رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كورونا يُصلّى الجمعة!



تجمع دينى أقيم، أواخر الشهر الماضى، فى مسجد قرب العاصمة الماليزية كوالالمبور، تسبب فى إصابة أكثر من ٦٧٠ بفيروس كورونا فى ٤ دول: ٥٧٦ فى ماليزيا، ٦١ فى بروناى، ٢٢ فى كمبوديا، و١٣ فى إندونيسيا. وبينما استوعبت بعض الدول الإسلامية الدرس، فإن دولًا أخرى لا تزال تعتقد أن فيروس كورونا المُستَجد قد يتوب إلى ربه ويتوقف عن إيذاء البشر، لو حضر تجمعًا للمسلمين، أو أدّى معهم صلاة الجمعة!.
يعيش فى ماليزيا ١٧ مليون مسلم، هم ٦١٪ تقريبًا، من عدد سكانها، ووصل عدد المصابين فيها بفيروس كورونا إلى ١٠٣٠، ولا تزال تعانى من تزايد عدد الحالات. وعليه، قرر محيى الدين ياسين، رئيس الوزراء، إلغاء المناسبات والتجمعات الجماهيرية الدينية والفعّاليات الدولية حتى ٣٠ أبريل. وبالفعل، تم إلغاء صلاة الجمعة، وطالب ذو الكفل البكرى، وزير الشئون الدينية، المواطنين بالالتزام بالتعليمات، موضحًا «من المهم كسر سلاسل العدوى بالفيروس، وينبغى على الناس الصلاة فى المنزل مع أسرهم». لكن فى إندونيسيا حدث انقسام بشأن صلاة الجمعة، اعتقادًا من بعض مسلميها بأن الدين هو طوق النجاة.
إندونيسيا، هى أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان. وتشير التقارير الرسمية إلى إصابة ٣٠٩ ووفاة ٢٥، لكن فى الوقت الذى تقبَّل فيه كثير من المسلمين فى العاصمة الإندونيسية جاكرتا النصيحة، وتجنبوا التجمعات الدينية وصلوا فى المنازل يوم الجمعة، بحسب تقرير لوكالة «رويترز»، فإن آخرين فى أماكن أخرى تجاهلوا خطر الإصابة بفيروس كورونا وتوافدوا على المساجد. ومع التقرير، نشرت الوكالة صورة لصلاة الجمعة بإقليم جاوة الشرقية، قالت إنها حصلت عليها من وكالة «أنتارا فوتو»، ومحظور نشرها فى إندونيسيا.
الرئيس الإندونيسى، جوكو ويدودو، طالب بتقييم «الأحداث الدينية التى تشارك فيها أعداد كبيرة من الناس». وأوقف أنيس باسويدان، حاكم العاصمة جاكرتا، كل الأنشطة الدينية لمدة أسبوعين. وتم تعليق صلاة الجمعة فى مسجد الاستقلال، أكبر مسجد فى جنوب شرق آسيا. واستشهد إمام المسجد، نصار الدين عمر، بمرسوم أصدره مجلس العلماء الإندونيسى يشدد على ضرورة التباعد الاجتماعى. مع أن الرئيس الإندونيسى وعدد من الوزراء أشرفوا بأنفسهم على عملية تطهير ذلك المسجد، الذى يراه البعض «أيقونة» لمسلمى الأمة.
هذا فى العاصمة، أما فى بلدية ديوك، التى شهدت بعض حالات الإصابة، فقال يونيزار (٦٥ سنة)، خادم أحد المساجد، لوكالة «رويترز»، إنه رغم شعوره بالقلق، قرر أداء الصلاة، مشيرًا إلى أن «بعض أعمال النظافة الإضافية جرت فى المسجد، كما تم توفير المزيد من الصابون». والشىء نفسه تكرر فى مقاطعة سولاوسى الجنوبية، التى شهدت تجمعًا حاشدًا للمسلمين، الخميس، قبل أن تقرر السلطات إلغاءه. وفى مسجد فى تانجيرانج، غربى جاكرتا، قال أحد المصلين لرويترز: «يحدونى الأمل أن يحفظنى الله». كما نقلت الوكالة عن أسوين جوسار (٧٦ سنة): «الله يحفظ من يحافظون على عباداتهم»!.
علامة التعجب من عندى، وستضيف إليها علامات أخرى من عندك حين تعرف أن المملكة العربية السعودية، التى وصل إجمالى عدد المصابين فيها، يوم الخميس، إلى ٢٧٤ حالة، اتخذت تدابير مشددة للحد من انتشار الفيروس، شملت وقف الرحلات الدولية وتعليق العمرة وإغلاق المساجد والمدارس والمراكز التجارية والمطاعم، وطلبت من الناس التوقف عن الذهاب لأعمالهم. والخميس، علقت التواجد والصلاة فى ساحات الحرمين الشريفين، خاصة يوم الجمعة، للحد من انتشار العدوى بين المصلين، طبقًا لما أعلنه هانى بن حسنى حيدر، المتحدث الرسمى باسم الرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوى.
قبل السعودية، إندونيسيا وماليزيا، ذكرت دار الإفتاء المصرية، فى بيان أصدرته الخميس قبل الماضى، أن «الإسلام أرسى مبادئ الحجر الصحى، وقرر وجوب الأخذ بالإجراءات الوقائية فى حالة تفشى الأوبئة». وأكدت دار الإفتاء أن الكوارث الطبيعية والأوبئة تُعد من الأعذار الشرعية التى تبيح تجنب المواطنين حضور صلاة الجماعة والجمعة فى المساجد. كما أجازت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف إيقاف صلوات الجُمع والجماعات حمايةً للناس من فيروس كورونا. وفى بيان طويل أصدرته الأحد الماضى، قالت الهيئة إنه «يتعيَّن وجوبًا على المرضى وكبار السن البقاء فى منازلهم». ومع ذلك، فوجئنا بالدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، يؤدّى بنفسه خطبة الجمعة بمسجد التليفزيون!.
تبريرًا لذلك، قالت غرفة عمليات وزارة الأوقاف إن «المواطن له رخصة التغيب عن الجمعة من الناحية الشرعية، أما الخطيب فسيعاقب (بفتح القاف) إذا تخلف عن الحضور». والأرجح، هو أن خطباء الوزارة اعتقدوا أن عقابها سيكون أشد من عقاب الله، لو تسببوا فى إصابة عشرات، مئات، أو آلاف المواطنين بذلك الفيروس القاتل، الذى ليس بعيدًا أو مستبعدًا أن يكون أكثر حرصًا منهم على أداء صلاة الجمعة!.