رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيارة الأضرحة والتبرك بها.. قبلة المريدين لتحقيق الأحلام

الأضرحة والتبرك
الأضرحة والتبرك


أحلام تعانق السماء، أقلام تكتب كلماتها وسط أكوام من التراب، أمال الأحياء تذوب في رفات الموتى، محاولة تبادل الرسائل بين عالمين طالما كان برزخًا سميكًا يفصل بينهما، صنعت من الجثمان مكانًا تعش فيه الطموحات، بقناعات تتوسط بقبور المباركين لدعاء الله أن يحدث تغييرًا في حياتهم.

هن... اسم إشارة يحوي بين طياته المئات من السيدات اللاتي كان بينهن العديد من الرموز والقادة الذي سار على نهجهن الملايين من الرجال، بعد أن تمكن من التأثير في كافة نواحي الحياة، فبعضهن وضع بصمته في الفن، الإبداع، العلم، السياسة، حتى عبادة الله.

ذاع سيط التقرب من الله من خلال زيارة قبور أولياء الله الصالحين وآل البيت، الأمر الذي أحدث العديد من النزاعات بين مختلف التيارات الدينية، البعض يؤيد، الآخر يعارض، ويكره، إلا أن العادات المصرية الإسلامية لم تكترث لكل هذا الحديث، وظلت تتقرب إلى الله من خلال هذا الطريق، فلا دلائل قرآنية، أحاديث نبوية، أو حتى كلام علماء الدين تجدي نفعًا معهم.

لم يتوقف الأمر على المصريين فقط، بل امتد ليشمل جموع العالم العربي، فيطال عدد من المسلمين الجدد، لتتوارث عادات التعبد من خلال زيارة المقابر الصالحين، لتبقى أمرًا أبديًا عالقًا في نفوس المسلمين، وتتوارثه الأجيال فلا ينقطع، لا يبلي، لا يترك مع الوقت.

بين مظاهر الوفاء، الحب، التعلق، الإيمان، التقرب، التعبد، على حد تعبير البعض، جابت "الدستور" أضرحة بعض السيدات في مصر، بعد أن وفاتهم المنية وتحول مرقدهن الأخير إلى ساحة يزورها المحبين، داعين الله أن يستجيب لهم الدعاء، ويحقق لهم الأحلام، في هذا المكان الطاهر بحضرة نساء الله
- مشهد "كوكب الشرق": الابن البار والعرب... هما الأكثر توافدًا على زيارة "ثومة"

وحشة كبيرة تصيب القلوب بمجرد وصولها إلى مدافن منطقة البساتين، التابعة لمنطقة مصر القديمة، محافظة القاهرة، التي حضنت رفات التاريخ بين ترابها، لتغلق بابها الأبدي عليه، إلا أنها لم تترك الموتى وحدين في حياتهم، فراحت الكلاب تنبح حولهم، اتخذت وسائل المواصلات الصغيرة من طرقات المدافن سبيلا سريعًا لاختصار الطرق، كما يذهب التلاميذ إلى مدارسهم عابرين طرقات الموت كل صباح.

باب خشبي قديم تهالكت أحشاءه حتى أصبحت رفاتًا، بدفعة واحدة يمكن اقتحامه، تراكم الصدأ على قفله الكبير، يفصل بين عالم الأحياء والموتى، فور أن يفتح تجد نفسك أمام ساحة كبيرة من الرخام يدخلها صرير الرياح، يتربع في وسطها سياجًا خشبيًا كبيرًا تحتمي خلفه رفات كوكب الشرق.

ظهرت فريدة علي، برفقة أطفالها الثلاث، الذين اعتادوا العيش وسط الموتى، لتسأل عن سبب وجودنا في هذا النطاق، فتخبرنا أنها حارسة مشهد أم كلثوم، ذاك القبر الذي ورثته عن والدها الذي ظل يحميه قرابة أربعين عامًا، خميس عبدالهادي.

قالت حارسة مشهد أم كلثوم، لـ "الدستور"، إنها أحبت العيش في رحاب كوكب الشرق، فتشعر بأنها الأمينة الوحيدة على بقايا الفن الأصيل، مؤكدة أن محبي أم كلثوم لازالوا يتوافدون كل سبت على مرقدها؛ ليمسكوا بالمصاحف ويبدأون في قراءة كتاب الله على روحها، في شكل بديع، معلقة "ترى فيهم الأصالة".

"أغلب الزوار بيكونوا من الدول العربية"، بهذه الكلمات أوضحت، فريدة، لـ"الدستور"، أن أغلب زوار مرقد أم كلثوم من الدول العربية، السعودية، الكويت، الجزائر، المغرب، منوهة أنها سألتهم كثيرًا عن السبب الذي يدفعهم للقدوم؛ لتفاجئ بأنهم يرون في هذه الزيارة نوعًا من رد الجميل لما قدمته "ثومة" إلى بلادهم.

"ولد الهدى فالكائنات ضياء، وفم الزمان تبسًم وسناء، الروح والملائكة حوله للدين والدنيا به بشراء، والعرش يزهو والحظيرة تزدهي والمنتهى والسدرة العصماء، والوحي يقطر سلسلا من سلسل واللوح والقلم البديع وراء، يا خير من جاء الوجود تحية من مرسلين إلى الهدى بك جاؤؤا، يك بشر الله السماء فزينت وتضوعت مسكًا بك الغبراء، يوم يتيه على الزمان صباحه ومستؤه بمحمد وضاء".

كلمات تغنت بها كوكب الشرق في حياتها، إلا أنها طالما كانت ترن في جدران مرقدها الأخير في منطقة البساتين، حسبما روت حارسة مشهدها، لتسرد على "الدستور" حكاية الزائر الدائم لمشهدها.
تروي، حارسة قبر كوكب الشرق، أن أكثر وافد على القبر هو أستاذ حنفي محمود، مدرس علم النفس بمنطقة السيدة زينب، التابعة لمحافظة القاهرة، وهو رجل في التسعين من عمره يأتي بعد صلاة الجمعة، بجلبابه البيضاء، حاملًا في يده أكياس من الحلوى، الفاكهة، كميات وفيرة من المخبوزات، واضعًا تحت إبطه جهاز تسجيل صغير، فيبدأ في توزيع الرحمة على روح "أم كلثوم"، للأطفال، بعد أن يشغل عدد من أغانيها على أبواب المشهد.

تابعت أن أستاذ حنفي يدخل بعد ذلك إلى القبر؛ ليقرأ على روحها القرآن، ويبدأ في الحديث لرفاتها، فيخبرها عن حكايات أسرته الصغيرة، حتى أنه جلب في سبوع حفيدته الأولى الحلوى ووزعها احتفالا بالمولود الجديد، ووقف يبكي أمام قبر "ثومة" ويحكي لها عن لحظاته الأولى مع الطفلة، منوهة "مكنش بيخبي حاجة عنها كان دايمًا بيجي يحكيلها ويتكلم معاها كانت ممكن زيارته تستمر حوالي خمس أو ست ساعات متواصلة".

"قال إنها أوته بعد أن كان مشرد"، أما عن قصة مدرس علم النفس، فقالت حراسة مشهد أم كلثوم، إنه كان قد أخبرها أن حكايته مع "الست" بدأت منذ أن كان في عمر الثامنة، بعد أن توفي والداه في حادث سير، وظل هو يجوب الشوارع، حتى صار مشردًا، إلا أنه ارتبط في ذهنه صوت كوكب الشرق بجلسة أبيه وشغفه في الحصول على تذاكر حفلاتها الشهرية؛ لتكون هي نزهة العائلة.

في أحد الأيام دخل الخوف والجوع إلى قلب حنفي، ظل يسير لساعات طويلة حتى وجد نفسه أمام حديقة الأزبكية، بميدان العتبة، فيصادف بدء حفلة أم كلثوم، يحاول الدخول إلا أن ملابسه غير المهندمة، شكله المشرد منعاه، أن يجد ملاذه الطفولي ليهرب إلية ناسيًا صوت جوفه الجائع، وحياة العابرين التي سقط عنوة في وحلها العميق.
أخذ الطفل المشرد، يحاول أن يسترق سماع شدو صوتها من خلف الأبواب، باكيًا متمتمًا: "هي الأمان بتفكرني بأهلي نفسي أدخل"، فيسأله شخص عن حكايته وسبب بكاءه، وبعد أن يسمع قصة الطفل المريرة مع حياة أطفال الشوارع التي لم يعتاد عليه يومًا، يغيب ذاك الملاك وسط الزحام؛ محاولًا أن يحقق لصبي صغير يحمل على كتفيه أحمال الجبال، حتى يفاجئ بذات الشخص يقف أمامه بعد انتهاء الحفل، ليخبره أن عليه أن يركب تلك السيارة وأن لديه جائزة له.

يستجيب الطفل على الفور فلا يوجد ما يخسره، كما أنه لا يملك الوالدين الذين قد يقلقان لشأنه، لحظات ويري أم كلثوم تخرج من الحديقة وسط الزحام، تمتطي تلك السيارة، ليرقص قلبه بين صدره، فأخذته إلى منزلها الكبير، ووكلت أمر رعايته لأحد القائمين على خدمتها، فأخذت تعلمه حتى بات مدرسًا؛ مما جعله يشعر بأنها أمه.


أضافت، حارسة رفات كوكب الشرق، أن حنفي -الابن البار- ظل يتوافد على القبر حتى وفاته المنية في عام 2018، معقبة "كل الموجودين في المكان افتقدوا الأستاذ حنفي" إلا أن سيرته لا زالت عالقة في الأذهان حتى اليوم.

- مشهد رابعة العدوية: "الجثمان بين القدس والبساتين... مسلمي شرق أسيا يتوافدون للحصول على البركة"
"عرفت الهوي مذ عرفت هواك، أغلقت قلبي عمن سواك، وكنت أناجيك يا من ترى، خفايا القلوب ولسنا نراك، أحبك حبين حب لأنك أهلًا لذاك"، شعر نسب إلى رابعة العدوية، شاعرة صوفية، تعود نشأتها إلى مدينة البصرة بالعراق، عام مائة هجريًا، لقبت بشهيدة العشق الإلهي.

عمرو عبد الهادي، شاب في العشرين من عمره، استيقظ في الساعات الأولى من صباح اليوم، خارجًا من محافظة أسيوط محددًا وجهته إلى محافظة القاهرة، تحديدًا في مقابر البساتين، أمام بوابة كبيرة معلقًا عليها لافته تحمل اسم رابعة العدوية، ليدعو في حضرة شهيدة العشق الإلهي أن يجمعه الله بفتاة أحلامه في بيت واحد.

ظل يقرأ القرآن الكريم، ويجوب متمسحًا بالسياج الحديدي الذي يقبع خلفه قبر رابعة العدوية، راجيًا من الله أن يحقق أمنيته التي جاء ليدعوها في حضرة شهيدة العشق الإلهي، متمنيًا أن يفوز في النهاية بقلب حبيبته التي أحبها، موضحًا أن أسرتهما ترفضان أن يجمعا بينهما في حلال الله؛ لأن بينهما مشاكل عديدة لا حصر لها، حبهما يقف مكبلًا أمام تلك الصراعات الدنياوية.

تابع عمرو، أنه يحاول أن يوفق بين الأسرتين إلا أن ذلك لا يجدي نفعًا، الأمر الذي دفعه إلى زيارة قبور ومشاهد أولياء الله، متقربًا من الله بتلك العادة التي يعتبرها عبادة مهمة، أوصته بها جدته أن البالغة من العمر تسعين عامًا، قالت له إن زيارة قبور أولياء الله الصالحين تحقق المعجزات، خاصًة الست رابعة العدوية.






"رابعة بين جبل الزيتون والبساتين"، دارت العديد من الأقاويل حول وجود جثمان رابعة العدوية في جبل الزيتون بالقدس، أم في منطقة البساتين بالقاهرة، إلا أن حنان محمود، حارسة مشهد شهيدة العشق الإلهي، تصر على أنها دفنت في مصر.

قالت كريمة إبراهيم، كنيتها أم محمود، حارسة مشهد رابعة العدوية، إنها ورثت مهام القبر عن أسرتها، فحماية ونظافة هذا المكان مسندة إليهم منذ قرابة 60 عامًا، وأخذت مهمته تنقل من جيل إلى جيل حتى ألت إليها في نهاية الأمر، موضحة أنها تسكن على بعد أمتار قليلة؛ الأمر الذي يسمح لها بالتنقل بين المنزل والمشهد.

تابعت، حارسة قبر رابعة العدوية، أنه يتوافد عليها المئات من الجنسيات الأجنبية المختلفة طوال الأسبوع بلا انقطاع، أغلبهم من مسلمي دول شرق أسيا، إذ أنهم يتباركون بالمقام، ويلتفون حوله مرددين بعض أمانيهم ويرجون الله في هذا المكان الطاهر أن يحققها، معلقه "الزيارة مبتتقطعش من عندنا".

أكدت كريمة إبراهيم، أن كرمات رابعة العدوية لا تنقطع، فلا يوجد دعاء يدعى في رحابها إلا تحقق؛ لقربها من الله، ومنزلتها كبيرة عنده، ومن يأتي إليها يداوم على الحضور حتى ينال من خيرها وبركاتها التي تفيض على حياته.


"الست رابعة قادرة تربط قلبك بيها"، كلمات عبرت بها حارسة مشهد رابعة العدوية، عن ارتباط مريدي شهيدة العشق الإلهي بمرقدها في البساتين، إذ أن كل من يزورها ويدعوا الله يستجب إلى دعائه، ويتعلق قلبه بها، ويشعر بالراحة النفسية في رحابها، معلقة "محدش يقدر يبعد عنها، الست رابعة مبتكسفش أي حد يجلها، ومبتردش أي إيد تتمد ليها وترجوها أن تدعوا الله له".
- مشهد الست عين: "إيحاءات بالعجائب.. أمال على قائمة زوار مرقد فاطمة العيناء"

عرفة صغيرة، ذات نافذة طويلة محاطة بالسياج الحديدي، تفوح منها رائحة البخور والطيب، تخرج منها آيات القرآن الكريم، غطى كل شيء فيها بالحرير الأخضر، بمجرد استراق النظر تشعر وكأنك قدماك قد وقفتا على باب الجنة، وأًصبحت تعيش بين السحاب.

"هذا مقام كريمة الآباء من لقبت يا صاح بالعيناء تدعي بفاطمة غدت منسوبة للمصطفى المخصوص بالإسراء قد سميت عيناء لما بدر في عينيها شبه الزهراء، بشرى لزائر قبرها فلقد سما بمودة القرابة إلى العلياء فأنزل بساحتها وقف متضرعًا وأطلب من المولى قبول الدعاء"، كلمات رثاء كتبت في فاطمة العيناء بنت القاسم الطيب بن المأمون بن جعفر الصادق بن محمد الباقرين علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب.

قالت أم محمود، حارسة مشهد فاطمة العيناء، أو كما يلقبها سكان المكان بالست عين، إنها تحرس هذا المكان منذ حوالي خمسة عشر عامًا، معلقة "من ساعة ما توليت خدمة الست عين والخير مبتقطعش من عندي".

"فضلت مش بخلف خمس سنين"، تروي حارسة مشهد الست عين، لـ "الدستور" حكايتها التي ترى أنها حدثت بسبب كرمات فاطمة العيناء، موضحة أنها ظلت متزوجة من عبدالله إبراهيم، سنوات عديدة إلا أنها لم تكن تنجب، وذهبت إلى إحدى الطبيبات فأخبرتها أنها عاقر ولا يمكنها أن تنجب، ظلت تحاول أن تستوعب هذا الأمر قرابة خمسة أعوام متتالية.

تابعت أم محمود، أنها بمجرد أن وطأة قدماها مشهد الست عين، وأصبحت قائمة عليه، لم تتم عامها الأول في خدمته، حتى وجدت بنفسها تشعر بأعراض الحمل، فلم تصدق حتى ذهبت إلى الأطباء لتتأكد، وبالفعل رفع الله عنها هذا البلاء بعد أن خدمت الست عين، رأت أن لهذا القبر دور في هذا التغيير الذي حدث في حياتها، معلقة " كرمات الست عين".
استطردت حارسة قبر فاطمة العيناء، بالبساتين، أن حياتها منذ أن همت في خدمة هذا القبر باتت حفنة كبيرة من الخير دون انقطاع، موضحة أن هناك العديد من الزوار يأتون لزيارة المقام، ودعاء الله فالمعروف منذ زمن بعيد أن الدعوة في رحاب قبرها لا ترد.

أوضحت أم محمود، أن هناك العديد من الزوار يتوافدون عليها خاصًة من المحافظات البعيدة، الدول العربية، مسلمي شرق آسيا، الدول الأجنبية، للدعاء إلى جوارها والفوز باستجابة الدعاء، معقبة "الكل بيجي يتبارك بالست فاطمة العيناء".


تحكي حارسة مشهد فاطمة العيناء، أنها في أحد الأيام توافد إليها عائلة كبيرة من منطقة نائية بمحافظة الشرقية، وكان عدد نسائها يزيد عن خمسة وثلاثين سيدة، قال الرجال من العائلة إنهن لا ينجبن، وهناك من أخبروهن بضرورة زيارة قبر الست عين، حتى يقبل الله دعائهم ويعطيهم ما يريدون.

فجلست السيدات في حضرة الست عين ثلاث أيام كاملة، يدعون الله في الصباح والمساء أن يقبل رجائهن ويسمح لهن أن ينجبن، كانت تسيل دموعهم كأنهار جارية بلا انقطاع، وقدمن العديد من الرحمات لروح الظاهرة السيدة فاطمة العيناء، حتى ينزل على روحها بالخير والرضا.

رحل الجميع، وبقي دعائهم وحكايتهم تردد لسنوات، حتى أتوا مرة أخرى يوزعون الطعام على الموجودين، وعندما سألتهم أم محمود عن النساء، فأخبروها أن هناك منهن من حملت ورزقت بأطفال عدة، وهناك أخريات لم يحملن، وطلقن منذ عامين، لأنهم عرفوا أنهن كن بورًا.

"زعلت أوي على الناس اللي أطلقت"، هذا كان رد حارسة مقام فاطمة العيناء على الرجال الذين طلقوا زوجاتهم بعد أن تضرعن في مسجد الست عين، لتعلق "إرادة ربنا ميغيرهاش زيارة مشاهد أو مقابر الموضوع بيبقي أمر الله وده مفيهوش هروب أو تغيير".