة إبداع بقصصي وعشقي لفن السينما غيرني، ففوجئوا في الأسكندرية بنشر قصة لي اسمها البيت المهجور، اعتبرها بداية تطور استخدام فن السينما في كتابة القصة القصيرة عندي، أذكر هذه القصة باهتمام شديد، فقد كانت صدمة لزملائي كتاب القصة في الأسكندرية فهاجموها في عنف ثم توالت قصصي: الكابوس التي حولتها الممثلة دنيا لفيلم روائي قصير وحفل زفاف في وهج الشمس، وقصة بجوار الرجل المريض التي حولها أحمد رشوان لفيلم روائي قصير بعنوان الصباح التالي تمثيل كارولين خليل وهند عاكف وأكرم مصطفى.

ــ إذا كنت قد انصرفت عن كتابة القصة القصيرة إلي غيرها من الأجناس الأدبية فمتي حدث هذا؟ ولماذا؟

القصة القصييرة تمتاز بتخصصها يعني من السهل أن تكشف عن المدعين، يمكن لغير الموهوبين أن يصدروا روايات ويتوهوا وسط طوفان الروايات، لكن القصة القصيرة تكشف المدعين من أول سطر فيها، وأنا أحاول في الفترة الأخيرة أن أمزج بن فن القصة القصيرة والمقالة، أحاول أن أقدم مزيجا بين الاثنين، وعلى فكرة أنا أكتب مقالاتي بتكنيك القصة القصيرة. وأنا لم اخترع هذه الطريقة فقد فعلها طه حسين زمان.

ــ كيف ترة مستقبل هذا النوع الأدبي؟  

إنني اختلف مع صديقي محمود قاسم – أكثر كاره للقصة القصيرة – فقد حزن وغضب لأن المجلس الأعلى أقام مؤتمرا للقصة القصيرة، وقال كان يجب أن تؤبنوها لا تكرموها، وأنا مندهش من منطقه، ولا أعتقد أنه صادق في قوله بأن القصة ماتت في دول الغرب الراقي، ولنفترض أنها ماتت عندهم، فمازلنا في حاجة إليها، هناك كتاب نبغوا في كتابتها مثل محمد حافظ رجب وسعيد الكفراوي ويحيي الطاهر عبد الله ومحمد المخزنجي في مصر وزكريا تامر في سوريا. ولا يصح أن ننهي الحديث عن القصة القصيرة دون أن نذكر دور يوسف أدريس الذي غير مسار القصة القصيرة في العالم وليس في مصر وحدها، فهو بعد إصداره لمجموعته القصصية أرخص ليالي، أزاح كل كتاب القصة القصيرة السابقين له، ونشأ عالم جديد من كتاب القصة، عالم من نوع قصص يوسف أدريس. نفس الدور الذي فعله عبد الحليم حافظ عندما غنى صافيني مرة، وعلى قد الشوق إللي في عيوني يا جميل سلم، فألغى كل المطربين قبله: إبراهيم حمودة وعبد الغني السيد وعبد العزيز محمود وكارم محمود، ونشأ عالم جديد محرم فؤاد وعبد اللطيف التلباني ومحمد رشدي وماهر العطار وكمال حسني، عالم من نوع غناء عبد الحليم حافظ.