رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد انتشار كورونا.. كيف شكلت فرنسا عقلية الكاتب محمد مندور؟

الكاتب محمد مندور
الكاتب محمد مندور

شكلت فرنسا التي تعاني في الوقت الحالي من انتشار فيروس كورونا بها، مثلها مثل باقي دول العالم، عقلية وإنسانية كثير من الأدباء المصريين والعرب، وأبرزهم الناقد الكبير الراحل محمد مندور.

وكشف الراحل محمد مندور في حوار سابق له، أجريه معه الكاتب فؤاد دوارة عام 1964، ونشر في كتاب عشرة أدباء يتحدثون الصادر عن الهيئة العامة للكتاب عام 2012، كيف كونته باريس في خلال 9 سنوات عقليا وعاطفيًا وإنسانيًا، لافتًا إلى أن باريس مدينة بالغة الخطورة، فيها الجد والصرامة، وفيها المغريات المهلكة، موضحًا أنه أخذ من المغريات بطرف.

وأكد مندور أن المغريات في باريس أفادته كثيرًا من الناحية العاطفية والثقافية، لأنها مكنته من من الاختلاط بدهماء الفن والأدب في مونبر ناس والحي اللاتيني، وفي علب الليل حيث الأحاديث التلقائية والاعترافات الصادقة في ساعات الحظ، ولمس نفوس البشر عن قرب عارية صريحة غير مقنعة ولا متوارية.

وأشار إلى أنه جاب باريس كلها متنقلا بين أحيائها الشعبية والارستقراطية، متابعًا: كنا في باريس نحيا حياة " جافروش" الطفل الخالد في رواية هوجو الكبيرة "البؤساء"، وعندما تنفذ نقودنا في أواخر الشهر لا نهتم بذلك كثيرًا، فكنت أعرف في أزقة الحي اللاتيني مطاعم صغيرة تشبه المسامط في القاهرة، وكان لي صديق ألماني، كنا نلتقي في تلك الأيام العجاف أمام قهوة " كابولاد"، في مواجهة حديقة لو كسمبرج، ونذهب معا إلى المسمط حيث يشتري كل منا ببضعة فرنكات قطعة كبيرة من اللحم المسلوق، ثم نشتري الخبز من المخبز ونذهب إلى الحديقة ونجلس على أحد مقاعدها ونلتهم طعامًا بلذة لا تعادلها لذة مليونير على مائدة فاخرة.

وأكمل: كنت في باريس أحاول ألا ألتقي بإخواني المصريين إلا في حالات الضرورة، وأختلط طوال الوقت بالفرنسيين وغيرهم من الأجانب المقيمين في باريس تجنبًا لمواطلة الحديث باللغة العربية، حتى لاحظت بعد السنة الأولى من إقامتي في باريس أني لم أعد أفكر باللغة العربية، بل انتقلت إلى التفكير باللغة الفرنسية ويخيل إلى أن تغيير لغة التفكير إلى لغة أكثر تحديدا ودقة وأقل ميوعة قد غير منهج تفكيري كله.

وأكد على أن تغيير لغة التفكير لا لغة الكلام فحسب هي التي كونت النقلة الكبيرة في منهج تفكيره العام، بل وإحساسه أيضًا، موضحًا أن اللغة هي ضابط الإحساس كما هي ضابط الفكر، والإنسان لا يعي إحساسه ولا يتبينه إلا إذا استطاع أن يسكنه اللفظ المحدد الدال.

وأنهى حديثه: لا شك فيه أن جو الحرية الفكرية الواسعة المنتشر في سماء باريس وأرضها كان له أثر فعال في تفتيح نوافذ النفس على كافة الآفاق، فضلا عن أنني لم اقتصر على القراءة بل أحسست أن في المشاهدة منبعًا لمعرفة لا يقل أهمية عن القراءة إن لم يفقها أحيانًا، ولذلك لم أكن أمكث في باريس بعد إنتهاء العام الدراسي، بل كنت أغادرها للتنقل إما في أرجاء فرنسا، أو الدول الاوروبية الأخرى، وكان للمشاهدة وقع السحر في نفسي.