رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«وآمنهم من خوف».. «الدستور» في أماكن استضافة المشردين أثناء العاصفة

أماكن استضافة المشردين
أماكن استضافة المشردين


اعتاد الجلوس في الشوارع، ملتحفًا بالهم والجوع، مفترشًا الأرض بالبرد والمرض، أجساد بالية، ملابس ممزقة، شعر مجعد، تفوح رائحة الألم من جسده، اعتاد الجلوس قرفصاء في الشوارع متأملًا مظهر العابرين، المارة، أملًا أن ينظر إليه أحدهم بعطف ويعطيه قوت يكفيه ليوم كامل، هكذا تبدو أشكال المشردين، المجاذيب، خلال رحلتهم اليومية في شوارع مصر.

ضربت الخميس، الموافق الثاني عشر من مارس الجاري، البلاد عاصفة رعدية شديدة، رافقها منخفض جوي، مما أدى إلى سوء الأحوال الجوية بشكل كبير، فسالت السيول، وزخت الأمطار الرعدية، وهبت الرياح الشديدة، مما دفع هيئة الأرصاد الجوية إلى توجيه تحذيرات مسبقة للمواطنين من العاصفة التي عرفت باسم "عاصفة التنين"، وعدم الخروج إلا في أوقات الضرورة اللازمة.

حرص الجميع على الحصول على الدفء، والأمان في منازلهم بين أولادهم، ذويهم، إلا أن هناك قلوب لم تعرف أن تعيش هانئة مطمئنة البال، بعد أن فكروا جليًا في المشردين الهائمين على وجههم في الشوارع لا يوجد ما يحتمون به من الأمطار، ولا المأوى الذين يدسون فيه أجسادهم البالية للحفاظ عليها من قوة الرياح، التي بإمكانها اقتلاع الأشجار.

هم عدد من الأشخاص، المساجد، المطاعم، التي توفر مأوى مناسب للمشردين، وبدأوا في انتشالهم في الطرقات، حتى تسكن أرواحهم إلى دفء منازلهم، الأمر الذي دفع "الدستور" إلى أن تتدخل بين طرقات المأوى الذي احتضن المشردين بين جدرانه.

• مطعم بالمهندسين يطلق حملة "بيتكم مفتوح لكل الناس" لإيواء المشردين

في ظاهرة تعد الأولي من نوعها، التي يهم فيها أحد مطاعم المناطق الراقية إلى فتح أبوابه أمام المشردين، قرر مطعم بمنطقة المهندسين تدشين حملة تحمل عنوان "بيتكم مفتوح لكل الناس" بهدف إيواء الهائمين على وجوههم في الشوارع بلا مأوى.

قال محمد أحمد، أحد العاملين في مطعم روقة، لـ "الدستور" إن المطعم تتخذ قراره لتقديم هذه الخدمة أملًا في استيعاب كافة المشردين في منطقة الدقي، المهندسين، البحوث؛ لأنها في محيط المقر، موضحًا أنهم حتى صباح اليوم الجمعة، الموافق الثالث عشر من مارس الجاري، موجود لديهم في المطعم ما يزيد عن ثلاثين مشرد.

أوضح العامل في المطعم، أنه تم تجهيز المطعم في وقت لاحق للعاصفة ليكون أشبه بمنزل صغير، فغيرت الساحة الخاصة بطاولات الطعام به إلى أسرة، ودعم المكان بعدد من الدفايات لتوفير الدفء الكامل للمشردين، متابعًا أن هناك العديد ممن وصل إليهم أمر الحملة، جلبوا الملابس النظيفة إلى المطعم لتكون في استقبال المشردين حال توافدهم على المكان.

تابع، محمد أحمد، أن المطعم يوفر لهم وجبات الطعام التي كان يقدمها لزبائنه في الأيام العادية، دون الحصول على أي مقابل مادي منهم أو من أي شخص، معلقًا "بنأكلهم من اللي كنا بنقدمه للناس والمطعم يعمل بكافة طاقته".

"جتلنا فكرة الحملة دي علشان المنطقة اللي حوالينا مليانة مشردين والعاصفة هتمنعهم من أي أمان ده غير أنهم مستحيل يقدروا يستوعبوا الوضع في الشارع ووجود العاصفة هيخلينا قافلين أيامها فقررنا استضافتهم وتوفير كل حاجة ليهم"، بهذه الكلمات تحدث أحمد محمد، عن فكرة الحملة التي شنها المطعم، معلقًا "نفسي الناس كلها تآمن بيها وتكون جزء من حملة توفير مأوي للمشردين".

• خالد المصري: الدار مفتوحة ٢٤ ساعة لإنقاذ المشردين

على نفس النجو سار خالد المصري، الذي اتخذ قراره بإيواء المشردين خلال أيام عاصفة التنين، وسط دار تحفيظ القرآن الكريم "مكة" في منطقة المقطم، فإذا به يعلن لكل أهالي المنطقة أنه من يجد مشردًا في الشوارع فليجلبه إلى الدار.

"الجيران هما اللي ساعدوني في تجهيز المكان"، بهذه الكلمات بدأ خالد المصري، حديثه لـ "الدستور"، موضحًا أن عقبة توفير الدفء للمشردين لم تكن عائقًا بالنسبة إليه؛ لأن المكان مفروش كله بكميات كبيرة من السجاد الذي يسهم في توفير الدفء، إلا أن الملابس والبطاطين هي ما أعاقته، خاصًة وأنه لم يكن مستعدًا لهذا الأمر قبل العاصفة.

قال خالد المصري، إن جيرانه في المنطقة وفروا له كل ما يحتاج من مأكل، ملبس، غطاء، شراب، للمشردين، الذين بدأوا في التوافد منذ صباح أمس، الخميس الموافق الثاني عشر من مارس الجاري معلقًا "استقبلنا ناس كتير جدًا سواء كانوا في نطاق المنطقة أو بعيد عنها".

أوضح صاحب دار تحفيظ القرآن الكريم، صاحب الثلاثين عامًا، أن هذه المرة الأولى التي يقرر فيها إيواء مشردين في المكان، مؤكدًا أنها لن تكون الأخيرة؛ وأن دار "مكة" سنكون دائمًا قبلة المشردين في الأيام العصيبة، وأبدًا لن تغلق بابها في وجوههم.

تابع خالد، أن الدار لم تعد مأوى للمشردين وحدهم، موضحًا أن الدار استقبلت أعداد هائلة من المغتربين الذين توافدوا على المكان بعد توقف حركة القطارات، أمس الخميس، الموافق الثاني عشر من مارس الجاري، معلقًا "الموضوع بقي شامل كل الناس اللي مش لاقيين مكان يعيشوا فيه".
• يوسف: مش عارف أكون مرتاح في البيت وهما في الشارع

بعدما ضربت العاصفة البلاد، احتل الهم روح المواطن يوسف القرش، شاب في الثلاثين من عمره، أحد سكان القاهرة، فهب مسرعًا لانتشال أجساد المشردين البالية من المياه المتدفقة من السماء، والرياح الشديدة في كافة أنحاء العاصمة.

خرج يوسف بعربته ذات الدفع الرباعي، ليبحث عنهم في كافة المناطق، وبمجرد أن يحصل على مشرد يأخذه إلى منزله ويبدأ في عملية تغيير ملابس المشرد المبللة، توفير الطعام، الشراب، وليتحول منزله إلى مسكن دائم لجميع المشردين.

قال يوسف القرش، لـ " الدستور" إن رحلته بدأت منذ، صبح الخميس، الموافق الثاني عشر من مارس الجاري، وبحث عن المشردين؛ لحمايتهم من السيول التي أغرقت الشوارع، معلقًا "مهو أنا مش عارف أعيش مرتاح وهما مرميين في الشارع ملهمش حد".

تابع الشاب الثلاثيني، أنه أصبح يأوي حتى الآن ما يزيد عن أربعين مشردًا من الشوارع، موضحًا أنه أصبح يقدم خدمة الإقامة للعديد من المغتربين الذين توافدوا إلى القاهرة وتقطعت بهم السبل قبل عودتهم إلى محافظاتهم مرة أخرى.

أضاف القرش، أن جيرانه والأهالي، ساعدوه في عملية توفير الملابس التي عادًة ما يحتاجها المشردون بعد أن يصبحوا في مكان آمن، لأن معظمهم تكون ملابسه ممزقة، مبتلة، لا تصلح للاستخدام الآدمي من الأساس.

"هعمل ده على طول وهيفضل موجود كل ما الجو بالمنظر ده ومش هبطل أبدًأ أنتشل المشردين"، بهذه الكلمات أكد يوسف، أن خدماته ستظل قائمة لكل المشردين والمغتربين خلال الظروف الصعبة كالعواصف والأمطار وغيرها، مطالبًا كل الأهالي بمساعدة المشردين خلال تلك الأزمة التي تمر بها البلاد.

أضاف يوسف، أن ما حدث في تلك العاصفة لا بد أن يجعل الأهالي ينظرون بشكل آخر للمشردين وأن يتخيلوا أنفسهم في مكان هؤلاء المشردين، معقبًا "أصل لو كل واحد راعى مشرد واحد بعد كده مش هنلاقي الشكل اللي بنلاقيه في الشارع ده ومش هنلاقي أي صورة من اللي إحنا بنحاول نهرب منها".