رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محاولة اغتيال حمدوك



السودان لا ينطق بلسانه إلى الآن. ولا يمكن أن تتأثر علاقتنا، نحن المصريين، بالشعب الشقيق بأى زلات يرتكبها ذلك اللسان أو أى حماقات صغيرة، مواقف مؤسفة، أو بيانات كاذبة تحمل توقيع وزيرة خارجية، كانت بعيدة عن العمل الدبلوماسى، وعن الدنيا كلها، لسنوات طويلة، قبل أن يتم استدعاؤها لشغل ذلك الموقع!.
انطلاقًا من حرصنا على استقرار البلد الشقيق، تلقينا بقلق بالغ خبر تعرض عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء السودانى، لمحاولة اغتيال فى الخرطوم، صباح أمس الإثنين. وزاد قلقنا حين ذكرت الإذاعة السودانية الرسمية «راديو أم درمان» أن حمدوك تم نقله إلى المستشفى. قبل أن يعلن التليفزيون السودانى، لاحقًا، أنه «بخير» وتم نقله إلى مكان آمن، اتضح أنه مجلس الوزراء، من صورة نشرتها وكالة الأنباء السودانية، يجلس فيها الرجل على مكتبه!.
حمدوك كان متجهًا إلى مكتبه فى موكب من ثلاث سيارات «لاند كروزر» مصفحة رباعية الدفع، وعند كوبرى «كوبر»، الذى يربط شمال العاصمة الخرطوم بوسطها، حيث يقع مكتب حمدوك، قام إرهابيون بإطلاق الرصاص، على الموكب، بالتزامن مع انفجار عبوة ناسفة، أصابت سيارة تقل الحراس، واصطدمت بها سيارة ثانية كانت تقل رئيس الوزراء، الذى لم يسفر الحادث عن إصابته ومرافقيه بأى أذى، باستثناء شخص واحد أصيب بجرح طفيف فى كتفه نتيجة سقوطه عن دراجة نارية «موتوسيكل». ومن مقاطع الفيديو التى تم تصويرها من مكان الحادث يمكنك استنتاج أن السيارات المصفحة لعبت الدور الأكبر فى إنقاذ رئيس الوزراء السودانى ومرافقيه، وأن العناية الإلهية تولت حماية راكبى الموتوسيكلات والمواطنين.
الحادث الإرهابى يحمل بصمة جماعة الإخوان. وما يرجح ذلك هو أن السلطات الأمنية السودانية كانت قد ألقت القبض، فى ١١ فبراير الماضى، على خلية إرهابية فى إحدى ضواحى العاصمة الخرطوم. واتضح من اعترافات أحد أفراد تلك الخلية أنهم ينتمون إلى جماعة الإخوان فى مصر، وتم إرسالهم إلى السودان منذ نحو ستة أشهر، عن طريق التهريب، بعد تلقيهم تدريبات على صناعة وتركيب المتفجرات، وأنهم عقدوا اجتماعات فى مدن ولاية الخرطوم الثلاث، خططوا خلالها لتنفيذ عمليات إرهابية. كما يمكن ربط محاولة الاغتيال، أيضًا، بمحاولة التمرد الفاشلة التى قادتها مجموعة من أفراد هيئة العمليات، التى كانت تتبع جهاز الأمن والمخابرات، منتصف يناير الماضى. وهى المحاولة التى عدّها سياسيون سودانيون مؤشرًا على خطط الإخوان الخبيثة لقطع الطريق أمام التحول الديمقراطى.
اللافت، هو أن الحادث الإرهابى جاء قبل مرور ٢٤ ساعة على إعلان وزارة الخزانة الأمريكية أن إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب باتت مسألة وقت. وبعد يومين من تقديم مشروع قانون إلى الكونجرس الأمريكى بشأن «التحول الديمقراطى فى السودان»، يستهدف دعم مساعى تخفيف عبء الديون وحصول السودان على التمويل من المؤسسات المالية الدولية، شريطة استيفاء معايير الإدارة والشفافية المالية بالبلاد. وقبل هذا وذاك، بات فى حكم المؤكد أن الإدارة الأمريكية ستعلن القرار، قرار حذف السودان من القائمة، خلال زيارة عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالى السودانى، الشهر الحالى، إلى واشنطن. ليس فقط لأن الحكومة الانتقالية وافقت على تسوية جائرة لملفات تفجير «المدمرة كول» فى ميناء عدن وسفارتى أمريكا بدار السلام ونيروبى. ولكن أيضًا بسبب تقاربها مع الإسرائيليين، الذى سبق ولحق لقاء البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الشهر الماضى فى أوغندا.
يؤكد ذلك، أيضًا، أن الخارجية السودانية تلقت خطابًا من نظيرتها الأمريكية، الأربعاء الماضى، بشأن إنهاء كافة العقوبات الاقتصادية بموجب الأمرين التنفيذيين الصادرين فى يناير ٢٠١٧. وكذا زيارة وفد وزارة الخزانة الأمريكية، الذى يعمل على ملف مكافحة تمويل الإرهاب، إلى الخرطوم، الأحد الماضى، ولقائه برئيس الوزراء السودانى. وعليه، بدت أسماء عبدالله، وزيرة الخارجية السودانية، وكأنها تعيش فى عالم آخر، أو تسبح فى بحار أخرى، حين حثت الوفد الأمريكى، فى بيان، «على المساهمة فى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب». وربما اعتقدت أن الوفد الأمريكى يعيش معها فى عالمها أو يسبح معها فى بحارها، فأوضحت له أن ذلك «يسمح للسودان بالتعامل مع المؤسسات المالية وتسهيل التحويلات المالية»!.
بغض النظر عن ذلك، فإننا نكون أمام معضلة أو مفارقة حين يتعرض رئيس الوزراء السودانى لمحاولة اغتيال، قبل أيام أو أسابيع، من رفع اسم بلاده من قائمة الدول الراعية للإرهاب. ما يؤكد، مجددًا، أن البلد الشقيق سيظل ملعبًا أو أرضًا خصبة للإرهابيين، وأن الأشقاء لن يتمكنوا من إدارة شئونهم على النحو الذى يلبى آمالهم وتطلعاتهم، إلا لو تخلصوا من الإخوان، الذين تغلغلوا طوال عقود، فى كل مؤسسات الدولة، وأحكموا قبضتهم على كل مؤسساتها العسكرية، الأمنية، الدبلوماسية والاقتصادية، العامة والخاصة.