رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكايات مصرية.. مذبحة المماليك


مر الأول من مارس دون التوقف عند أهم حدث وقع في مثل هذا اليوم، وهو مذبحة القلعة أو مذبحة المماليك، وهي الجريمة التي دبّرها محمد علي باشا، والي مصر، وقضى بها على وجود المماليك في مصر والعالم نهائيًا، المذبحة راح ضحيتها حوالي 470 بني آدم قُتِلوا رميًا بالرصاص، ومَن نجى منهم تمَّ ذبحه بالسيوف والخناجر، ليس ذلك فحسب بل لحق جنود محمد علي بأسر المماليك وطاردوهم وقتلوا مَن أمسكوا به وجرفت أموالهم وممتلكاتهم وحرقت منازلهم.

عاش المماليك قرابة ألف عام حين بدأت تجارة الرقيق من وسط آسيا والتي كانت تتم بخطف الأطفال من ذويهم ونقلهم إلى البلاد العربية لبيعهم، وظل المماليك عبيدًا وخدمًا حتى تمكنوا من الوصول للحكم بعد مقتل شجر الدر عام 1250 وتولية عز الدين أيبك كأول مملوك يحكم مصر وتوالى من بعده حكام عظام منهم سيف الدين قطز وبيبرس وقلاوون والناصر محمد بن قلاوون وقايتباي، واستمر حكمهم حتى الغزو العثماني، الذي أسقط حكم المماليك بقتل طومان في الواقعة الشهيرة بشنقه على باب زويلة.

لكن ظل المماليك يشاركون في حكم مصر والشام حتى جاء محمد علي وفشلت محاولات التفاهم والتقرب بينهما ونشبت العديد من المعارك التي كانت تنتهي بالصلح، ولكن محمد علي لم يكن يأمنهم فدبَّر لهم مذبحة القلعة يوم 1 مارس عام 1811 ليقضي على وجودهم نهائيًا بعد قرابة 600 عام كانوا فيها الحكام وأصحاب النفوذ والأموال.

ورغم كراهية المصريين للمماليك نتيجة استغلال العثمانين لهم في جمع الضرائب وفرض الإتاوات على الشعب، إلا أن الشعب المصري احتفظ بحبه لحكام المماليك العظام، فقد حسب لهم حماية البلاد من خطر التتار والحفاظ على وسطية الإسلام.

تفاصيل المذبحة تدعونا للتوقف أمامها، فيحكي التاريخ أن محمد علي استغل مناسبة خروج ابنه طوسون إلى الحجاز على رأس الجيش المصري للقضاء على تمرد الوهابيين، ونظَّم حفلًا دعى فيه كبار الأعيان وعلى رأسهم المماليك، وقدَّم لهم الطعام والشراب فعلًا، وعند خروجهم ناحية باب العزب انهال عليهم جنوده بالرصاص وقيل إن أنهارًا من الدم الذي أغرق فناء القلعة ولم ينج من المذبحة سوى أمير مملوكي واحد هو أمين بيك الذي فر بحصانه من أعلى أسوار القلعة وبدأ رحلة هروب مثيرة وثقتها الإذاعة المصرية في عمل درامي رائع أنتج في الستينات بعنوان المملوك الشارد بطولة عماد حمدي وأمينة رزق.

كل تفاصيل المذبحة تدعونا لإحياء هذه الذكرى وإعادة البحث في التاريخ الحديث ليعرف الناس كيف حكم محمد علي مصر وكيف استطاع السيطرة على مقدرات البلاد وثرواتها، وتوريثه الحكم لأبنائه من بعده لمدة تزيد عن 150 عامًا.