رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف ينظر المخلوق إلى خالقه؟


كيف ينظر المخلوق إلى خالقه؟ والعكس هو الصحيح، نحن البشر نظرتنا محدودة ورؤيتنا عاجزة عن فهم طرقه ومعاملاته حتى يراه بعضنا ديانًا وقاضيًا، بينما يراه آخرون محبًا عطوفًا، وكأنه الجد الذى يحب أحفاده الصغار ولا تضايقه أخطاء أحفاده حتى وهم يخطئون، فلا يقف عند غلطاتهم، بل يراها عثرة فى مسيرة لا يأخذها على محمل الإدانة إلى ما لا نهاية، سيعودون ويصححون المسار يومًا، لأنه يعرف محبتهم له التى لا تعكرها أخطاؤهم، مقدرًا طفولتهم التى لا ترى عيبًا فيهم، فهو يحب بلا مقابل.
والحقيقة التى يجب إدراكها أن الله يدين الخطاة، وفى ذات الوقت يحب خليقته تمامًا كأولاده، ولا تعارض مع محبته للإنسان الذى صنعه، فهو يكره خطيئته، لكنه يحبه هو، وينتظر توبة الخاطئ وعودته إلى حضنه الدافئ وقلبه المحب، فهو لا يكره الخاطئ ولكنه يكره له أن تزل رجله ويقع فى براثن الخطيئة، وينتظر عودة الضال حتى يعود كما أعلنها فى قصة الابن الذى ضل وابتعد عن حضن وبيت أبيه، ولكن الأب لم تتغير محبته وظل ينتظر عودة ابنه الغائب، إلى أن عاد بالفعل فقبله فرحًا، هكذا علاقة الخالق بخليقته يقبل عودة من ضل وابتعد إلى الوقت الذى يدرك فيه الإنسان أخطاءه، حتى يعود تائبًا ونادمًا فيقبل الخالق خليقته طارحًا خطاياه حتى لا يعود يذكرها له، فهو الديّان وفى ذات الوقت الغفّار الرحيم، لأنه يعرف ضعفنا ويقبل توبتنا وعودتنا إلى قلب الآب المحب، وصحيح أنه يكره الخطية والمعصية، لكنه يرحم ويشفق ويعاقب، لكنه لا يكره الخاطئ، بل يسر بعودته إلى أحضان رحمته، ويصفح عن خطايانا ولا يعود يذكرها، كما قال عبده موسى: الرب إله رحيم ورءوف بطىء الغضب وكثير الإحسان والوفاء، وفى ذات الوقت فإنه لا يترك الخاطئ مستمرًا فى خطاياه، فهو يغفر ولكن يؤدب، حافظ الإحسان إلى التائب، فيغفر الإثم والمعصية والخطية ولكنه لن يبرئ إبراء مفتقد إثم الآباء فى أبناء الأبناء فى الجيلين الثالث والرابع، وهو لا يتغير فى رحمته ومحبته وقبول توبتنا، ويعمل على رجوعنا ويريد لنا الراحة لا التعب الذى يرافق المعصية والتيه فى الذنوب، بل يوجه دعوته فى محبة عندما ينادينا: تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين والثقيلى الأحمال وأنا أريحكم، وكلمة الراحة هنا فى أصلها تعنى راحة الفكر حتى لا تترك همًا ولا يأسًا، ولكنه يشجع ويسند ويعين، ويخرج من الأزمة والضعف إلى القوة والنصرة، وأجمل ما يريح الإنسان ويساعده على تصحيح مساره هو رحمة الله التى تفوق كل فكر وتفوق عقل البشر، فهو رحمن فى طبيعته، رحيم فى معونته، بل هو محب الخطاة وكاره للخطايا، هو المعزى فى الضيق والشجن والمنام، محب فى المراحم والعطاء، خلق الإنسان بعد أن خلق كل شىء لراحته، ففى البدء، أى اليوم الأول، خلق الله السماوات والأرض وفصل بين النور والظلمة، ودعا النور نهارًا والظلمة ليلًا، وفى اليوم الثانى خلق الله الجلد فى وسط المياه ودعا الجلد سماءً، وكان مساءً وصباحًا يومًا ثانيًا، وفى اليوم الثالث فصل بين المياه واليابسة، أى الأرض والبحار، ودعا الأرض لتنبت عشبًا وبقلًا يهطى بذورًا، وشجرًا ينتج ثمرًا، وفى اليوم الرابع قال الله لتكن أنوار فى جلد السماء لتفصل بين النهار والليل، وتكون آيات وأوقات وأيام وسنين وعمل الله النورين العظيمين، أى النهار والليل وكان مساء وكان صباح يومًا رابعًا، وفى اليوم الخامس خلق الله الكائنات المائية وكل أنواع الطير وكل ذوات الأنفس الحية، وفى اليوم السادس كان خلق الإنسان على أفضل صورة ذكرًا وأنثى، خلقهما وأمرهما أن يتسلطا على سمك البحار وطير السماء وأن يثمروا ويكثروا ويملأوا الأرض، أمر الله للإنسان هو أن يكثروا ويملأوا الأرض. أما اليوم السابع فكان يوم راحة وهكذا خلقت الأرض والفضاء والمياه وكل النبات وبذوره، ومن صورة مختصرة للخليقة ومكانة الإنسان الذى هو قمة خليقة الله على هذه الأرض، حيث جعله متسلطًا على كل المسكونة ليعبد خالقه ويثمر بشرًا وزرعًا ونباتًا، عابدًا لله شاكرًا كل أفضال الخالق، فيفعل الخير ويتجنب الشرور والآثام، ويبقى السؤال: هل حافظ الإنسان على الوصية السماوية أم كانت أول جريمة على الأرض أن قتل الأخ أخاه؟.