رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسائل أبناء الشهداء لآبائهم: «أنا ابن البطل»

عظّم شهيدك
عظّم شهيدك


تحتفل مصر فى التاسع من مارس كل عام بـ«يوم الشهيد»، وهو ذكرى استشهاد الفريق الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الذى استشهد عام ١٩٦٩، وهو أحد أشهر العسكريين المصريين خلال النصف الثانى من القرن العشرين، شارك فى الحرب العالمية الثانية وحرب فلسطين وحرب ١٩٥٦ وحرب الاستنزاف، وتوفى على الجبهة المصرية أثناء زيارته القوات فى حرب الاستنزاف.
وبهذه المناسبة العطرة، التقت «الدستور» أبناء بعض الشهداء، ورصدت رسائلهم التى وجهوها للراحلين، والتى حملت معانى الفخر بالشهادة فى سبيل الوطن.



مليكة وتالية: نفسنا ينزل من السما يفسّحنا ويرجع تانى.. ونقرأ «الفاتحة» له كلما افتقدناه

رغم أن سنها لم تتجاوز ٦ سنوات إلا أن «مليكة»، ابنة الشهيد محمود طلعت، قائد كتيبة استشهد فى شمال سيناء، إلا أنها تعلمت الكثير عن الحياة وحب الوطن، وحملت على عاتقها مهمة تفسير اختفاء والدها لأختها الصغيرة «تالية»، ٤ سنوات.
تقول «مليكة» إنها تصطحب أختها الصغيرة إلى شُرفة المنزل كل يوم وتنظران إلى السماء وتطلبان من الله أن تريا والدهما مرة واحدة فقط، ليذهبا معه فى نزهة: «نفسنا نتفسح معاه مرة».
وتضيف أن أمها علمتها أن تقرأ له سورة الفاتحة كلما شعرت بافتقاده، ثم ترفع يديها إلى السماء وتدعو له.
الأم بسمة عبدالنبى، قالت: «مليكة بتسألنى كتير: (هو بابا راح فين؟.. وليه مش هايرجع تانى عشان أحكى له عن اللى حصل معايا وعن الشهادة اللى أخدتها من المدرسة؟)، وأرد عليها قائلة: (إن أباك شهيد وذهب إلى الله فى السماء).. أحاول أن أمنحها السلام».
وأضافت الأم: «صنعت لهما مجسمًا بالحجم الطبيعى لأبيهما، ليس لهما فقط بل لى أيضًا لأننى أفتقده بشدة.. تقف كل منهما أمام المجسم.. تلمسانه.. وتمسك مليكة بيد تالية وتحكيان للأب تفاصيل يومهما وتحتضنانه قبل أن تخلدا للنوم». وتابعت: «تالية تسألنى: (ليه بابا ما أخدش موبايل معاه السما عشان نتطمن عليه؟).. فأقول لها إن قراءة الفاتحة رسالة تصل إلى الشهيد، فتقرأ الفاتحة كما علمتها وتحتضن التمثال».
عمر: بكيت لما شفت صاحبى مع أبوه

عمر، ١٠ سنوات، هو الابن الأكبر للشهيد أحمد محمد عبده إسماعيل، شهيد القوات المسلحة الذى توفى خلال اشتباكات مع التكفيريين فى سيناء، قال: «بابا كان بيجيب لى كل حاجة عايزها، وكان بيلعب معايا دايمًا.. بيوحشنى قوى». وأضاف «عمر»: «كان يقول لى إنه يحب مصر، وكان يطلب منى أن أكون مثله عندما أكبر».
وواصل: «بابا مات يوم ٢٥ يناير عام ٢٠١٤، وماما خبّت عنى، كانت بتقول لى إنه مسافر، وحينما كبرت علمت بالأمر، وحزنت حزنًا شديدًا».
واستكمل: «ذات يوم بكيت حينما رأيت والد صديقى يأتى ليصطحبه للمنزل بعد المدرسة، رأيت الحقيقة فى ذلك الوقت، أن أبى لن يعود ثانية»، وتابع: «شعرت بالسعادة حينما أطلقوا اسم والدى على المدرسة، رأيت كل الناس تقول اسم والدى كل يوم، رأيته حيًا».
واختتم: «لما أكبر هادخل الجيش وأبقى ظابط زى بابا الله يرحمه، هو أراد ذلك وكان يحضر لى الأزياء العسكرية، ويجعلنى أشاهد حفلات تخريج طلبة الكليات العسكرية».
موسى: سيرته طيبة.. وسابنى وأنا فخور بيه

موسى مصطفى، ١٢ عامًا، نجل الشهيد مصطفى عادل توفيق، من قوات شرطة شمال سيناء، الذى استشهد فى هجمة شنها الجيش على إرهابيين فى العريش، قال: «عرفنا خبر استشهاد بابا من التليفزيون.. كنت مستنيه ينزل إجازة، كان دايمًا بينشر السعادة فى البيت، بس المرة دى ما رجعش».
وأضاف: «طلبت أن أسافر مع أهلى كى أراه لآخر مرة ونستلم الجثمان لندفنه فى مسقط رأسه، كانت لحظة صعبة لن أنساها ما حييت».
وواصل: «أشعر بالفخر لأننى ابن الشهيد، أصدقائى يحتفون بى فى المدرسة، ويلقبوننى بـ(ابن الشهيد) وهذا أعظم لقب.. أبى علمنى حب الوطن وأن علينا أن نُضحى بأرواحنا من أجله».
وأكمل: «الرئيس السيسى كرمنا مرتين، وأتذكر أن أعدادًا غفيرة شاركت فى الجنازة، الجميع كان يبكى، من يعرفه ومن لا يعرفه، وكل زمايله كانوا بيشهدوا له بالخلق والسيرة الطيبة».
وتابع: «بابا كان بيخاف على مصر وعلى شغله، وكل زمايله وأهل البلد بيحبوه، وسيرته طيبة، وفى نهاية كل أسبوع أطلب من والدتى أن أذهب إلى قبر أبى لأجلس بجواره.. أشعر حينها أنه يسمعنى».
وأشار إلى أن أهل القرية شيّدوا مسجدًا يحمل اسم أبيه، يتجمعون فيه فى صلاة الجمعة ويدعون له.
جنى: كنت بقول لماما ماتزعليش.. ربنا اختار بابا يدخل الجنة

«ماتزعليش يا ماما.. ربنا اختار بابا عشان يكون شهيد ويدخل الجنة»، كلمات قالتها جنى، ١٤ عامًا، لوالدتها المهندسة مروة، زوجة الشهيد العقيد أحمد عبدالنبى، لتساند والدتها التى انهارت عقب إبلاغها بنبأ استشهاد زوجها فى انفجار مدرعة بسيناء.
«جنى» أكبر أخواتها الثلاث، وجميعهن فتيات، قالت إن والدها كان رمزًا للقوة والحسم، وكان يتقدم جنوده فى ساحات المعارك، ولم يكن ممن يفضلون الجلوس وراء المكاتب. وأضافت أنها استقبلت خبر استشهاد والدها بخليط من مشاعر الفرحة والحزن، الفرحة كون والدها شهيدًا سيدخل الجنة وأنها ستحمل لقب ابنة الشهيد، والحزن بسبب فقدانها الأب الذى كان بمثابة الظهر والسند لها فى الحياة.
وأشارت إلى أن والدها كان يحرص على اصطحابها هى وأخواتها إلى الكلية الحربية لكى يجهزهن ليوم استشهاده، مضيفة: «فى إحدى المرّات وقف عند باب القادة فى الكلية الحربية، وكنا معه، وقال لنا: الباب ده هيتفتح فى يوم ما وتخرج منه عربات عسكرية تتقدمها الخيول فى جنازة عسكرية لوالدكم».
وواصلت: «كان دائمًا يعلمنا أن نواجه المواقف الصعبة بقوة التحمل والاحتساب، لأنه مشروع شهيد، ووصانى على والدتى وقال لى إنه إذا رحل فإنه ترك خلفه أربعة رجال وليس أربع فتيات».
وتابعت: «حاسة بالفخر لأننى ابنة الشهيد الذى ضحى بحياته ليحمى البلد ويدافع عن الأرض، وفى المدرسة ينادينى الجميع بابنة الشهيد، ويجرى تكريمى سنويًا فى ذكرى يوم الشهيد».
وعن يوم الجنازة العسكرية قالت: «كنت أقول لماما وأخواتى محدش يعيط عشان بابا وصانا على كده، وكنت بقول لماما إن بابا ربنا بيحبه واختاره عشان يكون شهيد فى الجنة».
وأضافت: «الشهيد ترك لنا سيرة طيبة بين زملائه الضباط والجنود، كان يتعامل مع الجميع باحترام وتواضع، وكان يعتبر نفسه جنديًا وليس قائدًا لكتيبة».
واختتمت: «فى يوم الشهيد أتمنى تفضل ذكرى والدى محفوظة فى الأذهان ويفضل يتكرم وتفضل سيرته».

يوسف: حلمت بوفاته قبل رحيله بأسبوعين
يوسف، الابن الأكبر لشهيد الشرطة أحمد وحيد، الذى استشهد بطلق نارى فى هجوم إرهابى بالإسماعيلية، قال عن والده: «حلمت باستشهاده قبل ما يموت بأسبوعين، وقلت لماما لكنها لم تصدقنى».
تبدو على «يوسف» علامات الرجولة رغم حداثة سنه، إذ يبلغ ١١ عامًا، وعلى الرغم من محاولات عائلته إخفاء خبر استشهاد والده إلا أنه كان يشعر بالأمر، لذا كان يبكى كثيرًا، حتى اضطرت والدته للذهاب به إلى طبيب حتى تكشف له الحقيقة.
وقال: «لم أصدم فقد كنت أشعر إن بابا راح عند ربنا، أنا فرحان إنه شهيد وإنى ابن الشهيد».وعن أحلامه: «نفسى لما أكبر أكون مهندس شاطر علشان بابا يكون مبسوط منى».
عمر نجل «أسطورة الصاعقة»: صورته تشعرنى بالأمان.. وبجيب نتائج حلوة عشانه «أسطورة الصاعقة المصرية»، هو اللقب الذى يوصف به الشهيد أحمد الشبراوى، أحد أبطال الكتيبة ١٠٣ والفرقة ٧٧٧ صاعقة، الذى استشهد فى واقعة الهجوم على كمين البرث بالعريش.
فى يوم الشهيد يتحدث نجله «عمر»، صاحب الـ٧ سنوات، قائلًا: «أنا فخور بوالدى الشهيد، أقرأ له الفاتحة يوميًا قبل ما أنام».
يحفظ «عمر» القرآن ويهب ثواب حفظه وقراءته لروح والده الشهيد، ويرفض الطفل وصف والده بالمتوفى، موضحًا: «بابا استشهد وروحه طلعت عند ربنا، وأنا فخور بالشهيد لأنه ضحى بنفسه علشان خاطر مصر.. نفسى أكون زيه لما أكبر».
وتابع: «لما بجيب نتيجة حلوة فى المدرسة باكون مبسوط لأنى متأكد إن والدى حايكون مبسوط»، مشيرًا إلى أنه يسعى للتميز لكى يكون والده سعيدًا، وسيقال إن ابن البطل فى أفضل حال، وإنه خير مثال للشهيد الراحل.
واختتم: «وضعت صورة أبى على ميدالية، وأنا حريص إنها تكون عايا دائمًا لأنى معاها حاسس بالأمان».