رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دعاء رفع البلاء والكرب والغم «١-٢»



«وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِى الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِى الْمُؤْمِنِينَ» (الأنبياء: ٨٧).
من الأدعية القرآنية العظيمة التى يتعلق بها قلب المؤمن كلما أصابه هم أو غم، فيتوجه به إلى الله تعالى سائلًا أن ينجيه مما أصابه، وأن يذهب عنه ما أهمه، مثلما نجى نبى الله يونس عليه السلام، حينما التقمه الحوت فى البحر، فكان التسبيح والذكر سببًا فى تفريج همه، وإخراجه من بطن الحوت.
لم يكن فى ظلمة واحدة، ولكن ظلمات، هى ظلمة بطن الحوت، وظلمة المحيط، وظلمة الليل، وبالتالى فهى ثلاث ظلمات، وظلمات الليل هى رمز البلاء والغم، وكأن ربنا يقول لنا: فى هذا الجو الملىء بالبلاء والكرب والظلمة والهم والغم نادى يونس بهذا الدعاء «لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ»، فجاءته الاستجابة سريعة من الله عز وجل وهو ما يتضح من قوله تعالى: «فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ».
فعلى كل مهموم أن يلجأ إلى الله بهذا الدعاء القرآنى، لعله يصيبه من بركته، وأن ينقشع عنه حزنه، وهمه، ويأتيه الفرج من الله الذى ليس بعد ضيق، فمهما بلغ بك من ضيق وهم، لن يكون أبدًا فى ضيق وهم يونس عليه السلام، ومع ذلك نجاه الله بفضل مداومته على هذا الدعاء، وتسبيحه الدائم فى بطن الحوت.
والنجاة هنا ليست حصرًا على يونس كما قد يعتقد البعض، بل هى «روشتة إيمانية» لكل إنسان مهموم، بأن عليه أن يلجأ إلى الله بالذكر والتسبيح والاستغفار، وأنه كما نجا يونس من همه العظيم، كذلك سيفرج عنه كربه، كما وعد الله بقوله: «وَكَذَلِكَ نُنْجِى الْمُؤْمِنِينَ».
والنبى، صلى الله عليه وسلم، سمع رجلًا يدعو بهذا الدعاء: «لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين»، فقال لقد دعا باسم الله الأعظم الذى إذا دُعى به استجاب، وذلك لأن فيه التوحيد والتسبيح والاعتراف بالذنب بين يدى الله عز وجل، وهى ثلاثة أمور يحبها الله عز وجل.
وعندما سأل رجلًا النبى، صلى الله عليه وسلم، هل استجابة الله لهذا الدعاء خاصة بسيدنا يونس عليه السلام؟، قال النبى: لا بل هى عامة لكل مؤمن، ألم تسمع قول الله «وَكَذَلِكَ نُنْجِى الْمُؤْمِنِينَ». لم يقل وكذلك ننجى المتقين، ولا أولياء الله الصالحين، ولكنه جعل الدائرة واسعة لتشمل كل مؤمن يدعو بهذا الدعاء.
وقصة هذا الدعاء القرآنى، هو أن الله تعالى أرسل يونس ابن متى، الذى ينتهى نسبه إلى بنيامين شقيق سيدنا يوسف وصولًا إلى خليل الله إبراهيم- عليهم جميعًا السلام- برسالته إلى أهل نينوى فى العراق، والمعروفة حاليًا بالموصل، بعد أن شاع بينهم الشرك، فدعاهم إلى ترك عبادة الأصنام، والتوجه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، لكنهم لم يستجيبوا له، وأصروا على ما هم فيه من ضلال.
ظل يونس عليه السلام يدعو قومه لمدة ٣٣ عامًا، ومع ذلك لم يؤمن معه سوى رجلين فقط، فتركهم غاضبًا، وهجر بلدتهم، وما إن غادرهم حتى ظهر غضب الله عليهم، فهلت السُّحب السوداء، وغشيهم دخانها، واسودت سطوحهم، فأيقنوا أن عذاب الله تعالى آت لا مفر منه، فخافوا ووجِلوا، وبحثوا عن يونس عليه السلام، من أجل أن يهديهم طريقة التوبة والإنابة، لكنهم لم يجدوه.