رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منع تداول الصحف.. والنقود!


منع التداول يختلف عن منع الإصدار، النشر، والتوزيع. وهناك دول قامت بالفعل بمنع تداول الصحف والمجلات والمنشورات الورقية، فى المطاعم والفنادق والعيادات والمراكز الصحية وقاعات الانتظار فى مراكز الخدمات الحكومية والخاصة، وغيرها من الأماكن التى تجعلها متداولة بشكل جماعى، لأن تداول تلك المطبوعات أو انتقالها من يد ليد، قد يسهم فى انتقال فيروس كورونا المستجد أو «كوفيد- ١٩». غير أن المستحيل بعينه هو منع تداول النقود.
الشىء القابل للتداول هو الذى يمكن نقله من شخص لآخر. ويُقال تداولته الأَيدى، أى أَخذته هذه مرة، وهذه مرة. غير أن بعض الدول، لم تكتف بمنع تداول المطبوعات فى الأماكن العامة، بل دعت جميع ناشرى الصحف إلى تعليق إصدار ونشر وتوزيع الطبعات الورقية. كما دفع الاحتضار البطىء، الذى تعيشه الصحف الورقية منذ سنوات، بعض الصحف إلى التوقف عن الصدور، من نفسها، والاكتفاء بوضع نسخة بصيغة PDF على موقعها الإلكترونى. لكن فات هؤلاء وأولئك أن الشىء نفسه ينسحب على النقود، بدرجة أكبر وأخطر.
مسئولون وخبراء قللوا من احتمالات انتقال الفيروس عبر العملات الورقية، مقارنة بطرق الانتقال الأخرى، غير أن ذلك لم يمنع شركات عديدة، فى دول مختلفة، من رفض قبول تلك العملات. كما طالبت بعض الدول مواطنيها بالتوقف عن استخدامها تمامًا. فى فرنسا، مثلًا، بدأت إدارة متحف اللوفر التعامل ببطاقات الائتمان فقط. ومكتبة «أوبن بوكس» فى مدينة شيكاغو الأمريكية، طلبت من عملائها، فى رسالة إلكترونية، عدم استخدام أوراق النقد، كما توقفت سلسلة من المطاعم فى ولاية واشنطن عن قبولها. وتوقفت عدة شركات تعمل فى خدمات التوصيل، أبرزها «جرابهب» و«دور داش»، عن اعتماد أوراق النقد كخيار للدفع.
فترة بقاء فيروس كورونا المستجد أو «كوفيد- ١٩» حيًا على الأسطح الورقية، أو غير الورقية، غير معروفة على وجه اليقين، بحسب الموقع الرسمى لمنظمة الصحة العالمية، الذى رجح أنه قد يشبه فى ذلك سائر فيروسات كورونا، التى قد تظل حية لبضع ساعات أو لعدة أيام، باختلاف الظروف، مثل نوع السطح ودرجة الحرارة أو الرطوبة.
بشكل أكثر تحديدًا ذكر متحدث باسم المنظمة، فى بيان صدر فى ٤ مارس، أن «الأموال تتنقل بين الأيدى بشكل متكرر ويمكن أن تلتقط كل أنواع الفيروسات». كما ذكرت جريدة «التليجراف» البريطانية، فى ٦ مارس الجارى، أن المنظمة حذرت من أن الأوراق المالية الملوثة بالفيروس قد تنقل العدوى، لأن الفيروس قد يظل عالقًا بتلك الأوراق لعدة أيام، ما قد يزيد من فرص الإصابة. وأشارت الجريدة إلى أن بنك إنجلترا أقر بأن النقد «يمكن أن يحمل البكتيريا أو الفيروسات».
عمليًا، أخضعت سلطات بكين الأوراق النقدية للحجر الصحى، وأعلن البنك المركزى الصينى، منتصف فبراير الماضى، عن قرار يقضى بـ«تنظيف» الأوراق النقدية المتداولة، وأوضح نائب حاكم البنك أن البنوك تستخدم الأشعة فوق البنفسجية أو درجات حرارة عالية جدًا لتعقيم تلك الأوراق، قبل عزلها لمدة تتراوح بين سبعة و١٤ يومًا. وفى ٦ مارس أعلنت متحدثة باسم البنك المركزى الأمريكى أن الولايات المتحدة قامت بإرسال أوراق الدولار الأمريكى العائدة إلى البلاد بعد استخدامها فى آسيا إلى محجر، فى محاولة لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد. وأوضحت أن الأوراق تظل محتجزة من ٧ إلى ١٠ أيام على الأقل، وأوضحت أن «تغيير إجراءات التعامل مع الأوراق التى تأتى من آسيا» جرى كتدبير احترازى. كما ذكر متحدث باسم «مجلس الاحتياطى الفيدرالى» أنه يجرى فرض حجر صحى على أوراق النقد المتداولة فى أوروبا وآسيا.
تجنب الأوراق النقدية لم يحدث فى الصين والولايات المتحدة فقط، فقد ذكر خبراء «الهيئة الفيدرالية الروسية لحماية المستهلك» أن الأوراق المالية «أكثر وسيلة شائعة لانتقال العدوى، وأشاروا إلى أن الفيروس يمكنه البقاء عليها طوال أسبوعين. وفى كوريا الجنوبية، التى حققت نجاحًا فى وقف انتشار المرض، قام البنك المركزى بسحب جميع الأوراق النقدية من التداول لمدة أسبوعين، وفى بعض الحالات تم إحراقها. وفى إيران، التى تعانى واحدة من أسوأ حالات تفشى للفيروس، تجنب كثير من المواطنين، خلال الأسابيع الأخيرة، التعامل بالأوراق النقدية، وأعلنت البنوك أنها لن تقبلها من العملاء.
قد ترى أن الفرق بسيط، أو شبه منعدم، بين التداول والنشر والتوزيع، لأن الانتقال من يد لأخرى، يحدث فى الحالتين. ولن نختلف معك أو نناقشك فى ذلك، لأن الحل، فى الحالتين أيضًا، شديد البساطة، وهو أن تقوم بتنظيف كل ما تعتقد أنه ملوث بمطهر كحولى، أو أن تغسل يديك جيدًا بالماء والصابون، بعد قراءة الصحف أو ملامسة النقود أو شىء آخر تشك فيه، مع تجنب لمس وجهك، عينيك، فمك أو أنفك.