رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قبل القمة.. اسمعوا صوت مصر يرحمكم الله


كواليس السياسة فى بعض الأوقات ينطبق عليها وصف الشاعر نزار قبانى لمشاعر الحب «لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار». تحديات لا تحتمل القسمة بين أهواء مجموعة وأطماع أخرى، خصوصًا حين يبلغ التهديد وضع المنطقة العربية بين خيارى الانتحار أو التفتت إلى مناطق صراع إرهابى وعقائدى.. وهو ما يفرض وقفة جادة من القمة العربية القادمة لتناول الملفات الشائكة. كل يوم يكاد يحمل للمواطن العربى وقائع مستمرة تحمل اختراقات صارخة لسيادة بلاده من أطراف دولية إو إقليمية- المؤكد أنها ليست عربية- فالواقع العربى أدمن تعاطى الخلافات الهامشية حتى فقد حاسة التنبه إلى الهاوية الخطيرة التى تهدد وجود عدة دول ضمن المنطقة، ما قد يفرض ضغوطًا أمنية وسياسية على دول مؤثرة، أبرزها مصر، تبذل كل الجهود الممكنة للإبقاء على تماسك المنطقة العربية.
إعلان أمين الجامعة العربية أحمد أبوالغيط من الجزائر عن تأجيل عقد القمة العربية إلى موعد أقصاه النصف الثانى من شهر يونيو المقبل كإجراء احترازى نتيجة انتشار فيروس كورونا.. بالإضافة إلى استباق الجزائر، وهى الدولة المضيفة للقمة، إعلانها شرط عودة سوريا إلى الجامعة العربية لاستضافتها القمة.. إشارات واضحة بأن تشخيص الداء العربى لا يقتصر على احتياطات صحية فى مواجهة وباء عالمى، لكنه يرصد عللًا سياسية يعود تاريخها إلى ما قبل تفشى فيروس «كورونا» بزمن طويل.
تزداد الحاجة إلى مراجعة ملف تمثيل دول عربية أساسية داخل منظمة الجامعة العربية أبرزها سوريا التى يجب تأكيد سيادتها فى وجود الرئيس الشرعى وليبيا التى يجب أن يكون تمثيلها عبر حكومة تملك مقومات الشرعية من الشعب الليبى، لا حكومة فاقدة الشرعية أصبحت مجرد أداة فى يد تنظيمات إرهابية. المواقف المتضاربة من تحديد تعريف دقيق للحرب على الإرهاب لم تعد مقبولة ولا التشكيك فى حقيقة أن الجيش الوطنى سواء فى سوريا أو ليبيا يقوم بمهمة الدفاع عن سيادة أراضيه والحفاظ على مقومات الدولة. القراءة الأعمق لبيان تأجيل القمة والتصريح الجزائرى يحملان رسائل واضحة رغم كونهما صادمين أو مناقضين لمواقف دول عربية، لكنهما من المؤكد يطرحان رؤية واقعية للمشهد العربى الذى لم تعد أعصاب شعوبه تحتمل بيانات تقليدية وتوصيات منتهية الصلاحية فى ظل تزايد وتيرة اشتعال الأزمات الأمنية والسياسية مقابل أجواء مناوشات عربية- عربية. حتى على مستوى الخطاب الإعلامى فى بعض القنوات الإخبارية العربية التى ما زالت تتمسك بالإشارة إلى الجيش الوطنى السورى على أنه «جيش النظام» أو الجيش الليبى «قوات المشير خليفة حفتر»! دون إدراك أن هذه المؤسسات الوطنية تحارب تنظيمات إرهابية لا تعترف جرائمها بالحدود بين الدول.
الصمت تجاه كل التدخلات الإقليمية والدولية خلال العقود الماضية قطعًا يتحمل جزءًا كبيرًا من مسئولية تصاعد الأزمات والصراعات، حتى إن جميع نداءات الإنذار ما زال لا يتلقى الاستجابة المطلوبة حرصًا على ما بقى من تماسك المنطقة. الاستثناء الوحيد حتى الآن يتمثل فى محاولات الرئاسة والدبلوماسية المصرية العمل على ضرورة إيجاد آلية مشتركة للعمل العربى أمنيًا وسياسيًا، بالإضافة إلى تقديم مبادرات تشكل نواة لهذا العمل حرصًا على تضييق الفجوة بين التناقضات والخلافات بين الدول الأعضاء حول بعض الملفات.. بعدما باتت المواقف إما ترتبط بتوجهات إقليمية أو تخضع لهواجس لا تستند إلى أرض الواقع، لكنها للأسف تغلبت على علاقات أخوة راسخة بين شعوبها.
تفاعل دول المنطقة مع سيادة المصالح- النظرة النفعية- التى تحدد خطوط وتحركات السياسة الدولية لا يعتبر مسارًا مناقضًا لوجود رؤية عربية مشتركة، ولا يعد من المستحيلات بالنظر إلى النهج الذى يحكم سياسات مجموعة مثل دول الاتحاد الأوروبى القائمة على التحرك فى كلا المسارين دون التأثر بالتغييرات التى تطال الاتحاد كما حدث مؤخرًا عند خروج بريطانيا، كما لا تنقطع دعوات الإصلاح لإنقاذ الاتحاد من التراخى الذى دب فى مفاصله وتراجع قوته المؤثرة.. هو يضع أولوية منظومته الاقتصادية والسياسية والأمنية رغم كل ما قد يطرأ على أدائه سواء سلبًا أو إيجابًا فوق كل الاعتبارات الأخرى، خلافًا لدول المجموعة العربية التى صدرت خلافاتها الهامشية على تعزيز مشروع تقارب مشترك، حتى أصبحت الأزمات المشتعلة قاعدة مسلمًا بها بدلًا من اعتبارها ملفات خطيرة يستدعى التعامل معها مواقف متقاربة وآليات مختلفة تعترف بأنها أمام واقع مشهد عربى يكاد بعض دوله يفقد بقاءه نتيجة صراعات دموية وأخرى تعيش سيادة منقوصة تهدد استقلالها فى أجواء فراغ سياسى وأمنى فتح الطريق أمام سيطرة دول إقليمية أو حتى تنظيمات إرهابية لفرض سيطرتها على حقوق هذه الدول.
قضية الأمن القومى ومحاربة التنظيمات الإرهابية إشكاليات وتحديات فى انتظار طرح جاد من القمة المقبلة.. تبقى علامات الاستفهام فى انتظار أن يصل صوت الشارع العربى إلى القمة بضرورة تنحية الخلافات الفرعية تحديدًا حول مناطق الأزمات مثل سوريا، ليبيا، العراق، اليمن، وتبنى سياسية واقعية لتضييق فجوة الخلافات عبر تكثيف العمل الدبلوماسى العربى- العربى.. رؤية لم تعبر عنها حتى الآن سوى القيادة السياسية فى مصر.