رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى الصلب والهامش من أزمة كورونا




جمهورية الصين الشعبية التى نجحت خلال العقدين الماضيين، فى أن تصبح «أكبر مصدر» فى العالم، فضلًا عن وصولها إلى أهم من الإنجاز السابق، فى أن تصل إلى كونها «جزءًا رئيسيًا» لا يتجزأ من شبكات الإنتاج العالمية المختلفة، بعد أن وطدت نفسها كمزود رئيسى للعديد من مدخلات ومكونات المنتجات الرئيسية والمختلفة، مثل السيارات وأجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة والمعدات الطبية، وغيرها من المنظومات الرقمية، تعانى اليوم بشدة وفق «المذكرة التقنية» التى نشرها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد» مؤخرًا، التى تتناول تأثير فيروس كورونا فى التجارة بين الدول، حيث قامت المذكرة بإجراء عملية تقييم للآثار الاقتصادية المرتبطة بتفشى حالات الإصابة أو العدوى بمختلف درجاتها، وهو الذى شهده الكثير من دول العالم ومن بينها الصين.
التقرير المشار إليه؛ أورد مجموعة من الأرقام تتعلق بالصين بداية، توضح انخفاضًا كبيرًا، خلال الشهر الماضى، فى مؤشر المشتريات التصنيعية فى الصين قدرتها بنحو ٢٠ درجة، وأشارت إلى أنه يمثل أدنى حد انخفاض تم تسجيله منذ عام ٢٠٠٤. كما أوضح التقرير أن هذا الانخفاض يعنى تلقائيًا انخفاضًا فى الإنتاج بنسبة ٢٪ سنويًا، وهو «نتيجة مباشرة» لانتشار فيروس كورونا، الخبراء والمحللون الاقتصاديون التابعون لمنظمة «الأونكتاد»، أجمعوا على مجموعة نقاط شديدة الأهمية بالطبع، عندما يقدرون أن انكماشًا بنسبة ٢٪ فى إنتاج الصين، بالتبعية له آثار مضاعفة تظهر على مجمل انسياب الاقتصاد العالمى، وهو ما تسبب حتى الآن فى انخفاض يقدر بنحو «٥٠ مليار» دولار أمريكى، فى حجم التجارة بين الدول وبين بعضها البعض، أبرز القطاعات التى بدا أنها الأكثر تضررًا من هذا الانخفاض، شملت «صناعة الأدوات الدقيقة، والآلات، ومعدات السيارات، وأجهزة الاتصالات»، كما ظهر بداية هذا الأسبوع أن من بين الاقتصادات الأكثر تضررًا، جاءت مناطق مثل الاتحاد الأوروبى «١٥.٥ مليار دولار»، حيث تحتل صدارة الخاسرين، من بعده مباشرة الولايات المتحدة بحجم خسائر قدر بنحو «٥.٨ مليار دولار»، ثم اليابان «٥.٢ مليار دولار».
ما سبق ذكره جرى للأسف فى غضون أسابيع محدودة، فضلًا عن عدم احتساب خسائر هذا الأسبوع، التى يرى المتخصصون أنها شهدت تفاقمًا ملحوظًا، رغم أن أرقامها الكلية لم تُرصد بشكل كامل، فلم يُفصح عنها من مصدر دولى متخصص كمرجعية حتى اللحظة. لكن فى الوقت ذاته أكد المسئولون الأمميون أنه فيما يخص اقتصاديات «الدول النامية»؛ التى تعتمد بشكل رئيسى على بيع المواد الخام، فإن الشعور بهذه الأضرار جرى توصيفه بـ«مكثف جدًا». وفى هذا تجب العودة لما جاء بالتقرير الأممى؛ عندما جرى التأكيد فيه على توقع «عمليات إغلاق»، ليس فى الصين فقط، بل أيضًا فى الهند والولايات المتحدة وفى كل مكان آخر فى العالم، على اعتبار أن التأثير الاقتصادى لهذا الفيروس يعتمد فى آخر الأمر، على التدابير التى تطبقها البلدان لاحتوائه، فهو يرى أن «الصين قامت بعمل رائع» فى هذا الصدد، لكن مع بذلها تضحية ملموسة بالاقتصاد، خصوصًا فى الأسابيع القليلة الأولى من الأزمة. فوفق قياس «عدد الحاويات» وحده، والذى يعبر بشكل غير مباشر عن انخفاض فى مستويات التصنيع، شهد «ميناء شنغهاى» انخفاضًا فى عدد سفن الحاويات، خلال شهر فبراير الماضى، ففى النصف الأول من الشهر جاء المؤشر الاسبوعى ليسجل عدد «٣٠٠ حاوية»، ليتراجع إلى مستويات لم تتجاوز «١٨٠ حاوية» فى أفضل حالاتها، قبل أن تبدأ خلال الأسبوع الماضى فى استعادة عافية نسبية.
فى الوقت ذاته؛ بدت حدة المؤشرات تستدعى تفاعل من هم قادرون على تقديم يد المساعدة، وهذا انعكس فيما أصدره مؤخرًا صندوق النقد الدولى ومجموعة البنك الدولى، مما يمكن اعتباره بمثابة «رسالة تضامن مشتركة» فيما يتعلق بانتشار فيروس كورونا، معلنين عن استعدادهما لمساعدة الدول الأعضاء فى مواجهة المأساة الإنسانية، والتحدى الاقتصادى الكبير الناجم عن انتشار فيروس كورونا. ومما جاء فى الرسالة المشتركة: «إننا نشارك بنشاط مع المؤسسات الدولية والسلطات الوطنية، مع إيلاء اهتمام خاص بالبلدان الفقيرة، حيث تكون النظم الصحية هى الأضعف والناس أكثر عرضة للخطر». ويشرح بيانهما أن التدابير المتاحة؛ تشمل «تمويل حالات الطوارئ، وتقديم المشورة بشأن السياسات والمساعدة التقنية»، مؤكدًا على الحاجة الضرورية إلى مساعدة البلدان على الاستثمار فى حماية نفسها، فتعزيز نظم المراقبة والاستجابة الصحية، وتقويتها فى بلدان العالم «أمر بالغ الأهمية»، لاحتواء انتشار هذا المرض أو أى أمراض تتفشى فى المستقبل.
إذا أمكن اعتبار أن ما سبق؛ يمكن اعتباره قلب الحدث الجارى، فهناك العديد مما يجرى فى الهامش قد لا يكون أقل أهمية، أبرزه بالطبع هو إعلان شركة «كيورفاك» الألمانية لإنتاج الأدوية، أنها تعمل على تطوير لقاح ضد فيروس كورونا وأن لقاحها سيكون جاهزًا بحلول الخريف المقبل، وعلى ذات القدر شهدت أسعار النفط لليوم الثالث على التوالى تراجعًا ملحوظًا، فالأسواق منذ بداية هذا الأسبوع تعتبر أن أسعار النفط تعانى من أكبر انخفاض لها منذ العام ١٩٩١، وهو تاريخ شن القوات الأمريكية الغارات الجوية على العراق بعد غزوه الكويت، فآثار انهيار أسعار النفط الذى حدث، الإثنين قبل الماضى، مما تسبب فى ذعر للأسواق، التى كانت قلقة بالفعل من تأثير انتشار فيروس كورونا على الاقتصاد العالمى، وتأثيره فى الطلب على النفط، أدى سريعًا إلى تراجع العقود الآجلة لخام برنت، سجله المؤشر العالمى للنفط بنسبة ٢٢٪، حيث أغلق عند «٣٥.٤٥ دولار» للبرميل، بينما يتم تداول النفط الأمريكى عند «٣٣.١٥ دولار» للبرميل بانخفاض أيضًا قدره ٢٠٪ تقريبًا.
كل القطاعات الكبرى مثل حركة النقل الجوى ونشاطات السياحة والسفر، تتلقى هزات وانحسارات عنيفة تدفع مؤشراتها إلى أسفل بسرعة، وهى أمور قد تبدو هامشية فى مظهرها، لكن يظل حجم ارتباطاتها بمختلف مناحى الحياة، وفى مقدمتها مستويات الدخل، يدفعها لأن تكون فى صلب وقلب الأزمة الحالية التى ندعو الله أن يكتب لمصر ولنا وللعالم أجمع السلامة والتعافى فى أقرب وقت ممكن بإذن الله.