رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انتقام «تركى قطرى» من تونس



هجوم انتحارى استهدف قوات الأمن القريبة من مقر السفارة الأمريكية بالعاصمة تونس، أسفر عن مقتل ضابط، وإصابة خمسة أو ستة آخرين، بينهم مدنى، إصابات متفاوتة الخطورة. وبينما ذكرت وزارة الداخلية التونسية، فى بيان، إن تلك «العملية الإرهابية الجبانة تدل على هزيمة واندحار العناصر الإرهابية»، لا نستبعد أن يكون هذا الهجوم، بداية لسلسلة هجمات إرهابية، عقابًا لتونس على رفضها الانضمام إلى محور الشر التركى القطرى.
الهجوم الانتحارى يأتى بعد أيام قليلة من زيارة الفتى تميم بن حمد إلى تونس، الإثنين قبل الماضى، التى حاول خلالها، كما استنتجنا فى مقال سابق، الضغط على القيادة التونسية، أو مساومتها، لكى تستسلم لسيطرة «حركة النهضة» الإخوانية، وأن تضبط توجهاتها، مواقفها وقراراتها على البوصلة القطرية أو التركية، وتكون معبرًا للسلاح والإرهابيين إلى غرب ليبيا.
كنا قد توقفنا، فى مقال سابق، عند استقبال التونسيين للفتى تميم: احتشدوا أمام مطار تونس قرطاج، رافعين شعارات «تميم زعيم الإرهاب».. «اللعنة على ابن موزة».. و«تراب تونس طاهر لا يقبل أنجاس قطر». وقاموا بتنظيم وقفة احتجاجية أمام سفارة قطر فى تونس نددوا خلالها بسياسة الدوحة الداعمة للإرهاب و«المفسدة» للحياة السياسية فى البلاد. وكانت تلك مجرد عينة من ردود الأفعال الغاضبة التى استقبل بها التونسيون تدنيس الفتى القطرى لتراب بلدهم.
كثيرون، داخل تونس وخارجها، طرحوا مخاوف من أبعاد تلك الزيارة المشبوهة، مع أسئلة منطقية بشأن مدى تأثيرها على المشهد السياسى وعلى الموقف التونسى من ملفات إقليمية، أبرزها الملف الليبى. وهى المخاوف والأسئلة نفسها التى استقبلوا بها زيارة الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، المفاجئة فى ٢٥ ديسمبر الماضى. وفى الزيارتين حاول الضيفان الثقيلان: الأحمق التركى وتابعه القطرى، جر تونس خارج مربع التوافق العربى.
هنا، تكون الإشارة مهمة إلى أن جريدة «الشروق»، التونسية، كانت قد نشرت فى عددها الصادر الأربعاء ٨ يناير ٢٠٢٠ تحقيقًا حول مخزن سلاح تم اكتشافه بمدينة بن قردان. ونقلت الجريدة عن مصدر «مسئول» أن أبناء الإدارة الفرعية لمكافحة المخدرات كانوا يقومون بواجبهم لإفشال صفقة مواد مخدرة وتمكنوا من ضبط تجار المخدرات مع عناصر مسلحة حاولت نقل أسلحة قادمة من تركيا إلى مدينة بن قردان من ولاية مدنين مرورًا من مدينة بن خداش فى اتجاه مدينة فريانة الحدودية التابعة لولاية القصرين. وحسب مصادر الجريدة فإن الأسلحة المحجوزة كانت مخصصة لاستهداف عدد من المقرات الأمنية فى المدينة الحدودية لإحداث الفوضى والبلبلة، والسماح لمسلحين ليبيين بالتسلل إلى تونس عبر المسالك البرية الرابطة بين البلدين.
العنوان الرئيسى لعدد جريدة «الشروق» التونسية، الصادر صباح اليوم التالى: يوم الخميس ٩ يناير الماضى، أكد ما جاء فى التحقيق: «بخصوص الأسلحة المهربة من تركيا.. الداخلية تؤكد ما نشرته الشروق وتطمئن التونسيين». وفى التفاصيل، ذكرت الجريدة أن وزارة الداخلية، على لسان متحدثها الرسمى، خالد الحيونى، أكدت ما انفردت به الجريدة، بخصوص كمية الأسلحة التى تم حجزها فى مدينة بن قردان من ولاية مدنين، والتى اتضح أنّها قادمة من تركيا، وتم تمريرها عبر منطقة تطاوين لتصل إلى فريانة من ولاية القصرين.
سائق الشاحنة، التى نقلت الأسلحة، كان ضابطًا بالجيش التونسى، واقتصرت مهمته على إيصال الشحنة إلى مدينة فريانة وتسليمها لمهربين هناك مقابل مبلغ مالى ضخم. وهذا الكلام نقلته جريدة «الشروق» عن مصدر مطلع، أكد لها أيضًا أن التحقيقات مستمرة للكشف عن وجود صفقات أخرى قادمة من تركيا وليبيا. وبالنص قال: «تونس أصبحت هدفًا للمهربين والعناصر الإجرامية التونسية والأجنبية، ولن تكون أرض عبور لهم فى ظل وجود وحدات أمنية تونسية».
هذا الكلام، يعيدنا إلى كلام أردوغان عن «رائحة الدخان»، خلال المؤتمر الصحفى، الذى جمعه بالرئيس التونسى، والذى اتضح أنه «لم يكن مجانيًا»، لكنه «كان يعكس انزعاجه من نتائج المحادثات التى انتهت برفض استعمال الأراضى أو الأجواء أو المجال البحرى التونسى لأى تدخل عسكرى تركى فى ليبيا». وما بين التنصيص نقلته قناة «سكاى نيوز»، فى ٧ يناير الماضى، عن رشيدة النيفر، المستشارة الإعلامية للرئيس التونسى، التى قالت تصريحات شبيهة لراديو «موزاييك»، صباح اليوم نفسه، ومع ذلك أصدرت الرئاسة التونسية بيانًا عجيبًا زعمت فيه أن هذا الكلام «لا أساس له من الصحة»!.
وتبقى الإشارة إلى أن وزارة الداخلية التونسية وضعت «كافة الوحدات الأمنية فى حالة تأهب قصوى لمجابهة أى مخاطر محتملة». وحتى كتابة هذه السطور، لا يزال المجلس الوزارى، المنعقد بقصر قرطاج، يتابع تطورات العملية، التى لا نستبعد، كما أشرنا ونكرر، أن تكون بداية لسلسلة هجمات إرهابية، تركية قطرية، نتمنى وندعو الله، أن يتم إجهاضها، وأن تنجو تونس من انتقام الأحمق التركى وتابعه القطرى، ومَن يحركهما.