رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تاجر الأحمق باللاجئين؟


ما تشهده سوريا، منذ حوالى تسع سنوات، أجبر نحو ثلاثة ملايين سورى على اللجوء إلى تركيا، اضطر غالبية الرجال والأطفال منهم إلى التسول، بينما وقعت نساء وفتيات كثيرات ضحايا لشبكات التجارة بالبشر، وانتهى بهن المطاف إلى العمل فى الدعارة.
عدد كبير من هؤلاء اللاجئين حشدتهم السلطات التركية فى شاحنات، وزجت بهم إلى الحدود الغربية لتركيا، منذ مساء الخميس الماضى، بعد أن قرر أردوغان طردهم من جنته المزعومة أو جحيمه الفعلى، مع أنه تقاضى (ويتقاضى) ثمن منعهم من دخول دول الاتحاد الأوروبى منذ سنة ٢٠١٦. ومع أن هذه الاتفاقية أدت، بالفعل، إلى تراجع كبير فى تدفق اللاجئين، وفى خفض عددهم، من نحو مليون طالب لجوء إلى ٢٦ ألفًا فقط فى العام التالى، إلا أنها جعلت الدول الأوروبية رهينة للابتزاز التركى.
الوكالة الأوروبية لمراقبة وحماية الحدود الخارجية «فرونتكس»، رفعت مستوى التأهب إلى الدرجة القصوى. وقوات الأمن اليونانية حاولت، ولا تزال، رد اللاجئين، وتنتظر اليونان «دعمًا قويًا» من الاتحاد الأوروبى، التى زارها ثلاثة من كبار مسئوليه، أمس الثلاثاء: تشارلز ميشيل، رئيس المجلس الأوروبى، ديفيد ساسولى، رئيس البرلمان الأوروبى، وأورزولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية. كما أعلنت «فرونتكس» أنها تنظر «فى سبل أخرى لدعم الدول الأوروبية ذات الحدود مع تركيا». وقالت: «نحن على اتصال وثيق بالسلطات اليونانية بشأن الدعم الإضافى الذى يمكننا تأمينه فى هذا الظرف الذى يتطور سريعًا».
من المفترض أن يكون مسئولو الاتحاد الثلاثة قد زاروا المنطقة الحدودية بين اليونان وتركيا، التى قدرت إحصاءات الأمم المتحدة عدد اللاجئين فيها بنحو ١٣ ألفًا، بينما كتب سليمان صويلو، وزير الداخلية التركى، فى حسابه على «تويتر»، أن عدد من عبروا الأراضى التركية متجهين إلى اليوان وصلوا «حتى الساعة ٠٩.١٥ صباح الثلاثاء» تجاوز ١٣٠ ألفًا. وبمنتهى الصفاقة، قال فخرالدين ألطون، رئيس دائرة الاتصال فى الرئاسة التركية إن بلاده «ليس لديها خيار آخر سوى تخفيف جهودها لاحتواء ضغط تدفق اللاجئين، بعد التصعيد العسكرى فى محافظة إدلب السورية».
الاتحاد الأوروبى يعرف أن الأموال لا تذهب للاجئين. وتصله بالتأكيد نسخة من تقارير مؤسسة «ويلك فرى» الأسترالية بشأن عمليات تجارة البشر والعبودية المعاصرة، التى تحتفظ تركيا، طوال سنوات، بالمركز الأول فيها. وكذا تقارير منظمة الهجرة الدولية ومنظمة «هيومن ريسورس ديفلوبمنت فاونديشن»، التى أكدت أن غالبية اللاجئات السوريات اللائى يذهبن إلى تركيا يعملن فى الدعارة.
تقارير عديدة أجمعت على أن غالبية «ضحايا تلك التجارة» فى تركيا من اللاجئين، الذين وصل عددهم إلى نحو ٣ ملايين لاجئ سورى، و١٢٠ ألف أفغانى، و١٢٥ ألف عراقى. وهناك تقراير تناولت بأدق التفاصيل حالات لاجئين سوريين اضطروا بسبب عدم توافر فرص العمل إلى التسول. وتناولت أيضًا حالات لنساء وفتيات وقعن ضحايا لعمليات الاتجار بالبشر.
هناك أيضًا تقرير أصدرته دائرة المخابرات العامة والأمن الهولندية، العام الماضى، عنوانه «تركة سوريا: الجهاد الدولى ما زال يشكل تهديدًا لأوروبا»، أكد أن تركيا كانت «مركز عبور عشرات الآلاف من الأجانب الذين انضموا إلى صفوف التنظيمات المتطرفة خلال ذروة الحرب الأهلية السورية». وغير مَن ذهبوا للقتال فى سوريا والعراق وليبيا وغيرها، أكد التقرير أن التنظيمات الإرهابية منتشرة فى كل أنحاء تركيا، وأن الحكومة التركية تمنحها «مساحة تنفس كافية وحرية تنقل»، تمكنها من التخطيط والانطلاق لشن هجمات فى أوروبا.
السلطات التركية نهبت المليارات التى خصصها الاتحاد الأوروبى لمساعدة اللاجئين. وسبق أن كشف تقرير أصدره ديوان المحاسبة الأوروبى، فى ١٣ نوفمبر ٢٠١٨، عن وجود ثغرات فى نظام المساعدات المالية النقدية التى تم منحها للاجئين السوريين. ووقتها، قالت بيتينا جيكوبسن، عضو ديوان المحاسبة، أن لديها شكوكًا بشأن وصول الأموال إلى اللاجئين. ولأن التقرير كان يتناول الشريحة الأولى من المساعدات، أو ٣ مليارات يورو، من أصل ٦ مليارات، نص الاتفاق على تقديمها، فقد طالب ديوان المحاسبة المفوضية الأوروبية، بالضغط على أنقرة حتى تكشف عن بيانات المستفيدين من هذه الشريحة، حتى تعرف مصير الجزء المقبل من المساعدات!
الاتحاد الأوروبى قدم إلى تركيا ٥.٦ مليار يورو، إلى الآن، وباقى المليارات الستة فى الطريق، لأن تركيا لن تنسحب من اتفاقية ٢٠١٦، بل تحاول فقط ابتزاز أوروبا أملًا فى الحصول على مزيد من المليارات، وطمعًا فى تحقيق حلم أردوغان بإقامة منطقة آمنة شمال سوريا، وهو الحلم أو الوهم الذى تجاوزته التطورات الأخيرة. وبعد أن أخرج محققو الأمم المتحدة تقريرًا يشير إلى أن أنقرة قد تكون أمام «مسئولية جنائية» فى جرائم حرب تم ارتكابها، أواخر ٢٠١٩، ضد الأكراد فى شمال سوريا.