رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عجائب كورونا.. فى أُم العجائب


استمرار صمود الهند فى محاصرة كورونا المستجد يثير بعض الدهشة وكثيرًا من الإعجاب. إذ لم تسجل، إلى الآن، إلا أكثر قليلًا من ٣٠٠ إصابة و٤ أو ٥ حالات وفاة، بينما كان «الخبراء» يتوقعون، وما زالوا، أن ينتشر الوباء، بدرجة مرعبة، فى ذلك البلد، الذى يعانى من ضعف نظام الرعاية الصحية، ويتجاوز عدد سكانه ١.٣ مليار نسمة، يعيش عشرات الملايين منهم فى مناطق كثيفة لا تصل إليها المياه النظيفة.
هى ثانى أكبر دول العالم سكانًا، وأكثرها ازدحامًا وسابع أكبر بلد من حيث المساحة الجغرافية، فى العالم. لكنها جاءت متأخرة عن دويلة بحجم قطر بسبع دول، وكان ترتيبها ٤٣ فى قائمة الدول، التى ضربها الفيروس القاتل، ولا يزال انتشاره فيها بطيئًا، بل شديد البطء. ربما لأن السلطات الهندية اتخذت مبكرًا إجراءات احترازية، وقامت بتشكيل «فريق استجابة سريعة» من الأطباء والمتخصصين. وقامت فى وقت مبكر، أيضًا، بعزل نفسها عن العالم. وبعد تقييد حركة المواطنين، بشكل متدرج، قامت، أمس الأحد، بفرض حظر تجول لمدة ١٤ ساعة. تلته، فى وقت لاحق، بتعليق جميع خدمات قطارات السكة الحديد الهندية، واستبقت فقط خدمات الشحن.
الهند فى قلب الحدث الكارثى. تحدها الصين وباكستان من الغرب. ونيبال، وبوتان من الشمال، وبنجلاديش وميانمار من الشرق. وبحكم الأمر الواقع أو بحكم سيطرتها على جامو وكشمير، تربطها حدود مع أفغانستان. وكل هذه الدول ضربها الفيروس بنسب متفاوتة، بدءًا من الصين، بلد المنشأ، التى ظلت تتصدر دول العالم فى قائمتى عدد الإصابات والوفيات حتى أزاحتها إيطاليا عن القائمة الثانية. ومع ذلك، تمكنت السلطات الهندية من السيطرة على الفيروس. وتقود، الآن، دول جنوب آسيا لمنع انتشاره، عبر دعوة رئيس وزرائها، ناريندرا مودى، الإثنين الماضى، إلى إنشاء صندوق موحد لدول جنوبى آسيا لمكافحة هذا الوباء.
رئيس الوزراء الهندى أجرى، أيضًا، محادثات، عبر الفيديو، مع غالبية زعماء المنطقة، لتنسيق جهود التعامل مع الأزمة فى المنطقة. كما عرضت نيودلهى مشاركة المعلومات مع دول «رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمى» عبر «بوابة المراقبة المتكاملة للأمراض» التى تم إنشاؤها لتعقب ناقلى الفيروس المحتملين والأشخاص الذين اتصلوا بهم.
فحص الوافدين فى المطارات الهندية بدأ فى ١٧ يناير، أى بعد ستة أيام من إعلان الصين عن أول حالة وفاة بسبب الفيروس. ثم قامت بتشكيل لجنة مراقبة برئاسة وزير الصحة الاتحادى، فى ٣٠ يناير، مع اكتشاف أول حالة إصابة بالفيروس لمواطن هندى كان عائدًا من إيطاليا. وبمجرد إعلان منظمة الصحة العالمية اعتبار فيروس كورونا جائحة عالمية، فرضت الحكومة الهندية حجرًا صحيًا على جميع الوافدين إليها من الدول التى ينتشر بها الفيروس، بعد ١٥ فبراير الماضى. وبالفعل خضع كل الوافدين، أو الذين زاروا الصين، إيطاليا، إيران، كوريا الجنوبية، فرنسا، إسبانيا أو ألمانيا، بعد ١٥ فبراير، لحجر صحى مدته ١٤ يومًا على الأقل.
بعد أن أغلقت حدودها البرية، أغلقت، أيضًا، معابدها وكنائسها ومساجدها ومدارسها وجامعاتها ومراكزها التجارية. وباستثناء الدبلوماسيين ومسئولى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، قامت بتعليق إصدار أى تأشيرات حتى ١٥ أبريل، ومنعت حتى الهنود المقيمين فى دول الاتحاد الأوروبى وبريطانيا وتركيا من دخول البلاد. وحين احتشد، أمس، عمال هنود أرادوا الوصول إلى قراهم، فى إحدى محطات السكة الحديد بولاية أوتار براديش شمال البلاد، تصدت لهم الشرطة، وتمكنت من السيطرة على الحشود. ولا نعرف كيف سيتم نقل هؤلاء إلى قراهم، أو إلى متى سيظلون فى انتظار حافلات وسيارات، ليس من المحتمل أن تأتى. لكن ما نعرفه هو أن السلطات الهندية ليس لديها أى بدائل غير التعامل بمنتهى الحسم.
بسبب الإجراءات الصارمة، أو لأنها «أم العجائب»، نجحت الهند فى التغلب على العديد من الأوبئة، أبرزها «إنفلونزا الخنازير» سنة ٢٠٠٩. وتمكنت، إلى الآن، من احتواء الفيروس القاتل، مقارنة بمساحتها وعدد سكانها، إلا أن خبراء، أو منحتهم وكالة «بلومبرج» تلك الصفة، حذروا من أنها قد تصبح النقطة الساخنة التالية فى انتشار الوباء. كما نقل تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية، بى بى سى، عن «خبير» آخر أن معدلات الإصابة، فيها قد تصل قريبًا إلى نحو ٣٠٠ مليون إصابة، أى نحو مليون ضعف الرقم الحالى.
أخيرًا، وسواء كان هؤلاء الخبراء خبراء فعلًا أو من عينة ذلك الخبير الكندى، الذى ترك كوارث بلاده وأجرى بحثًا وهميًا عن مصر، فإن الأيام المقبلة هى التى ستحدد مدى قدرة الهند على مواصلة احتوائها فيروس كورونا المستجد أم لا. وإن كنا لا نعتقد أن أمامها أى خيارات، لسبب غير بسيط، وهو أن منظومتها الطبية المستنزفة، أساسًا، لن تستطيع التعامل مع تفشى الوباء.