رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمطار من الحديد المنصهر!



كل بلاوى كوكب الأرض ستهون عليك، أى ستصبح هيّنة وبسيطة، لو قارنتها ببلاوى مزعومة تحدث على كوكب «واسب -٧٦ب»، الذى يقع على بعد ٦٤٠ سنة ضوئية تقريبًا. ولعلك تعرف أن سرعة الضوء تساوى ٣٠٠ كيلومتر فى الثانية، وأن السنة الضوئية هى المسافة التى يقطعها الضوء خلال سنة فى الفراغ، وتقل قليلًا عن ٩.٥ تريليون كيلومتر.
حالة عدم الاستقرار فى الأحوال الجوية، المعروفة باسم منخفض التنين، من المفترض أن تكون قد انتهت مساء أمس الجمعة. وطبقًا لما أعلنته الدكتورة إيمان شاكر، مدير مركز الاستشعار عن بعد بالهيئة العامة للأرصاد الجوية، فإن حالة الطقس ستبدأ فى التحسن بعد ظهر اليوم السبت، على كافة أنحاء الجمهورية، لتعود الشمس إلى السطوع، وتهدأ سرعة الرياح، وتقل فرص سقوط الأمطار، وتصبح الحياة «لونها بمبى» إلا قليلًا!.
لا مانع، إذن، من أن نلهو ونلعب ونقوم بتضييع بعض الوقت مع دراسة عبثية نشرتها مجلة «نيتشر» عن ذلك الكوكب الغريب، الذى ينتمى إلى نوع من الكواكب توصف بالكواكب الغازيّة، التى ليس لها معالم سطحية واضحة، بل تتدرج درجة كثافة أغلفتها تصاعديًا فى اتجاه المركز: من الحالة الغازية إلى الحالة السائلة أو القريبة من السائلة، لذلك لا يمكن أن يحط الإنسان، أو الحيوان، على سطحها.
الدراسة التى نشرتها مجلة «نيتشر»، أجراها فريق من الباحثين يرأسه ديفيد ارينرايتش، أستاذ الفلك بجامعة جنيف. ونراها عبثية، ليس فقط لبعد الكوكب عن الأرض بحوالى ٦ آلاف تريليون كيلومتر، ولكن أيضًا لأنه لا يمكن، عمليًا أو نظريًا، قياس قُطر هذا النوع من الكواكب أو مساحتها أو حجمها أو درجة حرارة سطحها. ومع ذلك، قالت الدراسة إن حجم ذلك الكوكب، كوكب «واسب -٧٦ب»، يساوى ضعف حجم كوكب المشترى، أكبر كواكب مجموعتنا الشمسية. كما زعم الباحثون، الذين قاموا بالدراسة، أنهم راقبوا ذلك الكوكب عبر أداة اسمها «إسبرسو» يستخدمونها فى البحث عن الكواكب بالمرصد الأوروبى الجنوبى بدولة تشيلى. وخلاصة ما انتهوا إليه هو أن الفرصة مهيأة بنسبة ١٠٠٪ لسقوط أمطار من الحديد السائل!.
لوكالة «رويترز» قال الأستاذ ارينرايتش إن «الأحوال الجوية المتطرفة التى قابلناها فى (واسب -٧٦ب) وأشباهه من الكواكب الغازية العملاقة شديدة الحرارة، لا توجد فى أى مكان من مجموعتنا الشمسية». وأوضح أن «هذه الأجسام الغريبة معامل فريدة لاختبار نماذجنا المناخية وفهم أكثر أشكال التحول الجوى تطرفًا». ثم زعم أن أمطار الحديد السائل ربما تكون ملمحًا فريدًا من ملامح هذه الكواكب.
يقع هذا الكوكب، بحسب الدراسة، على مسافة شديدة القرب من نجمه الذى يعادل حجمه تقريبًا ضعف حجم الشمس. والفلك الذى يدور فيه يساوى ثلاثة أمثال قطر النجم، أى أنه على مسافة أقرب كثيرًا من مسافة كوكب عطارد من الشمس. وكنتيجة طبيعية لهذا القرب فإنه يستقبل كمية من الإشعاع تزيد على ٤٠٠٠ ضعف الأشعة الشمسية التى تستقبلها الأرض. ما يجعل درجة الحرارة على سطح هذا الكوكب تصل نهارًا إلى ٢٤٠٠ درجة مئوية. الأمر الذى يتسبب فى تبخر الحديد. وبالتالى، حين تحمل الرياح القوية البخار، بخار الحديد، إلى الجانب المظلم، الأقل حرارة من الكوكب، يتكثف ويتحول إلى قطرات من الحديد السائل، تهبط على رءوس من فى ذلك الكوكب، الخالى قطعًا من أى رءوس!.
ما يجعلك تتشكك فى صحة هذا الكلام، هو أن الحديد يتكوّن داخل النجوم العملاقة عند نهاية دورة حياتها، فى عملية تسمى بعملية احتراق السليكون. وتبدأ تلك العملية عندما تندمج نواة ذرة كالسيوم مستقرة مع نواة ذرة هليوم، لتتكون ذرة تيتانيوم غير مستقرة. وقبل أن تتحلل ذرة التيتانيوم غير المستقرة تندمج مع ذرة هليوم أخرى، لتتكون ذرة كروم غير مستقرة. ثم قبل أن تتحلل ذرة الكروم غير المستقرة تتحد مع ذرة هليوم أخرى، لتكوين ذرة حديد غير مستقرة. وقبل أن تتحلل ذرة الحديد غير المستقرة تتحد مع ذرة هليوم أخرى، لتكوين ذرة نيكل غير مستقرة. ثم تتحلل ذرة النيكل غير المستقرة إلى ذرة كوبالت غير مستقرة، والتى تتحلل أخيرًا إلى ذرة حديد مستقرة. وعند هذه النقطة لا تندمج ذرات الحديد المستقرة مع أى عنصر آخر، فيتشكل قلب النجم ويتجمد، ويبدأ فى الاستقرار.
للأسف، لا يمكن لغير ذوى القدرات الخارقة كـ«جروبات الماميز» التأكد من صحة ما تضمنته دراسة «نيتشر» العبثية، لأن الرحلة إلى هذا الكوكب تستغرق عشرات الملايين من السنين. وللتبسيط، فلو كان لديك صاروخ «أفانجارد» الروسى، الذى يسير بسرعة ٦ كيلومترات فى الثانية (أى ١ على ٥٠ ألف من سرعة الضوء) فإنه سيصل إلى هذا الكوكب بعد حوالى ٣٢ مليون سنة!.