رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

احموا أنفسكم.. جولة بشوارع القاهرة: كيف تعامل المصريون مع الحظر؟

شوارع القاهرة
شوارع القاهرة

حين أشارت عقارب الساعة إلى تمام السابعة مساءً، اختفت المشاهد المعتادة، لا زحام مروريًا ولا نزهة نيلية أو جولة ليلية بشوارع القاهرة، كورنيش النيل لا يجد من الأحبة من يشترى الورود إلا بعض القطط والكلاب الراغبة فى الاستمتاع بالمشهد وهو خالٍ تمامًا من البشر. «الدستور» تجولت فى عدد من الميادين الرئيسية بالقاهرة للوقوف على الأوضاع مع بدء تنفيذ قرار حظر التجوال الجزئى من الساعة السابعة مساءً وحتى السادسة من صباح اليوم التالى، لمدة أسبوعين، ضمن الإجراءات الاحترازية للسيطرة على فيروس كورونا المستجد. وأظهرت جولة «الدستور» وجهين مختلفين لقرار الحظر، الأول هو التزام المواطنين وخلو الشوارع منهم تمامًا خلال ساعات الحظر، لكن على النقيض سادت حالة من الازدحام الشديد والتدافع والتلامس فى عربات المترو والمواصلات الأخرى خلال ساعات ما قبل بدء الحظر، خاصة مع تكدس المواطنين العاملين فى القطاع الخاص خلال رحلة العودة من عملهم إلى منازلهم، وكذلك سلوكيات خاطئة من قبل البعض تمثلت فى الشراهة فى شراء المواد الغذائية.


مئات المواطنين على أرصفة المترو: «عايزين نوصل قبل الغرامة»

شهدت الرحلات الأخيرة لخطوط مترو الأنفاق الثلاثة تكدسًا غير عادى من المواطنين على أرصفة المحطات، خاصة الكبرى منها، وذلك خلال الساعة الأخيرة قبل موعد الحظر، حتى لا يقعوا فى دائرة اتهام خرق حظر التجوال، ولم يكن الوضع أفضل مما هو عليه داخل العربات نفسها، حيث وقعت مشادات بين الركاب بسبب التكدس الكبير.
وامتلأت كل العربات ولا يوجد متنفس لراكب واحد، إلا أن البعض يصمم على دخول العربة حتى وإن لم يجد بها مكانًا لقدم واحدة أخرى، فالجميع يفكر فى شىء واحد، وهو ضرورة الوصول إلى المنزل قبل بدء ساعات الحظر، أما التفكير فى الإصابة بفيروس كورونا هو آخر هم هؤلاء، حسب وصف عدد من ركاب المترو.
ومن بين شهود هذا اليوم حاتم مصطفى، الموظف بإحدى شركات الهندسة، الذى يصف الوضع فى أول أيام فرض حظر التجوال قائلًا: «أنهيت عملى كالمعتاد فى تمام الساعة الخامسة مساءً، وذهبت لمحطة المترو للعودة إلى منزلى، ولكنى فوجئت بازدحام شديد على رصيف المحطة، ومنذ بداية أزمة فيروس كورونا وحتى الآن هذا اليوم هو أكثر يوم رأيت فيه زحامًا فى تاريخ الأزمة».
لا يمكن للموظف الشاب أن يعتمد على طريقة العمل من المنزل التى اتبعتها بعض الشركات الخاصة، نظرًا لأن مجال عمله فى الشركة الهندسية لا يسمح له بذلك، فلا بد من النزول إلى العمل يوميًا، ومترو الأنفاق هو وسيلته الوحيدة للوصول إلى العمل، ومنه أيضًا إلى المنزل، حيث يستقل المترو يوميًا من محطة السادات إلى حدائق حلوان.
«المفروض الحظر اتعمل علشان يقلل فرص الإصابة بفيروس كورونا، عن طريق تقليل التجمعات قدر الإمكان، لكن اللى حصل فى أول يوم يدل على أن العكس هو اللى حصل، وتجمعات المترو هتزود انتشار المرض».. كان هذا رأى «مصطفى» بعد ساعات قليلة من يوم الحظر الأول، فهو يطالب المسئولين باتخاذ المزيد من القرارات لمنع تجمعات مترو الأنفاق.
أما رامى الشاعر، الذى شاهد الوضع من محطة مترو الخلفاوى بالخط الثانى، فيلتمس عذرًا لهذا التكدس الذى يبرره بأن الجميع يريد أن يذهب سالمًا إلى بيته، ولا توجد ضمانات أن المترو المقبل سيكون به الوضع أهدأ من الحالى، أو أنه سيأتى مترو جديد قبل الساعة السابعة مساءً، ولهذا فالجميع يتكدس داخل العربات.
وينقل «رامى» الوضع داخل العربات: «بعض الناس فى المترو، وفى ظل الزحام الشديد، حرص على ارتداء كمامة، أو على الأقل وضع منديل ورقى على الفم والأنف، لكن فى نفس الوقت كانت هناك فئة من الركاب غير مهتمة بأى شىء، ولا تبالى بوجود فيروس من الأساس».
ويقول: «إذا كان أحد الركاب مريضًا سينتقل المرض لنا جميعًا لا محالة، فنسبة الهواء تكاد تكون معدومة بسبب التكدس، وفرصة انتقال العدوى كبيرة جدًا إذا استمر الحال كما هو عليه طيلة فترة الحظر، ومن المستحيل أن يتم تعقيم المترو بالكامل بعد كل رحلة».


هنا الميكروباص.. «خش رابع جنب أخوك» ولا عزاء لـ«كورونا».. والجميع يستجيب لابتزاز السائقين

لم يختلف الوضع فى مواقف الميكروباص عنه فى محطات المترو، حيث تحولت «ساعة الذروة» من الثانية ظهرًا لتصبح السادسة مساءً، فبعض السائقين هرب من المرض ونجا بسيارته من هذه المعركة، فتقلص عدد سيارات الميكروباص مقارنة بأعداد المواطنين الراغبين فى الذهاب إلى منازلهم بعد يوم عمل طويل.
وفى ظل اختفاء سيارات الميكروباص وتكدس المواطنين داخل مواقف الأجرة أصبح المشهد جنونيًا، فالجميع مضطر للجرى والهرولة للحصول على مقعد فارغ للاستقرار عليه.
على إبراهيم، أحد سكان منطقة العرب بالمعادى، أنهى عمله قبل موعد الحظر بساعة ونصف الساعة إلا أنه فوجئ بزحام شديد فى موقف الميكروباص، والأخطر من ذلك هو إصرار السائقين على تكديس الركاب، فلن تواتيهم فرصة أفضل من ذلك لرفع الأجرة وتحقيق المكاسب من زيادة عدد الركاب.
وفى الموقف وقف السائق ينادى: «اقعدوا أربعات يا جماعة، نشيل بعض علشان كله يروح بيته»، ولم يجد «إبراهيم» مفرًا من التسابق على مقعد يفى بغرض وصوله إلى المنزل، أما الوقاية من الفيروس القاتل فلم يفكر فيها فى تلك اللحظات.
وعلى كورنيش النيل، تكرر المشهد مع محمد أبوالنجا، الرجل الثلاثينى الذى ذهب فى رحلة للبحث عن سيارات حلوان ليجدها قد اختفت من الكورنيش، حتى وإن جاءت سيارة من بعيد فيصبح الأمر أشبه بالسباق.
يتسابق الجميع حتى يصلوا إلى السيارة، فيفاجئهم السائق بأنه لن يفتح أبوابه إلا إذا وافقوا على زيادة الأجرة عن السعر المتعارف عليه، وينكس الجميع رأسه فلا بديل عن الموافقة، فساعة الحظر قد اقتربت، ولا توجد طاقة لدى الجميع لخوض هذا النقاش أو الوقوع تحت طائلة القانون.
حاول «أبوالنجا» أن يقنع الركاب بإمكانية الاصطفاف فى طابور، وبهذا يتفادى الجميع الإصابة بالفيروس الخطير، لكن لا حياة لمن تنادى: «معندناش ثقافة الطابور، كله عايز يروح، ومش مهم الإصابة بالمرض، علشان كده مواقف الميكروباص هتكون سبب فى زيادة المرض، رغم كل القرارات المهمة من جانب الحكومة».


إقبال على شراء المواد الغذائية خوفًا من ارتفاع الأسعار: شائعات جروبات «واتس آب» السبب الرئيسى

شعر بعض المواطنين بالقلق حيال عدم توافر المنتجات الغذائية خلال المدة المقررة لحظر التجوال، وهذا ما تسبب فى ازدحام المحلات الخاصة ببيع الخضروات والفاكهة والسوبر ماركت قبل ساعات من بدء تنفيذ قرار الحظر، خوفًا من ارتفاع ثمن هذه المنتجات بعد أيام قليلة، فضلًا عن قرار بعض هذه المحال الإغلاق الكلى طيلة فترة الحظر، خوفًا من نقل عدوى «كورونا»، مما أدى إلى الضغط على باقى المتاجر.
ويكشف صفوت عبدالعظيم، أحد المواطنين الذين حرصوا على شراء ما يكفيهم من مواد غذائية لهذا اليوم ولـ١٤ يومًا مقبلة، عن أن أخبارًا انتشرت على عدد من مجموعات التواصل على تطبيق «واتس آب» تؤكد احتمالية ارتفاع سعر جميع المنتجات خلال فترة الحظر، واختفاء بعض المنتجات نتيجة الضغط الشديد من المواطنين عليها، ولهذا حرص على شراء كل ما يلزم أسرته قبل الحظر بساعات.
ويقول: «اشتريت كمية كبيرة من الخضار والفاكهة تكفينا لمدة ١٠ أيام تقريبًا، لأنى سمعت إن هيكون فيه مشكلة فى عمليات توريد الخضار والفاكهة للأسواق بسبب ساعات الحظر، وكمان اشتريت كمية كبيرة من المنتجات الغذائية مثل الألبان، الجبن، السكر، والدقيق».. وشارك الكثير من المواطنين فى هذه السلوكيات، نظرًا لخوفهم من ارتفاع الأسعار أيضًا.
ويعتمد «عبدالعظيم» على هذه الكميات الوفيرة من الغذاء لتكفى أسرته للفترة المقررة لفرض حظر التجوال، مؤكدًا أنه لن يغادر بيته ولن يسمح لأى من أفراد أسرته بالنزول إلى الشارع إلا فى حالة إعلان رئاسة الوزراء انتهاء الأزمة ورفع حظر التجوال، وحينها فقط سيسمح لأسرته بالعودة لممارسة الحياة الطبيعية.
ويحذر محمد متولى، أحد البائعين فى سوبر ماركت بمنطقة «المعادى»، من احتمالية رفع الأسعار إذا استغل تجار الجملة الأزمة، وبدأوا فى رفع أسعار المنتجات، وحينها سيضطر أصحاب المتاجر الصغيرة إلى رفع السعر على المواطنين تجنبًا للخسارة.
وطالب «متولى» وزارة التموين بالقيام بحملات بشكل دورى على منافذ البيع بالجملة للتأكد من ضبط الأسعار، وعدم تخزين المواد الغذائية واتباع سياسة ما يسمى «تعطيش السوق» لتحقيق أرباح غير مشروعة.
وحول حركة البيع قبل ساعات من تنفيذ قرار الحظر تحدث «متولى» عن الضغط الشديد على ماكينات فورى قائلًا: «الناس عملت أزمة فى أول يوم الحظر بسبب إصرارهم على سحب كمية كبيرة من الرصيد الموجود فى ماكينات فورى، لأنهم خائفون من عدم وجود رصيد كافٍ للفترة المقبلة، سواء للهواتف المحمولة أو لكروت الكهرباء، واستمر المواطنون فى سحب الرصيد حتى استهلكوا جميع الأرصدة، وأصبحت كل الماكينات فى المنطقة فارغة تمامًا».
ويضيف البائع أن بعض أصحاب المحال التجارية المختصة ببيع المنتجات الغذائية قرروا إغلاق المحلات بشكل كامل لمدة أسبوعين، ومنهم من سافر إلى محافظته لقضاء هذا الوقت مع عائلته، وبعضهم اعتبر أن العمل لمدة ١٢ ساعة فقط فى اليوم لن يكون مربحًا بالدرجة الكافية ولن يغطى مصروفات العمالة والإنفاق على المتجر الصغير، ولهذا كان قرارهم بالإغلاق الكلى، هذا القرار الذى أسهم فى زيادة الضغط على المتاجر الأخرى فى نفس المنطقة، واختفاء بعض السلع منها.