رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حقيقة لا يمكن إنكارها




تحدث معى الكثير من المثقفين عن بعض الظواهر الإيجابية التى لمسوها من خلال تعامل الشرطة مع الجمهور، وقالوا إنهم لمسوا تحولًا جذريًا فى طريقة تعامل رجال الشرطة من خلال كل فئاتهم، ابتداءً من المجند الواقف فى الشارع لتنظيم المرور إلى كبار الضباط من الرتب العليا، وقالوا إن لهجة التعامل مع المواطنين تغيرت تمامًا ١٨٠ درجة عما كانت عليه الشرطة قبل يناير ٢٠١١.
ولما طلبت منهم أن يكتبوا ذلك فى مقالاتهم أو حتى على صفحاتهم بعضهم تردد والبعض الآخر تناسى تمامًا.
وكان بعضهم قد وضع طريقة تعامل الشرطة مع الناس نصب عينيه، وكان يركز عليها كل مقالاته فى تلك الفترة الماضية، ولم يتوقف عن الغمز واللمز لسلوك الشرطة إلا مؤخرًا.
الغريب أن وسائل الإعلام لا تشير إلى ذلك، حتى أولئك الإعلاميون الذين كانت لهم مواقف عنترية من رجال الشرطة سكتت أصواتهم تمامًا. وفى مصر، قبل ذلك، كان هناك توتر دائم فى علاقة الشرطة بالمواطنين، على مدار سنوات طوال. ولكن أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١ زادت من حدة التوتر، حيث تسببت المواجهات العنيفة بين الشعب الثائر والشرطة، التى واكبت هذه الأحداث فى وصول الاحتقان لدى الشعب إلى ذروته؛ فقد وضع النظام الحاكم الشرطة كدرع قوية تصد الشعب وتمنعه عن إسقاط النظام، وزاد من هذا الاحتقان سقوط المئات من القتلى والجرحى فى صفوف المتظاهرين، كما سقط عشرات من رجال الشرطة أمام غضبة الجماهير، وزاد الأمر سوءًا باختفاء رجال الشرطة من الشوارع وعدم قيامهم بدورهم الأهم، وهو حفظ الأمن فى المجتمع. والحقيقة أن مسألة اختفاء الشرطة فى ذلك الوقت ما زالت هناك شكوك تحوم حولها، وهل هناك من أصدر مثل هذا القرار؟ ما زال هذا الأمر سرًا من الأسرار. كما لم يصدر أى قرار عن أى مسئول يفيد بتسريح رجال الشرطة.
وإن كنت أرجح أن هناك عاملين كان لهما أثر كبير فى إحجام رجال الشرطة عن التواجد فى مقار أعمالهم، حتى وإن تواجدوا فيها، فقد تمترسوا فيها للدفاع عنها.
حيث قام عدد من البلطجية، بالاتفاق مع تنظيم الإخوان، باقتحام السجون دون أن يدركوا أن ما يفعلونه سيفتح عليهم ملحمة دماء، فقد تمكنوا من اقتحام ستة سجون مصرية وإطلاق المسجونين ليضعوا الشوارع المصرية على حافة المجهول، وشهدت مصر فى هذا اليوم ساعات متواصلة من الفوضى والرعب الذى عم البلاد، فبعد أن قام المصريون بمهاجمة رجال الأمن والشرطة ورفضوا أى حماية منهم، تولت اللجان الشعبية مسئولية حماية مناطقها من مسجلى الخطر والمسلحين.
ما حدث من رجال الشرطة كان مرجعه إلى:
أولًا: كابوس ما حدث يوم ٢٨ يناير ٢٠١١ والمعروف إعلاميًا بجمعة الغضب، حيث تم تهديد أمن البلاد بأكملها، نتيجة تنفيذ مخطط إخوانى لتدمير الدولة وحرقها، وكان فى مقدمتها حرق كل أقسام الشرطة فى المدن الكبرى ومحاولات الاعتداء عليها وسرقة أسلحتها، والسيارات والمعدات، وإشاعة حالة الانفلات الأمنى وانتشار الجريمة المنظمة، وكان من نتائجها تكوين ٣ آلاف عصابة مسلحة، وهروب ٢٣ ألف سجين جنائى، واقتحام وحرق عدد كبير من السجون وأقسام ومراكز الشرطة، ونهب عدد كبير من الأسلحة النارية.
ثانيًا: ما جاء فى تقرير لجنة تقصى الحقائق حول أحداث العنف التى صاحبت ثورة ٢٥ يناير، برئاسة المستشار عادل قورة، الذى عرض فى مؤتمر صحفى صباح الثلاثاء، ١٤ أبريل ٢٠١١. أن الشرطة المصرية استخدمت «الرصاص الحى» ضد المتظاهرين فى أحداث ٢٨ و٢٩ يناير.
ثالثًا: كانت هناك تعليمات بتجريدهم من الأسلحة الشخصية، ومنعهم من حمل السلاح.
فقد شعر رجال الشرطة وقتها بأن الدولة تحملهم مسئولية ما حدث فى البلاد، وأنهم أصبحوا كبش فداء لنظام يتهاوى.
ولكن يجب أن نتوجه لهم بالتحية على هذا التحول الكبير فى ظل دولة جديدة.