رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منابر المساجد.. للأطباء فقط


مع تعليق الدراسة فى المدارس والجامعات لمدة أسبوعين، وتخصيص ١٠٠ مليار جنيه لخطة مواجهة فيروس كورونا، أو «كوفيد- ١٩»، إضافة إلى ما قررته كل مؤسسات الدولة، نرى أن العبء الأكبر يقع على وزارة الأوقاف، التى اتخذت بالفعل قرارات مهمة، ونطالبها بأن تتم «جميلها» وتترك منابر مساجدها للأطباء، خلال هذين الأسبوعين. ولا نعتقد أن وزارة الصحة ستعجز عن توفير العدد الكافى من أطبائها المؤهلين للقيام بهذه المهمة أو أداء هذا الواجب.

فعلها «المسجد القديم»، بمدينة طولكرم الفلسطينية، وأتاح منبره لطبيب متخصص فى الأمراض الباطنية، تحدث عن نشأة فيروس كورونا وأسباب انتشاره. وأوضح أن «أفضل وسيلة للعلاج هى الوقاية». ونصح المصلين بالبقاء فى منازلهم وعدم الخروج إلا للضرورة، والبعد عن التجمعات. كما حثهم على «غسل اليدين بالماء والصابون وبالمعقمات، والابتعاد عن تدخين الشيشة (الأرجيلة)، والحرص على التغذية المتكاملة». وأوصى «بتنظيف جميع الأسطح التى يتم لمسها بشكل متكرر فى مكان العمل ومقابض الأبواب، وأية مرافق عامة». كما نصح كل من يشعر بأى أعراض التوجه للفحص، وأن يلتزم بإجراءات الحجر إذا تطلبت حالته ذلك.

فى إطار الدعوة بالحال قبل الدعوة بالمقال، وعملًا من وزارة الأوقاف على الوفاء بواجبها الدينى والوطنى فى الحفاظ على الأرواح، وانطلاقًا من رؤيتها أو فهمها لفقه النوازل والتخفف من جميع التجمعات غير الضرورية الحتمية فى الوقت الراهن، قررت الوزارة قصر العمل بالمساجد على الصلاة وخطبة الجمعة، وبما لا يزيد على خمس عشرة دقيقة فى وقت الخطبة. ودعت إلى قصر العزاء على مراسم تشييع الجنازة دون إقامة السرادقات، وكذلك الحال ومن باب أولى فى إقامة الأفراح بقصر الدعوة فيها على الأسرتين ما أمكن وخواص الخواص إذا لزم الأمر، لأن الحفاظ على الأرواح مقدم على كل هذه المظاهر، ودرء المفسدة مقدم على كل ذلك.

بدءًا من أمس الأحد، قامت الوزارة بتعليق العمل فى جميع دور المناسبات التابعة لها. ومن المفترض أن تكون قد اعتذرت للحاجزين وبدأت فى رد المبالغ التى دفعوها. كما قامت الوزارة، أو من المفترض أن يكون قد قامت، بالتنبيه على جميع العاملين بعدم السماح بإقامة أى عزاء أو عقد قران أو غير ذلك بالمساجد أو ملحقاتها أو دور المناسبات التابعة لها. وأهابت بجميع المواطنين الشرفاء التعاون معها فى ذلك والاستجابة لهذا النداء، إعلاءً للمصلحة الوطنية، مع التأكيد على أنه لا منع على الإطلاق للصلاة على الجنازة فى المسجد.

جهد مشكور، قامت به أيضًا دار الإفتاء المصرية، التى نشرت فى حسابها على «فيسبوك»، أربع وصايا، بدأتها بأن «على المسلم ألا يصيبه الخوف والهلع الشديد من الابتلاءات التى قد تصيبه أو تصيب من حوله، بل عليه أن يتحلى بحسن الظن بربه وخالقه سبحانه». ثم نصحت من يصيبه «شىء من هذا البلاء» بأن «يصبر ويأخذ بأسباب العلاج». كما أوجبت الأخذ «بأسباب الوقاية والسلامة الصحية المتبعة لدى الجهات المعنية». فقط، نتحفظ على دعاء قالت دار الإفتاء إن من يقوله ثلاث مرات صباحًا ومساءً «لا يصيبه شىء من البلاء إن شاء الله»، لأننا سنكون أمام كارثة، لو اكتفى البعض بهذا الدعاء وتجاهلوا ما سبقه!.

مع هذه الوصايا، نشرت دار الإفتاء «فيديو موشن جرافيك»، أوضحت فيه أن العالم شهد فى الماضى «انتشار موجات من الأوبئة والفيروسات أخذت دورتها ثم اختفت»، وأوجبت أن «نثق بالله ونأخذ بالأسباب التى دعانا إلى اتخاذها فنكون على علم بطرق الوقاية من هذه الأوبئة والفيروسات وأهمية النظافة الشخصية، إلى جانب اتباع الإرشادات التى تعلن عنها المؤسسات الصحية». وكانت لفتة طيبة أن تشير دار الإفتاء إلى أن «فيروس الإرهاب الخبيث وما يولده أيضًا من فيروسات نفاقية لا أخلاقية هو الأشد ضراوة، خاصة إذا اكتسى برداء الدين»، محذّرةً من أننا لو قصرنا فى مواجهته فستبقى شعوب العالم كله تعانى خطرًا حقيقيًا من هذا الفيروس.

المهم، هو أن مصر بها أكثر من ١٣٢ ألف مسجد وزاوية، نرى ضرورة ألا يعتلى منابرها، خلال الأسبوعين المقبلين، على الأقل، غير الأطباء، إذ لا جدوى من أى جهود للتوعية مع إصرار كثيرين ممن يعتلون تلك المنابر على تقديم «روشتة إسلامية» لمواجهة البلاء. كما لا نبالغ لو قلنا إن كل الإجراءات، التى اتخذتها الدولة والـ١٠٠ مليار جنيه، التى ستنفقها، ستذهب سدى، أو مع الريح، فى وجود متطرفين، موتورين، جهلاء أو بلهاء لو أحسنت الظن بهم، يحاولون تصدير فكرة أن الوباء، أو أى ابتلاء، «غضب من الله»، لأسباب تختلف، باختلاف توجهات وانتماءات وأهداف المتطرف، الموتور، الجاهل، أو الأبله.