رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قيود

زكريا-صبح
زكريا-صبح

ها أنت تقف فوق الجسر الذى خلا من المارة والباعة، ولم يبق سوى بعض السيارات التى تمرق بين لحظة وأخرى، مخلفة ضجيجًا مؤقتًا.
يمر هدير محركاتها عبر أذنيك غير الواعيتين فتلفتك عن صفحة الماء التى تبتسم لك فتزداد رغبتك فى عناقها.
تتراءى لك صفحة الماء كامرأة تفتح ذراعيها تدعوك لحضن دافئ.
اللحظة مواتية، ليس عليك سوى أن تضع إحدى قدميك على العارضة السفلية من سور الجسر وتدفع جسدك لأعلى، فتجد نفسك واقفًا فوق السور.
لن يصرخ فيك أحد كى ينهاك، ولن يستعطفك طفلك الصغير ولّا أولادك الكبار، فهم يغطون الآن فى نوم عميق.
وامرأتك لن ترجوك أن تبقى ولّا لما دفعتك إلى هذا القرار.
ستقف على السور وإياك أن تلتفت يمينًا أو يسارًا أو خلفك، وإلا سقطت فجأة وفقدت متعة رحلة لن تستغرق سوى بضع ثوان، لكن صورتها ستبقى محفورة فى ذاكرة الروح ساعة تحررت من ثقل الجسد المترهل.
ستبقى حلاوة كسر القيد وفك الأسر تملأ صدرك بهواء الحرية.
عليك الآن أن تسقط بإرادة حرة تنفيذًا لقرارك الذى اتخذته صباح اليوم.
قلت أنا أكره الحياة، ولأن المنطق يقول: من يكره الحياة يغادرها، ولأنك متسق الذات تقف الآن فوق سور الجسر كى تفعل..
إياك أن تنزلق إحدى قدميك فتكون فقدت احترامك لنفسك ويكون سقوطك رغمًا عنك
قف منتبهًا
شدّ القامة
اجعل من ذراعيك جناحين
كن مثل الطائر..
انج الآن..
ونل ثقة بالذات الكارهة حياتك..
القمر كان ذكيًا وجريئًا جعل من نفسه شاشة عرض عملاقة، فرأيت صغيرك يلهث خلفك يصرخ فى الفضاء الذى يفصل بينكما..
وامرأتك تبكى من فرط الخوف الساكن فى المجهول.
ورأيت الأولاد الأربعة يستدعونك فى الأحلام..
فالئم ذراعيك وسكنًا إلى جنبيك
وتشبثت بسور الجسر
وعادت قدماك تضرب سطح الجسر بخطوات مرتجفة والناس كانوا كثير، إذ يلتفون حولك، ولم تكن على الجسر سيارات تمرق.