رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النائبة داليا يوسف تكتب: عفوًا.. العالم مغلق للتحسينات!

النائبة داليا يوسف
النائبة داليا يوسف

في خضم الحياة اليومية وأعبائها والأحداث وسرعتها والصرعات المستجدة يومياً وكثرتها، واختلاق أعداء من انفسنا يتجدد بهم العدوان يوماً بعد الآخر، تعايش معظمنا مع الوضع ووجدنا أنفسنا في سياق تقبل بل واقتناع بأن هذا الإطار الذي يسبح فيه العالم هو الطبيعى، و مع الوقت و داخل هذا الإطار السريع المتغير الشرس أصبحنا، أي شعوب العالم، ننغلق على انفسنا كلً في عالمه و نحرص على لقمة العيش اليومية و حماية ذوينا وتوجهنا بالدعوات للخالق داعين أن يسلمنا و من معنا من كل شر نراه يزداد حولنا، في حين لم تسلم أي بقعة في الارض من الحروب و الدماء و الإرهاب و الانفجارات والقتل والعنصرية و اغتصاب الغير وحقه ، و الكل أصبح عدو للكل ، و الإنسان فقد قيمته بالكامل.

فلقد شهد العالم خلال العقود الثلاثة الماضية العديد من الحروب ما بين حروب أهلية او حروب على الإرهاب وحروب نظامية ذات اطماع استعمارية لتصل هذه الحروب إلى ما يقرب إلى ٤٠ حرب، وكانت لمنطقة الشرق الاوسط وافريقيا نصيب الاسد فيها ، حيث قدرت الصراعات في افريقيا خلال هذه الفترة بـ٢٤ صراع منها الحرب الليبية التي بدأت منذ سقوط القذافي فضلا عن الصراعات السودانية والتى استمرت حتى الان ، وقد شهدت المنطقة العربية وتحديدا منطقة الخليج ثلاث حروب متتالية وهي حرب الخليج الاولي والثانية اضافة إلى الغزو الامريكي للعراق ناهيك عن الحرب في اليمن والصومال وسوريا و لبنان، كما وشهد العالم ظاهرة جديدة اسمها الإرهاب واختلاق مجموعات متوحشة تتعدى على البشر و تتعمد محو كل معاني الانسانية امثال القاعدة و داعش و بكو حرام و الناجون من النار والألوية الحمراء و غيرهم كثير، كل ذلك بالإضافة الى الصراع على قيادة العالم والحروب التجارية والصراعات على الموارد الطبيعة.

أصبح الشر هو الطبيعي و ليس الخير، و عكس الفن كل هذا وتناسينا كل القيم والمبادئ الجميلة التي تربط مجتمعاتنا وأصبحت تعاليم الدين سحابة في الخلف وتعدينا هذه المرحلة وبات الافتراء على الاديان نفسه و كلمات العلى القدير و تعاليم الرسل عن مبادئ الحياة مستباحة لتستغل هذه المبادئ السامية وتتحول بفعل هؤلاء الأوغاد كاداة لنشر الشر و الخوف و الإرهاب، وكذلك لم تسلم البيئة من التعدي عليها واغتصبنا جميعاً بيئتنا وأسأنا معاملتها حتى غضبت منا وعلينا وتركتنا نتخبط جميعاً لنجد مخرج في ظل قلة الموارد و تغيير المناخ.

وإذ فجاءة يظهر علينا جميعاً دون موعد ذلك العدو الخفي لينشر عدائه للعالم كافة في وقت قصير، و بعد ان كنا نعادي بعض ونهاجم بعض و نغتصب حقوق بعض ، جاء هذا العدو الشرس دون رحمة ليوحد الإنسانية بأكملها أمام عدوً واحد، فبالرغم من خطورته و ما حصده من ارواح يومياً - قد تتخطي حصاد الحروب الدامية التي قادها بنى البشر - ، إلا أنني أرى أنه جاء رحمة للبشرية حتى نتوحد و نقف امام انفسنا فى مواجهته بدل من الوقوف امام بعضنا البعض، حيث أصبح وباء كوڤيد ١٩ ناقوس خطر لما نفعله ضد أنفسنا دون مبرر.

أصبحت كورونا سبباً لوحدتنا الدولية و أصبحت الدول المعادية لبعضها تسرع لانقاذ و لمساندة بعضها دون النظر للخلف و لأسباب الخلاف ، و بدأت دول كانت يوماً تفرض العزلة و العقوبات علي دولاً أخرى تلمس بنفسها آثار العزلة و الحصار، نحن نسترجع قيمنا الإنسانية و مثاليتنا الاجتماعية وأصبح الجميع يراعي من حوله من قريب أو غريب من صغير أو كبير ونرى الجميع يختطف السماحة من جديد، وأجبرنا العدو الخفي كورونا بزيارته المفاجئة على استرجاع معنى الاسرة و قضاء وقت أكثر مع اولادنا و التعرف عن قرب مرة أخرى علي بعض بعيداً عن مشاغل الحياة اليومية.

المجتمع الدولي أصبح يعي معنى العطاء والمشاركة والرعاية. الڤيروس العالمي غير المألوف الذي فرض علينا الحبس غير الاختياري داخل منازلنا - ربما لمدة أشهر - سرعان ما يعيد توجيه علاقتنا بحكومتنا و بالعالم الخارجي و حتى علاقتنا الشخصية ببعض.

فى أوقات الأزمات أيضاً تُعرض الفرص فمع المحنة تاتى المنحة :
• وقت للإبداع و لتقدير خلق الله
• وقت أقل في الاستقطاب إلى كل ما هو مدمر حولنا و لقد أصبح شبح وباء الإنفلونزا الاسباني منذ اكثر من قرن في ١٩١٨ يعيش معنا.
• و قد نأخذ على نحو الجدية الصفحة الأولى في كتاب سنة أولى ابتدائي درس النظافة الشخصية التي تعلمنا فيها اهمية غسيل الايدي بصفة مستمرة و يصبح الان الوسواس القهري و المطهرات جزء لا يتجزء من تقوسنا اليومية ! أصبحت البديهيات وما تعلمناه منذ الصغر ايام نعومة الاظافر وبالرغم من بساطته هو السبيل للنجاة.

هذه الحرب ليست حرب جيوش بل هي حرب أطباء و علماء وتخصصات أخرى ، لم تكن تحصل منا على التقدير الكافى في حياتنا اليومية ، قد يؤدي هذا الوباء لزيادة تقديرنا لجيش الأطباء و الممرضين ومتخصصين النظافة و العلماء الصيادلة و أصحاب محلات الأطعمة و البقالة والمتخصصين في التوصيل للمنازل، جميعهم وضعوا انفسهم على خط المواجهة.

قد تسببت هذه الأزمة العالمية في المفهوم الحقيقي للانتماء و الوطنية على أنها زراعة و رعاية الصحة والحياة و الحب لمجتمعاتنا بدلاً من تفجير و تخريب مجتمعات الآخرين ، و قد تساعدنا ايضاً كمجتمع دولي على تعظيم التضامن و التماسك الوطني كلاً في بلده.
حان الوقت لتلتقط البيئة أنفاسها من أضرار البشرية لها و حان الوقت ليهدأ العالم.. مياة انظف ، هواء أنظف و سقوط دراماتيكي في التلوث مع وضع ملايين البشر في حجر إجباري وغلق خطوط إنتاج ومصانع.

قد يكون ذلك موجع ولكن وكالة ناسا التقطت صور توضح انخفاض حاد في تلوث النيتروچين دايوكسيد عندما فرضت بعض الدول الأوروبية حذر تجول على شعوبها أوائل هذا الشهر.

الشعوب تكتشف الآن طرق جديدة للتواصل و دعم الآخر و سوف يصبحون أكثر وعياً بأهمية الترابط والتواصل الاجتماعي بمعناه الحقيقي الذي تربى جيلي و ما قبله عليه ليست الأجيال المستجدة الإلكترونية، و ربما يتسبب هذا الحجر العالمي في اكتشاف التواصل الاجتماعي الالكتروني بفوائد أكبر و استخدامات أفضل بكثير مثل التعليم عن بعد و المكاتب الإلكترونية والرياضة الإلكترونية و التواصل المجتمعي الداعم للعلاقات البشرية.

وقد تأثرت الإنسانية من جميع الأديان بأشكالها المختلفة بهذا العدو الخفى فالصلاة و الدعاء بسبب الوباء الذي أجبر المسلم عن حرمانه من صلاة الجماعة و صلاة الجمعة و قد تتغير العادات و نحرم من تجمعنا على سفرة واحدة في رمضان ، و يحول دون صلاة المسيحي في الكنيسة يوم الأحد و قد يؤثر علي الاحتفال بعيد القيامة و صلاوتها، و منع اليهودي من صلاته في المعبد السبت و يتوقع ان يعوق احتفالات بعيد الفصح اليهودي، تجمعت قيادات الأديان الابراهيمية على مطالبة تابعيهم بالصلاة في البيت.

تجمعت الأديان ضد تحدى موحد و هو إحياء الدين و تدريسه تحت حالة طوارئ مشددة … و اعتقد ان هذه أول مرة تجتمع جميع الأديان فى مواجهتها لتحدي مشترك ، مرة أخرى هذا يذكرنا بالرب الواحد الذي نعبده و بانسانيتنا المترابطة.
قد يكون تفكيري مثالي و بعيد عما اعتدنا عليه و لكن هناك سببين وراء هذا الرأي:

1. الاول أن سيناريو وجود عدو مشترك يدفع الناس إلى تجاوز الخلافات ما بينهم
2. و الثاني بناءً على الاول يعطينا طاقة و التفرد بالهدف حتى نستطيع ان نضغط على زر اعادة التشغيل و إعادة التنظيم و التكاتف.

المواضيع التي كانت حتي يوماً قريباً تحتل عقولنا و تشغل أفكارنا - الحروب النووية ، نقص النفط ، ارتفاع معدل البطالة ، أسعار الفائدة ، نقص المياة - كلها أصبحت ثانوية بالمقارنة بالأزمة الحالية ، حتى الإرهاب أخذ مقعد خلفي ولسخرية القدر اعطانا الخالق درسا حيث أصبح هذا العدو الخفي عدو مشترك لنا وللإرهابيين.

اجبرت الانسانية لاعادة تقدير أهمية الإيمان و الرجوع إليه …

عندما نهزم جميعاً هذا العدو الخفي الغاصب أتوقع اننا كمجتمع دولي سوف نعيد توجيه سياستنا عالمياً و جوهر استثمارنا سوف يكون في السلع العامة و بالأخص التعليم و الصحة و الخدمات العامة، لا اعتقد أننا سوف نصبح أقل تواصل بل بالعكس سوف نرى بوضوح جلب أن مصائرنا مشتركة و التعاون العالمي سوف يتعاظم استعداداً للكارثة القادمة لقدر الله … و قد عايشنا مثلاً كيف يؤثر الجار المحلي أو الجار الدولي الذي يرفض المكوث في البيت اثناء هذه الازمة لأنه لم ياخذ نصيبه الكافي من التعليم ولم يحصل على القدر الكافى من مهارات التفكير و تقدير الموقف على الأضرار بمصالح العالم اجمع … ادركنا ان الفرد له تأثير على المجموع.

هذا لا يعني أن هذا الوباء لم و لن يتسبب في الآلام و المعاناة التى لمسناها وسنلمسها جميعاً هذه الأيام في تكاثر الإصابات و فقدان الأحباء و لكنه سوف يجبرنا جميعاً علي إعادة النظر في من نحن ؟ وما هي قيمنا ؟ و على المدى الطويل قد تساعدنا هذه الفترة علي اعادة اكتشاف النسخة الافضل للانسانية.
ڤيروس كورونا قد يغير العالم بشكل دائم … الأوبئة تحرك التغيير.
إذا نتج عن هذا الوباء ، العدو الخفى ، خوف و إصلاح ، خوف من المستقبل و خوف من فقد الأحباب ، وإصلاح حيث توقف العالم عن الصيغة السياسية و الأخلاقية و الاجتماعية و الدينية الحالية و إعادة صياغتها من جديد على أسس إنسانية بشرية جديدة ، امل أن يكون هذا ميراث ضخم يتحقق من كوڤيد ١٩…
إذاً جاءت كورونا في وقت مناسب لتضع لافتة "عفواً… العالم مغلق للتحسينات " !!!