رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشاعرة الأمريكية أندريا جيبسون



بعيدًا عن الصخب الدائر عن فيروس «كوفيد- ١٩»، بعيدًا عن الإصرار على أن يشغلنا ما خارجنا ولا نهدأ أو نستكين لحظة، بعيدًا عن الفوضى التى نُلقى بالحطب فى أتونها كى تظل مستعرة.. أذهب إلى مملكة الشعر، حيث الصخب الأعنف والفوضى الكاشفة والحزن الثقيل، هناك ألتقى شعراء لم أقرأ أسماءهم من قبل، لكن كلماتهم يتردد صداها فى الروح.
وقد التقيت اليوم الشاعرة الأمريكية «أندريا جيبسون»، (١٩٧٥)، وهذه قصيدتها: «أخصائى التغذية»، لعلنا ندرك بعضًا من الغضب على أنفسنا والأوقات التى نضيعها فى هدر الوقت.
«قال أخصائى التغذية إننى يجب أن أأكل الخضروات الجذرية، وإنه لو تمكنت من أكل ١٣ حبة من اللفت يوميًا سأصبح متزنة، قوية.
قال إن رأسى لن يستمر فى التحليق بعيدًا إلى حيث يعيش الظلام.
وقالت لى العرّافة: إن هناك حملًا ثقيلًا على قلبى وإنها ستخبرنى ما الحل مقابل ٢٠ دولارًا، أعطيتها ما طلبت، فقالت كُفى عن القلق عزيزتى ستجدين رجلًا صالحًا قريبًا.
قال الطبيب النفسى الأول إنه يجب علىّ المكوث فى خزانة مظلمة ٣ ساعات يوميًا مغمضة العينين، مسدودة الأذنين، جربتها مرة، ولكن لم أستطع التوقف عن التفكير فكم أن هذا غريب.
قال لى مدرب اليوجا ألا أمط الحقيقة، قال أن أركز على إخراج النفس، وقال إن أى شخص قادر على إيجاد السعادة إذا اهتم بما يعطى أكثر مما يأخذ.
قال الصيدلى الكلونازيبام واللاموترجين والليثيوم والألبرازولام، وقال الطبيب إن مضادات الذهان يمكن أن تساعدنى فى نسيان ما تقوله الصدمة، تقول لى الصدمة لا تكتبى هذه القصيدة. لا أحد يريد أن يسمع بكاءك على الألم الذى بداخلك ولكن داخلى يقول «غطس تايلر كليمنتى فى نهر هدسون وهو متيقن أنه كان وحيدًا تمامًا». يحثنى داخلى قائلًا: «اكتبى القصيدة» لضوء المصباح، لقاع النهر، لثريا قدرك المعلقة بخيط، لكل يوم لم تستطيعى فيه النهوض من الفراش، لنقطة الهدف الموجودة على معصمك، لأى شخص أراد أن يموت. قيل لى إن أحيانًا أفضل شىء يمكننا القيام به للشفاء هو تذكير أنفسنا مرارًا وتكرارًا بأن الآخرين يشعرون بهذا أيضًا. الغد الذى جاء ومضى ولم يتحسن الوضع، عندما تنتهى من كتابة نصف هذه الرسالة لأمك التى تقول: «أقسم أننى حاولت»، ولكن عندما اعتقدت أننى وصلت للقاع بدأ الأمر من جديد.
لا توجد كدمة تشبه الكدمة التى تحدثها الوحدة فى عمودك الفقرى، لذا دعنى أخبرك أعلم أن هناك أيامًا تبدو وكأن العالم بأكمله يرقص فى الشوارع، عندما تنهار كما تنهار أبواب منازلهم المنهوبة، أنت لست وحدك وتتساءل من سيكون المدان بجريمة الإصرار.
تستمر فى تعبئة حزنك داخل حجرة خجلك، أنت لست ضعيفًا لمجرد أن قلبك مُثقل، لم ألتقِ قلبًا مثقلًا من قبل إلا وكان كالهاتف العمومى بوشاح أحمر، بداخله بعض الناس، لن يفهم أبدًا أى نوع من القوة الخارقة الذى يتطلبه بعض الناس فقط ليتجولوا فى الخارج، أعرف أن ابتسامتى فى بعض الأيام تشبه مزراب المنزل المتهاوى، ولكن يدىّ دائمًا متمسكتان بحبل الإيمان بقوة الحياة، يمكن أن أكون غنية مثل التربة أصنع طعامًا من العفن حول الجرح، إلى طريق سريع أقلنى فى شاحنة عليها ملصق مكتوب عليه «أن تتكيف مع مجتمع مريض ليس معيارًا للصحة الجيدة»، لم أثق يومًا فى شخص لديه انحناء الظهر مثلى، كما وثقت فى الأشخاص الذين فقدوا السيطرة على أنفسهم الذين يصرخون لتجد نبضات قلبهم القوة لتخفق أربع ليالٍ، قبل أن يقفز تايلر كليمنتى من فوق جسر جورج واشنطن كنت جالسة فى غرفة فندق فى بلدتى أحسب بالضبط كم قرص علىّ أن آخذ لإنهاء علبة الأقراص المنومة، ما أعرفه عن الحياة هو أن الألم ليس ملكًا لنا وحدنا.
كل مرة أجرح أعلم أن الجرح صدى صوت، لذا أظل أستمع للحظة التى يصبح فيها الحزن نافذة، عندما أستطيع رؤية ما لم أقدر على رؤيته من قبل.
خلال زجاج حلمى الممزق شاهدت نبات الهندباء يفقد عقله بسبب الرياح بفعله هذا، نثر آلاف البذور لذا فى المرة القادمة عندما أخبرك كيف أننى تحولت بسهولة لشخص آخر لا تحاول أن تعيدنى فقط قل ها نحن هنا عند النافذة معًا نتألم ليصبح كل شىء على ما يرام، ولكن بمعرفة أنه لا تزال هناك فرصة. ربما تأذت قلوبنا قليلًا وربما اليوم الأسوأ سيأتى لا محالة مع ذلك، دعنى أخبرك أننى سأظل هنا سائلة هذا العالم أن يرقص حتى لو استمر بالدهس على قدمى، أنت ابق معى، حسنًا؟ ابق هنا معى.
استعد رباطة جأشك أمام هذا الظلام المرير، شوقك الرائع، قبضات خسارتك القوية، صديقى إذا كان الشىء الوحيد الذى سنجنيه من بقائنا هو بعضنا البعض.
إلهى هذا وفير، إلهى هذا كافٍ، إلهى هذا كرم كبير منك، أن يهمس كل منا فى ظهر أخيه مرارًا وتكرارًا «عش» «عش» «عش».