رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هكذا تدار الازمات


شاءت دراستى أن تكون رسالة الدكتوراة التى حصلت عليها عن
" إدارة الازمات" وكان من أهم التوصيات التى جاءت بها أنه فى حالة عدم التمكن من تجنب وقوع الازمة أساسًا فإنه يجب على الاقل التقليل من أثارها بقدر المستطاع عملًا بالقاعدة الادارية التى تقول "انه فى ظل الامكانيات المتاحة يمكن تحقيق أفضل النتائج " ومن هذا المنطلق فقد كانت متابعتى للآزمات التى تتعرض لها البلاد علمية وميدانية فى أن واحد.
وقد تعرضت بلادنا خلال تاريخها الحديث للعديد من الآزمات الداخلية والخارجية بعضها تم تجاوزه تمامًا مثلما حدث فى نكسة 1967 والتى تحولت الى إنتصار كبير فى 1973 وبعضها الآخر ترك أثاره التى نعانى منها حتى الآن مثلما حدث فى أعقاب يناير 2011 عندما تمكن الآخوان من القفز على السلطة وتركوا الآرهاب يرتع فى أنحاء البلاد وعقدوا صفقات غير معلنة لتحقيق أهداف الجماعة حتى ولو كانت على حساب الوطن بالكامل عندما سمحوا للارهابين بالتواجد فى سيناء وتركوا أثيوبيا تسارع فى بناء سد النهضة والذى بدأ العمل فيه فى ابريل 2011 ووصل الى منتصفه تقريبًا فى عهد الآخوان وحتى 2014... إلا إننا اليوم نعيش فى ثلاثة أزمات رئيسية جديدة أزعم أن الدولة بكل أجهزتها تتعامل معها بكل شفافية وإحترافية وبوسائل علمية وإدارية معتبرة استخدمت فيها جميع الخطوات والمراحل التى تحتويها المراجع والرسائل العلمية التى تناولت علوم إدارة الازمات بل وتجاوزتها ايضًا بإستخدام الاعلام كإحدى وسائل حث الشعب على التوقع والاستعداد ثم التعامل معها.
وهذه الازمات طبقًا للآحدث زمنيًا أزمة التقلبات الجوية التى تعرضت لها البلاد مؤخرًا وقبلها أزمة فيروس كورونا وقبلها فشل مباحثات سد النهضة ونكوص اثيوبيا من تعهداتها وتهربها من المشاركة فى الجلسات التفاوضية الآخيرة التى عقدت فى الولايات المتحدة الامريكية.... والمتابع لتلك الازمات يجد أن جميعها تعاصرت معًا فى نفس التوقيت ومازالت أزمة سد النهضة تتصاعد بيننا وبين اثيوبيا والسودان فى حين ان أزمة سوء الاحوال الجوية قد انقضت على خير وبأقل الخسائر الممكنة كما ذكرنا على ضوء الامكانيات المتاحة....أما فيروس كورونا فأعتقد اننا ولله الحمد من أقل الدول التى تعرضت حتى الآن لانتشار الفيروس نتيجة السرعة والجدية التى تم اتباعها منذ الايام الاولى للاعلان عن اكتشاف هذا الفيروس فى الصين.
اليوم سوف نتحدث عن أزمة الآمطار الغزيرة والتغيرات المناخية التى تعرضت لها البلاد بحسبانها من أقرب تلك الازمات زمنيًا فى مواجهتها والتعامل معها حتى من قبل حدوثها.
من المعروف ان المرحلة الاولى فى ادارة الازمات هى مرحلة "التنبؤ" أو علامات الانذار المبكر وتاتى اهمية تلك المرحلة فى انها تعطى تنبيهًا ومؤشرًا لما سوف يحدث حتى ولو لم يحدث بنفس التوقع ولكننا هنا وجدنا ان التوقع كان فى محله تمامًا عندما تم الرصد بكل دقة على المنخفضات الجوية التى سوف تتعرض لها البلاد قبلها بحوالى 48 ساعة وهنا قام السيد وزير الرى بإخطار السيد رئيس الوزراء الذى أخذ المعلومات بمأخذ الجدية وأعلن عن الغاء الدراسة بالمدارس والجامعات واعقبها بكافة قطاعات الدولة خلال اليوم الذى تم تحديده بحسبان انه سوف يكون الذروة فى تلك التغيرات...وتم تشكيل غرفة مركزية لإدارة الازمة برئاسة رئيس الوزراء شخصيًا وممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية –التنمية المحلية – الرى – الصحة –الاسكان – التضامن – الزراعة – التموين – الكهرباء...بالاضافة الى ممثلى هيئات الارصاد الجوية والاسعاف والقابضة للمياه والصرف الصحى...وتم وضع تصور لكل وزارة منها بكيفية التعامل مع الازمة حال وقوعها...فى ذات الوقت قام الاعلام بكافة وسائله بالاعلان عن تلك التوقعات وكيفية التعامل مع الحدث عند وقوعه والتأهيل النفسى للشعب لذلك.
ثم جاءت المرحلة الثانية وهى مرحلة "تفاقم الازمة" والواقع انها جاءت طبقًا للتوقعات تمامًا بل تجاوزتها فى بعض المحافظات والاحياء السكنية إلا ان التأهيل السابق للسكان جعلهم يتعاملون معها بهدوء ودون انفعالات أو حتى إنتقادات بالرغم من محاولات الابواق المشبوهة فى الداخل والخارج استغلال ذلك لتأليب الشعب على أجهزة الدولة وهو الامر الذى باء بالفشل الذريع خاصة عندما رأينا جميعًا كافة الاجهزة المعنية تعمل بكامل طاقتها دون كلل أو ملل أو تذمر للدرجة التى جعلت الاهالى والشباب يساندونهم فى اداء عملهم ومهامهم رغم غزارة الامطار وتحول الشوارع الى بحيرات إلا ان الجميع عزفوا معًا سمفونية رائعة لم نشهدها منذ زمن بعيد حتى أن المساجد والكنائس وبعض الفنادق والمطاعم والبيوت فتحت ابوابها مجانًا لإستضافة العالقين فى الشوارع والميادين والبعض قاموا بتوزيع المشروبات الساخنة والوجبات على الرجال الذين كانوا يقومون بواجبهم فى أسوأ الاحوال المناخية إما لتنظيم المرور او لتصريف المياه او لإنقاذ احد المصابين...حتى ان المخابز لم تتوقف عن العمل حيث سمحت وزارة التموين بصرف كميات اضافية لهم من الدقيق وقامت وزارة التضامن بصرف الالاف الاغطية لسكان المناطق التى تضررت وكانت المعدات العملاقة التابعة للقوات المسلحة تقوم بدورها ايضًا فى التعامل مع المياه المتزايدة بشكل غير مسبوق وكذلك الحال فى جميع الوزارات التى قامت بواجبها على الوجه الاكمل – وكما ذكرت على ضوء الامكانيات المتاحة – بل وقد لاحظنا مدى احترام عقول المتابعين عندما تم الاعلان عن احتمالية قطع المياه فى بعض الاماكن حتى يسهل تصريف مياه الامطار التى كان إندفاعها يفوق قدرات بالوعات الصرف العادية على استيعابها وهو ما تم تقبله ايضًا من الجميع بالرغم من ان بعض المناطق استمرت فيها فترات انقطاع المياه والكهرباء لمدة طويلة نسبيًا الا انه تم تدارك ذلك بالشكل الذى أرضى الجميع حتى هدأت العاصفة وعادت الاجواء الى الهدوء المشوب بالحذر خلال اليومين التاليين للازمة.
وهنا بدأت المرحلة الثالثة وهى "إحتواء أثار الازمة" حيث يتم حاليًا دراسة تلك الخسائر التى سببتها الامطار والرياح العاصفة والعمل على وضع التصورات والاولويات لمعالجة هذه الاثار فى اسرع وقت ممكن حتى تعود الحياة الى طبيعتها فى كافة ربوع الوطن...ويبقى هنا المرحلة الاخيرة وهى مرحلة "الدروس المستفادة" وبدايتها اننا لا يجب ان نوجه اللوم للحكومة فى عدم وجود مصارف لاستغلال مياه الامطار على الوجه الامثل خاصة على ضوء ازمة سد النهضة – التى سوف نتناولها فى لقاء اخر بإذن الله – فللاسف لم تهتم الوزارات السابقة على ذلك من منطلق ان الاجواء المناخية فى مصر لا تستلزم ذلك خاصة وان شبكة تلك المصارف سوف تتكلف مليارات الجنيهات وبناء عليه فإننى أرجو ضرورة مدراسة الاسلوب الامثل لاستغلال تلك المياه وكذلك إعادة النظر فى رصف العديد من الطرق الرئيسية بالشكل التى يجعلها لا تتعرض لوجود برك كبيرة من المياه بها وهو ما تم تداركه بالفعل فى معظم المشروعات التى تمت منذ عام 2015 حتى فى المساكن المتوسطة والاحياء البسيطة مثل حى الاسمرات وغيط العنب وكذلك العاصمة الادارية الجديدة والعديد من الطرق التى تم إنشائها مؤخرًا.
أمامى الكثير مما اقوله من ايات الشكر والتقدير لكل من شارك فى تلك المنظومة الناجحة لادارة هذه الازمة المناخية التى لم تتعرض لها البلاد منذ فترات بعيدة ولكننى اكتفى ان اشيد بهم جميعًا....كما اشيد بالمواطن المصرى المحترم الذى تقبل توجيهات الحكومة وتعامل معها باحترام وتفاعل ايجابى ادى الى تقليل الخسائر التى كان من الممكن ان تحدث لولا هذا التعاون المثمر بين الشعب والحكومة والذى اتمنى ان يستمر هكذا دائمًا بإذن الله.
وتحيا مصر...