رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذكرى إمام الملحنين درويش: حمل لقب شيخ في العاشرة.. وكل حبيباته عاهرات

سيد درويش
سيد درويش

قال عنه عباس محمود العقاد "فضل سيد درويش أنه أدخل عنصر الحياة والبساطة في التلحين والغناء، بعد أن كان هذا الفن مثقلا كجَميع الفنون الأخرى، وأن هذا النابغة الملهم ناسب بين المعاني والألحان، وناسب بين الألحان والحالات النفسية التي تعبر عنها، بحيث تسمع الصوت الذي يضمه ولحنه ويغنيه، فتحسب أن كلماته ومعانيه وأنَغامه وحوائجه قد تزاوجت منذ القدم فلم تفترق قط، ولم تعرف لها صحبة غير هذه الصحبة اللزام".

أما عن سيد درويش فقد ولد في كوم الدكة بالإسكندرية في 17 مارس 1892، وتوفي بنفس المحافظة في 1923، والده هو درويش البحر، وأم "ملوك" التي أنجبت من قبل أختًا له، وكان والده نجارًا فقيرا يصنع الطبليات والرفوف والقباقيب، وحنى ولادته اقترحوا على والده اسم مصطفى تيمّنًا بالزعيم مصطفى كامل، لكنه اختار اسم سيد ليكون سيدا في حياته.

أبعده والده تمامًا عن جو التجارة وأرسله وهو في الخامسة من عمره إلى معهد الإسكندرية الديني ليتعلم القراءة والكتابة والقرآن، ولما أتم ولده سنوات الكتاب، جمع نقودًا واشترى له جبة زرقاء وقفطانًا مقلمًا وعمامةً بيضاء وألبسه إياها، فأطلقت أمه زغرودة فرح.

ومن هنا حمل سيد درويش لقب الشيخ وهو لم يزل في العاشرة من عمره، وكان في المدينة مقرئ اسمه حسن الأزهري أحبه سيد درويش كثيرًا وتأثر به وأخذ يقلده، وغضب الأب وضرب ابنه ضربًا مبرحا ومنعه من الغناء.

ومات الأب فترك سيد المدرسة ليعيل أمه وإخوته واضطر للعمل في بيع "الروبابيكيا"، ومساعدا لبائع دقيق، ومناولًا لمبيّض "طناجر"، وكان سيد يغني أثناء العمل، وكان رفاقه العمال يسعدون لغنائه فيتضاعف نشاطهم وهنا طلب منه معلمه أن يتوقف عن التبييض ويتفرغ للغناء، على أن يتلقى أجره كاملا.

هنا تساءل درويش: "إن كنت قدرت على إسعاد هؤلاء الناس فلماذا لا أحترف الغناء؟"، واحترف الغناء وراح يحيي الحفلات لطبقات العمال، وراح ينشد أغاني مَن سبقوه مثل عبده الحامولي ومحمد عثمان وسلامة حجازي وداود حسني وإبراهيم القباني.

ولطلب العيش، غنّى درويش في المواخير وكان بعد الغناء يدور على الزبائن ليلم منهم بعض القروش القليلة، وفي ذلك الوقت أحب بنتا ضخمة الجثة تدعى جليلة، وأحب بعدها هانم ونجية وعزيزة وكلهن بنات هوى، وكلهن ضخام الجسد.

في ذلك الجو الملئ بالمخدرات والخمر والنساء تفجّر في الشيخ سيد ينبوع الملحنين، فغنى "يا فؤادي- يلّلي قوامك يعجبني- في شرع مين- عشقت حسنك- يوم تركت الحب- وعواطفك- ضيعت مستقبل حياتي" وغيرها، ثم لحن عددًا من التواشيح الأندلسية منها: "يا ترى بعد البعاد- يا صاحب السحر- يا عذيب المرشف- يا شادي الألحان- منيتي عز اصطباري- صمت وجدًا- واجمعوا بالقرب شملي" وغيرها.

لحّن درويش عددًا من الأغاني الثورية منها: "أنا المصري كريم العنصرين- دقت طبول الحرب يا خيالة- أحسن جيوش في الأمم جيوشنا- بلادي بلادي لكِ حبي وفؤادي".

واستحدث درويش مقامًا جديدًا في الغناء العربي هو مقام "الزنجران" الذي أدخله على دور " في شرع مين" مما يعتبره الموسيقيون إحدى معجزاته.

وفي 1917 حين كان لديه 25 عامًا، غادر الإسكندرية إلى القاهرة هربًا من جليلة وسعيا وراء أفق أوسع، فتعرف على جورج أبيض، ونجيب الريحاني، وعلي الكسار، ومنيرة المهدية، وفرقة أولاد عكاشة الذين رفعوا له الستارة ليلحن أروع أوبريتاته.. فكانت "شهرزاد، وكليوباترا، ومارك أنطون، والبروكة، والعشرة الطيبة، والدر، واليتيمة.

وعرف درويش الثراء والمجد وتزوج ابنه الثاني القاهري حسن درويش بعد ابنه الأول السكندري محمد البحر.

وفي 15 سبتمبر عاد درويش إلى الإسكندرية ومات فيها ليترك ما بدأه وطوره وأدخل عليه الكثير من التيمات لمن هم من بعده، وقال عنه عبد الوهاب "خسارتنا لسيد درويش لا تعوض.. إننا لم نخسره بموته فقط، بل خسرنا ما كان سيفعله من معجزات لو بقي حيا".