رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طالبان تتدلّل!


بعد أيام من توقيع اتفاق يمهد لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، أعلن الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، عن إجرائه مكالمة تليفونية «جيدة جدًا» مع زعيم من حركة طالبان. فى سابقة لم تحدث من قبل بين رئيس للولايات المتحدة وقيادى فى الحركة الإرهابية.
منذ توقيع الاتفاق الذى وصفوه بأنه «تاريخى»، لم تتوقف طالبان عن ادعاء انتصارها على الولايات المتحدة. وسرعان ما أعلنت إنهاء الهدنة الجزئية، أو الشكلية، التى سبقت توقيع الاتفاق بأيام، وشنت عشرات الهجمات على قواعد للجيش الأفغانى. وخلال الساعات الأربع والعشرين، التى سبقت الإعلان عن مكالمة ترامب، نفّذت الحركة ٣٣ هجومًا فى ١٦ ولاية، أسفرت عن مقتل ستة مدنيين وإصابة ١٤ آخرين. كما لقى ٢٠ جنديًا وشرطيًا أفغانيًا على الأقل مصرعهم، فى سلسلة هجمات نفّذتها عناصر «طالبان»، ليل الثلاثاء، تبعتها غارات أمريكية للمرة الأولى منذ توقيع الولايات المتحدة اتفاق السلام الهش أو المزعوم، مطلع هذا الأسبوع.
لم يذكر الرئيس الأمريكى اسم القيادى الطالبانى الذى هاتفه، لكن ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم الحركة، كتب فى حسابه على «تويتر» أنه «النائب السياسى للإمارة الإسلامية الموقر الملا بردار أخوند»، وزعم أن «ترامب أعرب عن سعادته للتحدث هاتفيا مع بردار، وقال إنه يقاتل من أجل وطنه». مضيفًا أن بردار حض ترامب، خلال المكالمة التى استمرت لمدة ٣٥ دقيقة، على «اتخاذ خطوات حازمة فيما يتعلق بسحب القوات الأجنبية من أفغانستان»، وطالبه بـ«عدم السماح لأى طرف باتخاذ خطوات تنتهك بنود الاتفاق وتورطه أكثر فى هذه الحرب الطويلة»!.
الملا بردار أخوند، أو عبدالغنى بردار «٥٢ سنة» كان واحدًا من الأربعة المؤسسين لحركة طالبان، وبعد الغزو الأمريكى لأفغانستان سنة ٢٠٠١، أصبح الشخصية المحورية للحركة وقائدًا لعملياتها العسكرية أو الإرهابية. وكان يقود إحدى تلك العمليات، حين تمكن فريق من المخابرات الباكستانية والأمريكية من إلقاء القبض عليه، فى فبراير ٢٠١٠، وظلت باكستان تحتجز بردار فى مكان غير معلوم إلى أن أفرجت عنه فى أكتوبر ٢٠١٨ بوساطة قطرية. وفى ٢٤ يناير ٢٠١٩ اختير قائدًا سياسيًا للحركة، ورئيسًا لمكتبها السياسى فى الدوحة، وقاد المفاوضات مع الولايات المتحدة إلى تم التوقيع، السبت الماضى، على ما وصفوه بـ«الاتفاق التاريخى»!.
لم يدل «بردار» بأى تصريحات، منذ إطلاق سراحه ولم يصدر أى بيانات. وتكاد تكون المرة الوحيدة التى تواصل فيها مع وسائل الإعلام، هى تلك التى أجاب خلالها على أسئلة أرسلتها له مجلة «نيوزويك» الأمريكية، فى يونيو ٢٠٠٩، عبر البريد الإلكترونى. وتعهد فيها بمواصلة «الجهاد» حتى «يرحل العدو من أفغانستان». وسبق أن نقلت هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» عن مصدر أفغانى، أنه «تزوج من شقيقة الملا عمر وتحكم فى أموال الحركة وشن عددًا من أكثر الهجمات دموية ضد القوات الحكومية وقوات التحالف»، وطبيعى أن يكون مدرجًا على قوائم الإرهابيين الأمريكية، وقوائم الأمم المتحدة.
طالبان، التى حكمت أفغانستان بين عامى ١٩٩٦ و٢٠٠١ قبل أن يُطيح بها الغزو العسكرى الأمريكى، لا تزال ترفض قطع علاقاتها بتنظيم «القاعدة». وما زالت فصائلهما متشابكة فى بعض أنحاء البلاد، خصوصًا فى غرب أفغانستان. كما لم تعترف، إلى الآن، بالحكومة الأفغانية الحالية، التى من المفترض أن تبدأ التفاوض معها، فى ١٠ مارس الجارى، وأن تتقاسم معها السلطة لاحقًا. وما يثير الدهشة هو ظهور اختلافات واضحة بين اتفاق الولايات المتحدة وطالبان فى الدوحة والإعلان الأمريكى الأفغانى المشترك، الذى أصدره الرئيس الأفغانى أشرف غنى ومارك أسبر وزير الدفاع الأمريكى فى كابول، قبل فترة وجيزة.
اتفاق الدوحة تضمن بندًا ينص على تبادل خمسة آلاف سجين من طالبان تحتجزهم الحكومة الأفغانية مقابل ألف سجين أفغانى لدى الحركة، وهو البند الذى تراه طالبان شرطًا مسبقًا لبدء المحادثات مع الحكومة الأفغانية، بينما نص إعلان كابول على أن يقوم الطرفان بمناقشة إمكانية إطلاق سراح السجناء لدى الجانبين. واستنادًا إلى ذلك رفض الرئيس الأفغانى أن يكون هذا الأمر شرطًا مسبقًا، واشترط هو الآخر عدم تنفيذه إلا عبر المفاوضات، مؤكدًا أن أى عملية إفراج عن السجناء «ليست من صلاحيات الولايات المتحدة، وإنما من صلاحيات الحكومة الأفغانية».
اتفاق الدوحة الهش، أو الاتفاق الأمريكى الطالبانى «التاريخى» المزعوم، لم يكن أكثر من ذريعة لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، وتسويق ذلك على أنه انتصار لترامب، قبل خوضه الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ كان قد تعهد، فى ٢٠١٦ خلال حملته الانتخابية السابقة بإنهاء «الحروب السخيفة، التى لا نهاية لها». الأمر الذى استغلته حركة طالبان جيدًا، فتدللت وحاولت أن تضمن سيطرتها على تلك الدولة، التى تمزّقها، مع الإرهاب، صراعات إثنية وقبَلية.